سؤال الثورات
الأحد 11 فبراير ,2018 الساعة: 07:17 مساءً

عرف العالم العربي الحديث والمعاصر ثلاث ثورات في ثلاثة قرون الأولى ابتدأت بأواخر القرن 19 والثورات الثانية في منتصف القرن 20 وصولا الى ثورات الربيع بالقرن 21 .

ورغم كل تلك الثورات لا يزال سؤال الثوره حائرا كسؤال النهضه قبل 100 عام لماذا تتعثر ثوراتنا بتأسيس الدولة وتنجح مشاريع وثورات غيرنا؟

فبعد ثورات الربيع العربي قامت في ليبيا ثورة على إثرها تأسس مجلس انتقالي 2011 انبثق عنه مؤتمر وطني ولجنة دستورية ليحدث بعد ذلك ومرة أخرى 2012 إنتخاب 60 عضوا لإعداد دستور ، ليفشل هو الآخر لتأتي مرحله ثالثة لتأسيس الدولة من خارج الوعاء الثوري بقياده حفتر ولا تزال المحاولات قائمة والصراعات مستمرة.

نفس الشيء حدث في مصر وفي اليمن كل الثورات تعثرت !

من خلال تلك المحاولات وكثرتها يظل السؤال : ألسنا بحاجه الى علم فوق علم الإجتماع والى علم علوم الاجتماع والى تاريخ التاريخ لدراسة هذا التعثر ؟

ولماذا يبرز المجتمع والدولة العميقه مع أول محاولة لتأسيس الدولة الحقيقيه ؟

هل نحن بحاجه الى إعادة تعريف الثورة والخطوات الأكثر ملائمة لنجاحها ؟

إننا بحاجه لعلماء يقدمون لنا دراسات حول ظاهرة تكرار الثورات ببلداننا وبفترات متقاربة وما أسبابها

وهل هي دليل حيوية ووعي الشعوب؟

أم هي دليل وجود تكرار أخطاء في وسائل الثورات السابقة واللاحقة؟

تعرف الثوره بأنها: عملية تغيير بالهياكل والبنى والمؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتقترن عادة بانتفاضه شعبية ضد الهيئة الحاكمة وهذا بخلاف الإنقلاب الذي يكون بين أطراف السلطة ليزيح أحدهم الآخر دون أن تحدث تغييرات جوهريه على النظام.

هنا نجد المفارقة ، فقد يحدث إنقلاب، ولكنه قد ينطبق عليه وصف ثورة لتغييراته الجوهرية في بنية النظام والأوضاع كانقلاب 1952في مصر الذي تحول لثورة .

والعكس صحيح أيضا، فقد تندلع ثورة ويأتي انتهازيون فيمتطوها ، ثم تفرغ من محتواها لتتحول الى ما يشبه الإنقلاب!!

ولتبسيط هذا الموضوع الشائك والخطير سنتتبع تاريخ الثورات العالمية الحديثه والمعاصره لتساعدنا على فهم ثوراتنا ونقلها من حواف دائرة الضوء الى وسطه ليسهل فهمها ودراستها.


اشكال الثورات

المتابع للثورات العالمية يجد أنها إما ثورات ثقافية يسري تأثيرها على كافة مناحي الحياة فقد تغير مفهوم الثورة منذ قيام الثورة الفرنسية بحيث لم تعد تقتصر على مجرد المعارضة للحاكم المستبد ولكنه أصبح يعني إقامة مجتمع جديد ومختلف عما سبقه.

وإما أنها تأتي كثورات سياسية تذهب ببعض الوجوه فقط وتظل الأوضاع كما هي.

 

أنواع الثورات:

إما ان تكون ثورة داخل البلد يقوم بها كل فئات الشعب وبعنف ضد الهيئة الحاكمة

. أو أنها ثورات سلميه لا يراق على جوانبها الدم أمثلة ذلك من العالم كثيره مثل ثورة زهره التوليب في قيرغيزيا 25مارس 2015 أو ثورة الزهور في جورجيا.

. أو قد تحدث بجزء من الإقليم ضد إقليم آخر انفصالي كالثورة الامريكية لتغير بعد ذلك وجه التاريخ وتصبح ثورة كل الأمريكيين ( نظر اليمنيون البسطاء من البداية لثورتهم أنها ثورة كل اليمنيين واعتقدوا ولو لوهله أن الجنوب الذي تعرض لظلم سيقود كل اليمن نحو قيم العدالة كالشمال الامريكي الذي حافظ على وحدة أمريكا وان انتخاب هادي سيكون المخلص لليمن ككل ويسير بها للمكان اللائق لكن اتضح أن ذلك كان وهما وان هادي لم يكن جورج واشنطن فقد خذل الجميع شمالا وجنوبا!)

 

لماذا تتكاثر ثوراتنا؟

 

بالعالم تحدث ثورة واحده ثم مع تقدم الزمن تحدث مراجعات قانونيه وسياسيه فتدخل نصوص دستوريه جديدة واتفاقات وقوانين تشريعية تواكب التطور وهذا عكس ما يحدث عندنا فبعد 50 عام من الثورات السابقه والتي لم تستقر شهدت حركات تمرد ومحاولات إنقلاب ورفض متواصل لتحدث ثورات لاحقه منها السلمية ومنها دون ذلك.

على الرغم أننا كنا بحاجه الى ثورة خاصة تناسب حجم ومكر الخصم الذي بنى مملكته وسلطته الخاصة به خلال العقود التي مضت بمرأى ومسمع من الجميع وأحيانا بمساعدتهم!

فمثلا ابتكر غاندي ثورة جديدة احتلت نظريته مكانا وسطا بين ما يعرف بالعمل السياسي المعارض من خلال القنوات الدستوريه وبين اللجوء للشعب لإشعال ثورة .فكان العصيان المدني والذي أعلن فيه استعداده لتحمل أي عقوبات تنجم عن مخالفته للقانون والنظام وهو الذي حفظ للهند التعايش السلمي الى الآن رغم تعدد الثقافات والأعراق واللغات بالمئات

بينما نجد أن الثورات التي اختطت لنفسها طريق العنف كالثورة الفرنسيه ظلت لما يقارب 100عام وهي تعاني الصراع.

أسباب تعثر الثورات

هناك أسباب موضوعيه وأسباب ذاتيه لتعثر ثوراتنا العربيه :

ففي ثوره القرن 19 الثورة المهدية كانت أهم نقاط ضعفها الآتي:

 يذهب الصادق المهدي ومحمد احمد المحجوب ونعوم شقير الى أنها ثورة فاجأت العالم وتأثر بها كثير من قادة التنوير آنذاك لكنها بعد ذلك افتقدت للرؤية الواقعيه والجهل المطبق بأبجديات العمل الثوري وقد لخص الدكتور الانصاري ذلك على النحو التالي:

أ- فشلت الثوره المهدية لأنها افتقدت على الصعيد القيادي رؤية واقعية لحقائق الوضع الداخلي والخارجي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

ب- لم تدرك حقيقة التحدي الحضاري الذي كان يواجهها خارجيا والمتمثل بالبريطانين وأعتمدت الروح الجهادية وحدها دون أن تعمل على امتلاك مقومات القوة من نظرية سياسية واقتصادية.

ج- افتقدت لبرنامج عمل سياسي مرحلي في كيفية التحرك لمواجهة المشكلات والتحديات اليوميه.

أهم أسباب تعثر ثورات القرن العشرين العربية :

كان يفترض أن تكون ال50 سنه من عمر تلك الثورات قد حققت انجازات اقتصادية وسياسية وإجتماعية وقد حلت قيم التسامح والحرية والمواطنة المتساوية مكان الطائفية والمذهبية والعلاقات الزبونيه لكن ما حدث كان العكس، واختزل العسكر الوطن بأشخاصهم وتم الإقصاء لكثير من القوى واغتيالها وطحنها لتدخل الأمه العربيه شعوبا وأحزابا وجماعات القرن 21 وهي محملة بذلك الموروث والرغبة بالثأر من بعضها لتصبح أهم مشاكلنا:

أن الفصيل كان مقدم على الشعب والحزب على الدولة.

عدم تقديم الحلول الفكرية لكثير من القضايا الهامة مثل علاقه الدين بالدولة في ظل تصاعد التيار الديني الذي كان يرى للنخبة الحاكمة بعين الشك. أيضا قضية العلاقة مع الأقليات في ظل بروز التوجه القومي المتشدد.
قضية الحريات والتداول السلمي للسلطه وغيرها من القضايا الفكرية وهو الأمر الذي أدى لصراع الكل لتنتهي ثورات الخمسينات كما قال الدكتور الأنصاري لمصر وسوريا والعراق من جانب والملكيات من جانب آخر الى
صراع بعثي بعثي
وصراع قومي قومي
وصراع ديني ديني
ثم الكل ضد الكل ملكي وجمهوري واميري وسلطاني لتنتهي حقبة تلك الفتره بهزائم ونكسات ابتدأت بهزيمة 1967 وقتل الفلسطين بالأردن وفلسطين ولبنان ثم غزو العراق الكويت وإرتفاع الفقر والفساد بأوطاننا وامتلاء السجون بالمعارضين والمظلومين، وصولا للإعتراف باسرائيل من معظم الدول العربية ، قابل ذلك فرز العرب مابين دول الضد ودول الإعتدال.
واليوم يصدر قانون يجرم العلاقة بين قطر ومصر والسعودية والامارات وأصبح التخابر مع حماس جريمة يحاكم عليها حتى رؤساء وأصبح الذهاب لاسرائيل أسهل من الذهاب لأداء مناسك الحج!

ثورات الربيع العربي

دخل العرب القرن 21 وهم مثقلين بكل تلك المشاكل: هموم القرن 19 والقرن20 وما فيهما من أخطاء ليجد العرب أنفسهم أمام تحديات كبرى لينفجر الوضع بشكل ثورات 2011.
يذهب الدكتور هاني عبادي الى شرح أهم الأخطاء التي رافقت ثورات الربيع العربي:
أولا انها رفعت شعار الشعب يريد اسقاط النظام" والنظام عبارة عن شبكات من العلاقات الداخلية والخارجية وخاصة الأمنية والعسكرية وبالتالي سعى الغرب واسرائيل الى تفريغ هذه الثورات وتحويلها من مسار ثورة الى مسار أزمة.
كما أن الغرب برأي روبرت باكينهام في أدبيات التنميه السياسية وفي صميم نظريته الليبرالية التي ترى:
1- ان توزيع القوة أفضل من تركيزها بجهة واحده.
2- أن التغيير والتنمية عملية سهلة .
3' أن الأشياء الجميلة تسير بغير انقطاع.
4' أن القوه والنزعه الرديكالية أمر غير مرغوب به.
وكان الغرب يمارس المكر حيث يبدي للثوار سعادته بذهاب الأنظمة الدكتاتورية وبعيدا عن الكاميرا والمؤتمرات يتواصل مع تلك الأنظمه ليشد من عضدها، متسائلا: كيف يتم تسليم الدولة لإرهابين أو مغامرين لا يفقهون شيئا من أمر السياسه الدولية.
*ثانيا: أن الثورات العربية أعلنت عن نفسها كثورات سياسية وليس كثورات ثقافية لغيير عقل وفكر الإنسان العربي الذي اتضح أن ولائه لا يزال للقبيلة والحزب والأسرة.
هذا المواطن بحاجة لتغير عقليته ليتسنى له بعد ذلك تحقيق أهداف الثورة ولكن اكتفت الثورة بإسقاط النظام وتقديم مخزون رمزي مثل أسماء مدن وشهداء و ملاحم وأحداث ولم يكن هناك حضورا أقوى لمخزون القيم الذي يغرس قيم الحريه والمواطنه المتساويه.

الخلاصة :
في السابق عندما حكم القوميين والمعتدلين أقصوا الآخرين واليوم يشعر القوميين واليساريين وغيرهم أنه تم تهميشهم.
هل نستطيع أن نسمو على جراحنا وأن نكبر بحجم ثورتنا وأن تجلس جميع القوى معا للمراجعة، فالفشل كان حليف ثورات القوميين واليساريين والاسلاميين ولم يقدم أحدا النموذج الثوري الناجح، فسقط المشروع القومي واليساري، ولا تزال ثورات الربيع متعثرة، فهل نستطيع أن نحلم باجتماع كل أولئك اليوم، لننقذ ما يمكن انقاذه من بقايا دولنا التي يراد لها أن تتمزق وتتشظى ولن يسلم منها لا قومي ولا إسلامي ولا معتدل!

 


Create Account



Log In Your Account