(ضاع في الزحمة).. الاستعارة في الخطاب السياسي اليمني
الأحد 28 أُغسطس ,2022 الساعة: 01:19 مساءً

مع أن الرئيس علي ناصر محمد ليس هو أول من نطق هذه الجملة الاستعارية: "ضاع في الزحمة"، بل كان ناقلا لها عن سعيد الجناحي، واصفا مصير الرفيق عبدالفتاح اسماعيل إبان أحداث عشرية يناير 1986 لكنها ستوثق باسمه وتكتب: "علي ناصر أوجز وتهرب، وأبلغ، وقدم شهادته"!.
ساعدته الاستعارة "ضاع في الزحمة" بلاغيا وأخلاقيا وتاريخيا؛ هكذا اللغة تختزل التاريخ وترويه!.
كما خُلدت- أيضا- جملٌ استعارية في الخطاب السياسي اليمني المعاصر؛ فارتبطت بأسماء معينة، على سبيل المثال لا الحصر: "فاتكم القطار" "الرقص على رؤوس الثعابين" "حاربي وارقدي" للرئيس الراحل علي عبدالله صالح" و"الخوف في الرجلين" للرئيس عبدربه منصور، وقبلها؟"الجرثومة التي تحاول تشوه سمعة نضالنا" لعلي عنتر، و " طيش فيش " للرئيس علي البيض و"دم الجنوبي على الجنوبي حرام"، لبن فريد و"دمية بيد الخارج" لعبدالملك الحوثي، و"براميل الشريجة" للبجيري، "وإلا البرقع يا حسن" لفتحي بن لزرق... وغيرها من التراكيب الاستعارية المرتبطة بالسياق الثقافي والسياسي والاجتماعي.
تقدم (الاستعارة) بالمفهوم البلاغي الجديد للخطاب السياسي خدمة للسياسيين والإعلاميين في نقل الكلام، أو وجهات النظر بإيجاز وحيوية، وتحقق أقصى حد من الفعالية والتأثير، موفرة لوسائل الإعلام مادة سهلة الاقتباس، وتزدان بها (الهاشتاجات) و(التغريدات) وهذه أبرز وظائفها وأهمها. 
وكما تقول إيلينا سيمينو في كتابها (الاستعارة في الخطاب): "المتحدث الجماهيري البارع تكمن قدرته على استغلال استعارات مفهومية تقليدية لتحقيق أغراضه البلاغية من خلال مطها وتكييفها بإبداع؛ لكي تنقل افكارا معينة".
ويربط أرسطو بين (الاستعارة) و(العبقرية)! وهي ليست مقتصرة على الأدباء والسياسيين أو الشخصيات الإعلامية فقط.
حقيقة نحن لا نكاد نقول جملة أو نسمعها إلا واستخدمنا (الاستعارة) والكل يفهمها دون دروس بلاغة، أو تفكيك أو تحميل دلالات، وكل كلامنا استعارات.
يلفت جورج لاكوف- مؤلف كتاب (الاستعارة التي نحيا بها)- وزملاؤه النظر إلى أن التعبيرات الاستعارية متغلغلة الانتشار في اللغة، وأنها تميل إلى تشكيل سلاسل نسقيةِ. 
سنطبق هذه النظرية على خطابنا السياسي الإعلامي اليمني راصدين عشوائيا هذه التعبيرات الاستعارية، ونستنتج النسق:
 "الأزمات تتوالى وتشتد، انفجرت الثورة، الشعب يريد إسقاط النظام، جاء الحوار، انفجر الوضع، اشتعلت الحرب دمرت منازلنا، شرّدتنا، أكلت الأخضر واليابس، الحرب مُرةٌ، الجنوب قادم، ماتت الوحدة، الوحدة عز، كبُرت كروشهم، جرحونا بحديثهم، مسحوا بكرامتنا الأرض، الجوع كافر، باعوا أنفسهم للشيطان، يكذبون كما يتنفسون، الحقيقة المرة، ابتلعهم البحر، الناس يطحنها الغلاء، خزان صافر يهدد الحياة في البحر الأحمر.
ضلوا الطريق، شبعنا من الكلام والوعود، يتنفسون الكذب، يغامرون بالشعب، باعوا الوعود، ارتوت الأرض من الدماء، ارتهنوا لمشاريع خارجية، الحوثي يد إيران، تكلمت البندقية، الشرعية في عنق الزجاجة، الانتقالي يكبد الإخوان، سلالة الشيطان، المعلمون جائعون، الوطن ينزف، وعبده يغرد، الشعب يتألم، السيكل يدور، الكهرباء منهارة، المنظمات تسمن قططها، الوطن يئن يستغيث، الأمم المتحدة قلقة، تدهور العملة، تسمرت أقدامهم، الحوثي على أبواب مأرب، نحلم بالأمس، التاجر جزار، احتكروا السوق، انتشرت الأوبئة، فاحت روائحهم الكريهة، يحلمون بالأمس، أياد آثمة، أياد أمينة، رجال الحرب، أنصار الله، مصادرة الحريات، إغلاق الأفواه، الطفولة المعذبة، الرصاص الراجع يحصد الأرواح، البترول في السوق السوداء، الفتنة في شبوة، شبوة تتطهر، العمالقة يتقدمون، الدحابشة، صوت الجنوب، صوت الشعب، منتخب الناشئين يرسم الابتسامة، المسيرة القرآنية، أذناب الاستعمار، المطبلين كثير، زغردي يا انشراح، ينهبون الموارد، يحرق البخور، الفساد يتغلغل في أجهزة الدولة، عادت لأحضان الدولة، قائد بحجم وطن، عرب 48، الطريق إلى المستقبل... وغيرها". 
هذه التعابير الاستعارية أو المجازية، تزخر بها حياتنا، بعضها قديم وبعضها الآخر جديد، بعضه محلي وقليل بالمثاقفة!.  
لكننا سنبني من هذه الجمل والعبارات بناءً تراجيديا لأحزاننا، لأنها من نسق واحد باستثناء "منتخب الناشئين يرسم الابتسامة ..."، إنه نسق الحرب والدمار، وهي توصيف حجاجي لفظي بمفردات سلبية مادية بما فيها على وجه التحديد العنف بأنواعه، إنها شهادة تختزل التاريخ قصة شعب منهك. (اللغة تروي التاريخ)!.


Create Account



Log In Your Account