فبراير بين الفكرة الثورية ووزر الإنقلاب على مشروعها الثوري : نظام صالح وأسباب الثورة الثالثة..(الحلقة الثانية)
السبت 18 فبراير ,2023 الساعة: 06:42 مساءً

على إثر حرب صيف 1994م ، أصبح الفعل السياسي الديمقراطي تجاه الواقع السياسي والإجتماعي ، قابل للمصادرة والإلغاء، حتى نظام صالح الذي انتصر عسكرياً على الوحدة اليمنية "السلمية" أصبح غير قابل للإتساع السياسي على حلفائه السياسيين والعسكريين الذين شاركوه سيناريو حرب 1994م تحت مزعوم الدفاع عن الوحدة اليمنية ، فقد استطاع صالح بعد الإنقلاب على المرجعيات السياسية الوحدوية ، وعلى حاملها السياسي، أن يسيطر على قيادة الجيش والأمن ، بل أسس ألوية ومعسكرات ضارية داخل المؤسسة العسكرية، بحيث أصبحت هذه المعسكرات تخضع لقيادة الضباط من أبناء عائلته ، مثل ألوية الحرس الجمهوري والحرس الخاص التي كانت تخضع لقيادة أحمد علي ، وكذلك معسكرات الأمن المركزي التي تخضع لإبن أخيه يحيى وبعض المعسكرات المستحدثة تحت هذا أو ذاك من أسرة صالح التي أرادت لهذا الإسم أن يتخذ موقعه الجديد في القاموس السياسي بما يجعلها "أي عائلة صالح" صاحبة السيادة على تاج السلطة الحاكمة، وهو ما حدث على حساب بيت الأحمر التي كانت صاحبة السيادة منذ عقود .

مثل هذا التحول اللا وطني في تركيبة الجيش وإن كان من جهة أولى قد عمل بنسبة كبيرة على زحزحة مقاليد السلطة السياسية الحاكمة ، من يد القبيلة السياسية الجهوية إلى يد الأسرة أو عائلة صالح ، إلا أنه في نفس الوقت خلق تركيبه ثنائية فيما يتعلق بالولاء السياسي والعقيدة القتالية داخل مؤسسة الجيش بحيث أصبحت معسكرات الفرقة موالية لعلي محسن وألوية الحرس الجمهوري موالية لصالح ونجله ، ومن جهة ثانية إذا كان مثل هذا التحول يعبر عن رغبة السلطة الحاكمة منذ عام 1990 على ابتلاع دولة الوحدة ، إلا أن ذلك كان يعني في نفس الوقت أن سلطة الرئيس صالح هي السلطة الأكثر توجهاً في مسارها السياسي العام نحو إفراغ محتوى النظام الجمهوري، سيما وقد أصبحت معها الجمهورية اليمنية التي تأسست مع حدث الوحدة عام 1990م ، على نظام الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة بين أبناء الشعب اليمني ومكوناته السياسية، أصبحت على وشك التحول الحقيقي إلى جمهورية وراثية على غرار ما حدث في سوريا وكان سيحدث في كثير من الجمهوريات العربية لولا ثورة الربيع العربي، مع الفارق أن سلطة الجمهورية في سوريا وبعض الدول العربية لم تكن مقيدة في مسار توجهها المستقبلي بأي مرجعيات سياسية وإلتزامات دولية تجاه الحفاظ على الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة ، وهذا بحد ذاته كان كافياً في استحقاق حدث ثورة يعمل على إعادة محتوى النظام الجمهوري ومكتسبات الوحدة اليمنية التي صادرتها سلطة الرئيس صالح على المستوى السياسي فقط، ناهيك عن الوضع الإقتصادي والفساد المالي والإداري.

قد يقال أن صالح كان يتم انتخابه عن طريق صناديق الإقتراع ، ما يعني عدم جواز الفعل الثوري تجاه رئيس شرعي تم انتخابه عن طريق الديمقراطية التنافسية في أكثر من جولة انتخابية تمت في الموعد المستحق لها، إلا أن استخدام الرئيس صالح لأجهزة السلطة والمال العام وحتى الإعلام لصالحه في تلك الإنتخابات ، بل ضد المنافسين له بما كان يجعل من هؤلاء المنافسين في الانتخابات لا يواجهون صالح وحزبه السياسي كما هو الحال في الدول الديمقراطية بل يواجهون السلطة الحاكمة ونفوذها السياسي والعسكري والمالي والإعلامي وهي أدوات يجب أن تكون محايدة في عملية الإنتخابات الديمقراطية ، كل ذلك كان بحد ذاته ضرب للديمقراطية والتعددية السياسية الحزبية والتداول السلمي للسلطة ، 

على هذا الأساس كان الرئيس صالح يلجأ في كل ولاية من ولايته الثانية والأخيرة دستورياً ، إلى استخدام أغلبية حزبه "العددية" داخل مجلس النواب وذلك لإجراء تعديلات دستورية تعبر عن حاجته كحاكم مستبد يرغب في تملك مقاليد السلطة الحاكمة للأبد ، ولا تعبر عن حاجة النظام الديموقراطي أو المجتمع لفكرة التغيير السياسي والإجتماعي تجاه المستقبل ، سيما وقد كانت مثل تلك التعديلات الدستورية تجعل من انتهاء ولايته الثانية والأخيرة - قانونياً ودستورياً - بداية جديدة لتولي الرئاسة في ولاية أولى جديدة وهكذا دواليك كان نظام صالح يجيد إفراغ محتوى النظام الديمقراطي ويسقط مبدأ التداول السلمي للسلطة، بعد أن كان مبدأ التداول السلمي للسلطة يمثل أهم مكتسبات الوحدة اليمنية في عام 1990، هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية كان صالح بدافع الإستبداد السلطوي وجموحه السياسي اللا محدود في السيطرة على مقاليد السلطة ، حريص كل الحرص على أن يظل حزب المؤتمر الشعبي العام هو حزب السلطة الحاكمة ولا تكون السلطة هي سلطة الحزب الحاكم ، بدليل ما نورده هنا على سبيل المثال وليس الحصر أن أغلبية حزب السلطة في مجلس النواب ذهبت على لسان زعيمها للقول بنزع عداد الديمقراطية، أي منح الرئيس صالح سلطة دائمة على حساب مبدأ التداول السلمي للسلطة وتلك مألات ناتجة عن حزب السلطة وليس عن سلطة الحزب والفرق بين هذا وذاك هو الفرق بين مشروع العائلة وبين مشروع الحزب السياسي.

مع إمكانية الحديث هنا بشكل مفصل في إشكالية هذه المفارقة التي جعلت حزب السلطة في اليمن الموحد بلا مشروع وطني ديمقراطي ، إلا أن ما يهم في هذه المقالة أن الرئيس صالح أراد من حزب المؤتمر الشعبي ومن الجيش والأمن وأجهزة السلطة الأخرى أن يكونوا أدوات نفوذ سلطوية وهيمنة سياسية بيد سلطته العائلية وليس بيد سلطة الدولة الوطنية الديمقراطية التي كان من المفترض أن تكون هي الكيان السياسي الحاكم في مستقبل اليمن الموحد، بموجب المرجعيات السياسية التي قامت عليها دولة الوحدة اليمنية بين شمال اليمن وجنوبه وبين الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام، خصوصاً وأن تطبيق الحد الادنى من تلك المرجعيات السياسية الوحدوية يعني أن دولة الوحدة اليمنية يجب أن تشكل حالة تجاوز سياسي واجتماعي واقتصادي لتجربة السلطة الحاكمة وخصوصيتها في زمن التشطير السياسي بين صنعاء وعدن .

هكذا كان صالح يخلق ضرورة الثورة بل يعترف في خطاباته السياسية بوجود أسبابها كما سيأتي في موضوع الحلقة الثالثة
يتبع....


Create Account



Log In Your Account