يوم الربوع
الأربعاء 07 يوليو ,2021 الساعة: 11:51 مساءً

بتولي صاحب المواهب محمد بن أحمد بن الحسن الإمامة منتصف عام 1097هـ / 1688م، بدأ تنافس الجيل الثالث من آل القاسم على الحُكم، صحيح أنَّ صراعهم انحصر بصورته الفظيعة شمالًا، إلا أنَّ تبعاته الكارثية تجاوزت الجُغرافيا الزّيدِيّة، والأسوأ أنَّه أسس لانقسامات مُتتابعة دفع القاسميون وأنصارهم ومناوئيهم ثمنها كثيرًا.
     
علويون كُثر عارضوا صاحب المواهب عام توليه الإمامة، فمن خارج أسرته جدد المُتوكل الحسين بن عبدالقادر شرف الدين دعوته من كوكبان، ومن مسور خولان أعلن علي بن حسين الشامي نفسه إمامًا، ومن فللة صعدة دعا لنفسه الحسن بن صلاح المُؤيدي.
     
ومن داخل الأسرة القاسمية جدد عدد من الأمراء دعوتهم، وبسببهم لم يهنأ صاحب المواهب بالإمامة لحظة، وعنهم جميعًا قال صاحب (الجامع الوجيز): «وبعد موت المُؤيد بن المُتوكل إسماعيل افترق آل الإمام فرقًا، ومُليء بعضهم من بعض فَرَقا، فطمع الكل بالإمامة، وكادت تقوم القيامة.. وصارت الأرض جيفة، وفي كل قرية خليفة».

وكان من أشهر الأمراء الذين جددوا دعوتهم عمه الواثق الحسين بن الحسن 1098هـ / 1689م، الذي كان طيلة السنوات السابقة حاكمًا على رداع، وسبب تجديده دعوته يرجع إلى قيام صاحب المواهب بعزله عن قيادة احدى الحملات العسكرية التي وجهها ليافع، وجعل الأمير يحيى بن محمد بدلًا عنه، وذلك بعد أنْ امتنع عن التقدم صوب البيضاء؛ مُتذرعًا بأنَّ بينه وبين السلطان أحمد الرصاص مُراسلات ستفضي إلى تجنب الحرب، وسفك الدماء.

لم يقتنع صاحب المواهب بتلك المُبررات، ولم يتقبل الأمير الحسين أمر عزله، جدد الأخير دعوته، وحظي بدعم أمراء تلك الحملة، تركوا قائد الحملة الجديد وحيدًا، ومن الزهراء عادوا جميعًا إلى رداع، وفيها تحصنوا، وحين رفض الواثق الحسين مقترح أولئك الأمراء بالزحف صوب ذمار، وخلع ابن أخيه، تخلى معظمهم عنه، وعادوا إلى بلدانهم، وتركوه مع عدد من خُلص مُناصريه.

وما يجدر ذكره أنَّ الحسين بن الحسن كان قد أعلن قبل ذلك نفسه أمامًا مرتين: المرة الأولى من ذمار، وذلك بعد وفاة المُتوكل إسماعيل بن القاسم جمادى الآخر 1087هـ / أغسطس 1676م، معُارضًا لأخيه المهدي أحمد بن الحسن، وفيها تلقب بـ (الواثق)، والمرة الثانية من رداع، وذلك بعد وفاة الأخير جمادى الأولى 1092هـ / يوليو 1681م، معارضًا للمُؤيد محمد بن المُتوكل إسماعيل، وعنه قال الشاعر محمد المرهبي:
أم الـرداعي مـن دعـا واثـقًا
إلى الرضى من قيـفة والحدا

وبالعودة إلى موضوعنا، موضوع دعوة الحسين بن الحسن الثالثة والأخيرة، فقد كَثَّف صاحب المواهب من استعداداته لكسر شوكته، وأرسل حملتين عسكريتين لذات الغرض؛ نجا - أي الحسين - بنفسه إلى حصن عصره، مُستنجدًا بأبناء قبيلة قيفة، وبالفعل نصره الأخيرون، تصدوا للقوات الإمامية، ونكلوا بها شرَّ تنكيل. 

لم ينس صاحب المواهب تلك الهزيمة، وقام بعد فترة هدوء محدودة بإرسال 3,300 مُقاتل، وجعل عليهم أخاه المحسن شعبان 1099هـ / مايو 1688م، وعلى حين غفلة، وذات صباح هجمت تلك القوات على سوق الربوع (الأربعاء) في قيفة، وعاثت فيه قتلًا ونهبًا وخرابًا، وعن ذلك قال المُؤرخ زيد بن صالح أبو الرجال متباهيًا وموضحًا طبيعة ذلك الجُرم الإمامي: «والآن قد صارت تلك المعاقل داثرة، قد عفت منها الديار، واحتوى عليها الأدبار، ومنيت بالذل والتبار».

استجمع أبناء قيفة والقبائل المُجاورة قواهم، ولم ينته نهار ذلك اليوم إلا وقد أعادوا الكرة على القوات الإمامية، هزموها شرّ هزيمة، قتلوا من قتلوا، وأسروا من أسروا، وأصابوا قائدها بطعنة رمح في رجله، وأجبروه ومن نجا من أصحابه على التراجع إلى الجميمة، بالقرب من ذمار.

تركت حادثة الغدر بمُرتادي سوق الربوع أثرها السيء في نفوس أبناء قيفة وما جاورها من مناطق، وما يزال أحفادهم يتناقلون أحداثها بألم يشوبه غضب عارم على الإمامة والإماميين؛ ونتيجة لذلك صار يوم الأربعاء عندهم يومًا مشؤومًا، ولشدة تطيرهم به غيروا اسمه إلى (يوم البِرِك)، وكانوا يقولون - إلى وقتٍ قريب - لمن ذكر ذلك اليوم أمامهم: «على قرنك وقرن أبوك». 

ما أن سمع صاحب المواهب بهزيمة أخيه المحسن، حتى أرسل في نهاية ذات الشهر بحملة كبرى قوامها 6,000 مُقاتل، وجعل عليها أكثر من قائد، وراسل في ذات الوقت مشايخ قيفة، ونجح في استمالة عدد منهم، فما كان من الواثق الحسين إلا أنْ راسل قادة تلك الحملة، وأبلغهم بعد أنْ التقاهم برغبته في المثول بين يدي ابن أخيه الإمام، وهو ما كان.

صحيح أنَّ صاحب المواهب أعاد عمه الحسين بعد أن التقاه لمنصبه، إلا أنَّه عمل جاهدًا على التخلص منه، ممهدًا لذلك بمُراسلته، وإيهامه أنَّه الأحق بالإمامة، وحين حانت اللحظة الحاسمة، استدعاه لاجتماع مُستعجل، ثم قام بعد أنْ فرَّق بالخديعة أنصاره بالقبض عليه 10 محرم 1100هـ / 3 نوفمبر 1688م، وزج به في السجن، ولم يفرج عنه إلا بعد مرور 12 عامًا.


Create Account



Log In Your Account