أَوْجَسَ مِنْهُمُ فكانَتْ عَشْرِيَّةُ ينايرَ1986
الخميس 12 يناير ,2023 الساعة: 07:12 مساءً


         "عليْ ناصرْ يا جبانْ يا عميلَ الأمريكانْ"؛ خَرَجْنَا نهْتِفُ مُكرهينَ بحماسٍ ومعنا بعضُ الهتافاتِ الثوريةِ الجميلةِ :" قسمًا انّا نناضلْ كلَّ يومٍ من جديدْ ونُسقي مِنْ دِمانا تربةَ اليمنِ السعيد" ..

    وهَتَفَ سرًا : " لا في دراسة ولا تدريس، علي ناصر هو الرئيس" أشهرُ تلميذٍ في المدرسة ( زُهير العُرجي)

      باتت اللجانُ الشعبيةُ النشطةُ تقومُ بدورِها النضاليّ التعسفيّ في حشدِ الناسِ إلى شوارع أحياءِ المدينةِ الرئيسةِ، لم أتجاوزِ العاشرة من العمر حين صحبت شقيقيَّ للمظاهرة المؤيدة للطغمة ضدّ الزمرة؛ إنّما يومها اكتشفت عشقي للهتافات الجماعية وللأهازيج من تهاليل الجنائز إلى الموالد التي حُرِمَت فيما بعد ....في مدرجات الملاعب و الرحلات ... في قاعات الدرس النشيد الوطنيّ.
لا أدريـــــ.... ما السرّ في صوت الجماهير الموحد الهادر في جيناتي وأوردتي؟! 

    "يمنٌ ديمقراطيّ موحد نفديه بالدم والأرواح.. سوف نقاتل سوف نناضل ثورة ثورة لإصلاح " ... ديمقراطي موحد ... موحد ديمقراطي... سلام الله على الرفاق الوحدويين القوميين ! أيْنَ أنْتُمْ ؟

        سيمثل علي ناصر ومرحلته عند الكثيرين بدايةُ عمليةُ لعقلنةِ حماسِ الرفاق الثوري والتصحيح؛ وتوقف التحرش بالجيران؛ عَكَسَ نفسه ببعض الاستقرار الاقتصادي لكن ( علي ناصر) وهو يحاكي سالمين- ذكراه تؤرقه- يقصي الرفاقَ؛ فيقترب من الناس مستأثرا بمفاصل الدولة وقراراتها
 
                لم تمضِ بضعةُ أعوامٍ على أحداث (سالمين) لتتقوى (الجرثومة) وتستبد حسب استعارة (عنتر) ولمزة؛ مشوشةً على سمعةِ نضال الرفاق الأمميين والأميين، إذ تقتلع نفسها بمغامرةٍ كان لابدّ منها " تغدى بهم قبل أن يتعشوا به"

     من نتائج عشريّة يناير وخسارة ما عرفوا بالزمرة يتضح أن علي ناصر ورفاقه أدركوا ضعفهم فاستبقوا الأمور، لكنّ الخسائر كانت كارثية في عشرة أيام

      يضج سجن (الفتح) في التواهي بتلاوين العذاب والقوارير ...الإعدامات الفردية والجماعية وزوار النهار ...و( القعاميس الوشاة) ما يستفز المرء هو تسمية السجن الشهير باسم (الفتح) فمعناه الدلالي إسلامي والرفاق ماركسيون، إلّا لو ربطنا الفتح بالقوارير! فتح الله على قلوبكم بالفهم.  

     بعد العشريّة غيّرتِ ( الطغمةُ) اسم مدرستي في شمال غرب الشيخ عثمان إلى : "الشهيد ثابت محسن عبد القوي" رسميا على الأوراق ولوحة المدرسة والمعاملات والسجلات والشهادات ليختفي إلى الأبد اسم (ميفعة الموحدة)

   كانَ الاسمُ الجديدُ المفروضُ مملًا طويلًا وثقيلًا؛ ولم يسعِ المربعَ المخصصَ لكتابة اسم المدرسة على الكراسات... لكن في خطابنا الشفهي اليومي وأحاديثنا ظل اسمها (ميفعة) رغم المحاولات الحثيثة التي بذلها النائبُ السياسي في المدرسة لتجريعنا الاسم الممل وإشاعة تداوله.... 
 أزمة الهوية وجذورها لدى الإنسان في هذه البلاد من هنا تبدأ، والحمد لله وإن اختفى اسم (ميفعة ) فإن مدرستي الأولى (ردفان ) في شمال غرب عدن مازال اسمها صامدا إلى اليوم!

   كم تبرّمنا و(عرعرنا ) ومديرنا الفذ (فؤاد علي سالم) من عبث الرفاق، ...وهكذا أضيف اسم الشهيد (عنتر) للتنظيم الطلابي المدرسي(الطلائع) فصار( طلائع علي عنتر)
   
     رفض والدي-رحمه الله- انضمامي إلى الطلائع بدعوى أنّ الرفاقَ يعلمون فيها (الأطفال) الكفرَ والألحاد، مضيعين أوقات الطلابِ بالرحلات والاجتماعات والمؤامرات والغناء والرقص
        موقفه هذا ربّما اتخذه بتأثير من السادة الحضارم (آل البيتي) جيراننا المحافظين؛ كم كانت أمنيتي أنْ أكونَ من طلائع (علي عنتر)، ربّما لأنها كانت طلائعيّة! 

   أحبّ (علي ناصر) وكانت أعماله التجارية البسيطة تزدّهر في عهده، فلم يضيقوا على البرجوازية الصغيرة فاشترى محلا صغيرا بالشراكة حسب القوانين الاشتراكية في سوق الطويل/ة ؛ كان ملاذه خلال عشرة أيام الحرب بعد ان تعذرت عودته الى (الشيخ عثمان) الّا في اليوم العاشر ، وعاد على ساقيه ماشيا ليروي لنا وسأروي أمانته لكم في قادم الأيام
كان المحللون السياسيون في إذاعة (هنا لندن) يجمعون على أنّ الحرب في عدن حرب قبائل على السلطة أكثر من كونه صراعا ايديولوجيا  

إنما الحق يقال ان الصراع السياسي في اليمن شمالا وجنوبا كان آنذاك نخبويا وكان الشعب اليماني (الطيب) يعيش غير مكثرت بما يدور من مكائد ومؤامرات على السلطة التي لا ناقة له فيها ولا جمل " أشداء بينهم رحماء بالشعب "  
لكن لماذا الصراع اليوم على السلطة أخذ يطحن الناس ويمد يده الى خبزه وأمنه هل كان الجيل الاول من المتسلطين أو الساسة أكثر رحمة ومروءة من هؤلاء المتاجرين بدماء الناس وأقواتهم



Create Account



Log In Your Account