من حياة ما قبل الحرب.. "الحلو والمر"
الأربعاء 17 يوليو ,2024 الساعة: 04:44 مساءً

بعد الحرب غير ما قبل الحرب، ذلك حدث للكثيرين ممن غيرت الحرب أحوالهم وطباعهم، نعم الحرب غيرت حتى طباع واخلاق بعض من الناس،  دعونا من ما بعد الحرب واثنائها فهو واقع نعيشه وعشناه، ودعونا نحلق في بعض ايامٍ جميلة قضيناها قبل الحرب وقبل احداث ثورة 11 فبراير، حياة عشناها كانت جميلة ورائعة بالرغم من ما احاط بأيامنا فيها من كفاح وتعب، في العام 1999م قرر أحد اخوتي السفر والاغتراب وكان لديه محل لبيع مياه الكوثر وتحديداً في حارة مسجد الكويت بجانب سوق الجهيم، وترك المحل لي فقد كنت قبل ذلك أعمل في محل آخر لبيع مياه الكوثر في سوق الاشبط براتب شهري.

 كانت الحارة وسوق الاشبط تعج بالحياة ورواد سوق الجهيم لبيع القات يأتون من مختلف انحاء المدينة،  هذه المنطقة كان يوجد بها أشهر مخبازة في مدينة تعز (مخبازة شاهر) وفيها أشهر مطعم دجاج مطعم عبده علي، وكنا نورد لهم مياه الكوثر وكذلك بعض البقالات والبوفيهات داخل سوق الاشبط، في البداية كانت الأمور تتراجع بعملنا ومع الأيام قمت بنفسي بعملية توزيع المياه بدلاً عن عمال كانوا لدي، غيرت محطة المياه الصحية التي اتعامل معها وقد كانت هناك مزايا من المحطة الجديدة واعتقد كان اسمها طيبة، بدأت الأحوال تتبدل وبدأت الأرباح تظهر، كان العمل مجهداً ومتعباً،  فمن الصباح الباكر أقوم بالتوزيع للمطاعم والبوافي وكذلك للمنازل في الحارة، الجيران طيبون وهناك احترام متبادل، أخي الأكبر كان دائم الحضور ويمكث عندي ليلاً،  شاورته عن إمكانية أن ينزل اخواي الاصغر من القرية كي يساعداني بالعمل اثناء العطلة الصيفية، لكنه كان معارضاً بحجة أن المدينة سوف تقضي عليهما،  سيضيعون، وكنت قد اخبرته عن المال الجيد الذي بدأت بإكتسابه من العمل، اضطررت لجلب اخواي من الريف في العطلة ومع الأيام تزايدت الأرباح وكان كل همنا هو توفير كل احتياجات البيت من مواد غذائية وغير ذلك،  فقد عانت أمي كثيراً وحان الوقت للاهتمام بالبيت، كنا نسكن في دار قديم ونملك غرفة وحيدة في هذا الدار، لذلك كان أيضا ً من أهم اهدافنا بناء بيت جديد يأوينا، وفعلاً كنا نوفر المال ونعطيه لكبيرنا فهو الموجه والمرشد والقائد، وكانت أيام كفاح وتعب نسعى بكل جهدنا لأجل هذا الهدف،  وفرنا أحجار البناء من صفا تملكه أمي رحمة الله عليها، وكان موضع بيتنا الجديد ايضاً ملك امي وخالتاي رحمة الله عليهن جميعاً، وهناك من حاول أن يبسط على هذا الموضع فواجهناه ووقفنا صفاً واحداً،  بالتأكيد كان اخينا الكبير بالمقدمة فهو الكبير وأيضا ً لديه علاقاته الواسعة، نحن نمول وهو يتابع مشكلتنا حتى اثبتنا احقيتنا بالموضع، أيام كانت مثالاً للوحدة والتكاتف، بنينا البيت بتكاتفنا جميعاً، من عربة الكارو ومياه الكوثر الصحية وتصميمنا ومثابرتنا وجهدنا وعرقنا الذي سقيناه الأزقة والشوارع، اخي الكبير كان بمثابة القدوة لنا، كان عهدنا أن نبني البيت ويتزوج اخي الاكبر ومن ثم انا وبعدي اخواي الاصغر، حتى اننا فكرنا بحلول لاي مشاكل بالمستقبل،  فإذا لم يستطع أحدنا أن يتعايش مع اخوته نبني له بيتاً مستقلاً وتظل روابط الأخوة والتكاتف والتعاون بيننا.

كانت أمنا رحمة الله عليها دائمة الدعاء لنا بالرزق وبالصحة والعافية وأن يوآخي الله بيننا، كنا اعزة بوحدتنا وتفانينا من أجل بعضنا، وكانت أسعد الأيام بالنسبة لنا.. وطبعاً كانت هناك جوانب سلبية نعيشها ويعيشها كافة أبناء الشعب في تعز وغيرها.. الفساد الذي ينخر في مفاصل الدولة وتردي الخدمة في المستشفيات العامة،  تردي التعليم و الكثير من الخدمات التي يجب أن توفرها الدولة.. ورب قائل يقول كنا في نعيم فأصبحنا في جحيم ويرجع سبب ذلك إلى ثورة 11 فبراير.. وهذا منطق خاطئ.. إذ أن ذلك اليوم كان نتيجة ما سبقه من فساد متراجم وجرائم سياسية ارتكبت منها اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.. وما تلاه تحصيل حاصل لتشبث من كانوا بالسلطة بها ومحاولتهم افشال مشروع بناء الدولة الوطنية الاتحادية الجديدة.. ونتيجة انقلاب طائفي على الدولة حدثت الحرب.. وكنت انا واخوتي كما هناك آخرون من ضحاياها الكبار.. كما هو حال الوطن.. وللقصة فصلٌ آخر وهو الجانب الاكثر مرارة من المر نفسه.


Create Account



Log In Your Account