الإثنين 28 أكتوبر ,2024 الساعة: 02:18 مساءً
البردوني، الشاعر والمفكر اليمني الكبير، كان دائما معروفا بعمق نظرته الثقافية والاجتماعية، وقدرته على رؤية ما وراء المشهد الظاهري للواقع اليمني..في إجابته عن سؤال لصحيفة المستقبل التي كانت تصدر عن الحزب الإشتراكي اليمني في التسعينات حول من هم افضل اليمنيين رد الاستاذ: الحضارم والتعاوز يقصد أهل حضرموت وأهل تعز .. سألوه لماذا هم تحديدا .
رد "لانهم الأكثر شغلا وتجارة والاكثر سلمية يتأثرون ويؤثرون '
لذلك عندما اختار البردوني الحضرميين والتعززين كأفضل اليمنيين، فإنه لم يأتِ بذلك من فراغ، بل كان يعبر عن فهم عميق لمجتمعين يملكان صفات تميزهما عن بقية المجتمعات اليمنية. ففي إجابته، التي وصف فيها الحضارم والتعاوز بأنهم الأكثر عملا وتجارة وسلاما، أشار إلى جوانب رئيسية تتعلق بالتمدن والحركة الفكرية والتجارية.قال "حضرموت، واحدة من أقدم مناطق اليمن وأشهرها تاريخيا، كانت معروفة بدورها الحيوي في التجارة الدولية. منذ القدم، اشتهر الحضارم بأنهم أهل تجارة بحرية وبرية، أسسوا شبكات تجارية واسعة تمتد من شرق إفريقيا إلى جنوب آسيا. لقد كانت حضرموت مركزا حضاريا وتجاريا، حيث أثر الحضرميون بشكل كبير في المجتمعات التي تفاعلوا معها، سواء من خلال التجارة أو من خلال نشر الإسلام والثقافة العربية. هذه الحركة المستمرة في التجارة والسفر والتواصل مع شعوب متعددة ساهمت في تشكيل مجتمع حضرمي ذو أفق واسع، بعيد عن التعصب القبلي، ومتأثر بثقافات خارجية متنوعة، مما ساهم في تقليل النزعات القتالية وزيادة التوجه نحو السلم والاستقرار.
الحضارم، الذين يفضلون العمل التجاري على الحروب أو النزاعات القبلية، تمكنوا من بناء سمعة كونهم مجتمعا منظما ومنفتحا، يفضل الحوار والتفاوض على النزاعات المسلحة. هذه النزعة السلمية تبرز بشكل خاص في تاريخهم، حيث قلّما شهدت حضرموت صراعات داخلية أو عنف قبلي مقارنة بمناطق أخرى في اليمن. كما أن انتشار الحضارم في المهجر، جعلهم يمتلكون شبكة تأثير قوية، ليس فقط في اليمن ولكن أيضا على مستوى العالم.
من ناحية أخرى، قال عن تعز، تُعتبر منذ فترة طويلة مركزا ثقافيا وتعليميا. تعز، التي عُرفت بكونها القلب النابض للفكر اليمني حسب تعبير البردوني. منذ فترة طويلة، اعتمدت تعز على التعليم كمصدر رئيسي للارتقاء الاجتماعي والاقتصادي، مما أدى إلى ظهور مجتمع يعلي من قيمة المعرفة والثقافة أكثر من النزاعات القبلية.
التعاوز، كما أشار البردوني، كانوا الأكثر تأثرا وتفاعلا مع محيطهم. فتاريخ تعز يعكس مدى انفتاحها على أفكار التقدم والتمدن، حيث كانت موطنا للعديد من الشخصيات الفكرية والسياسية التي أسهمت في نهضة اليمن. إضافة إلى ذلك، ارتبطت تعز بحركة تحرر اليمن من الاستبداد الإمامي والاستعمار البريطاني، وشاركت في الحركات الثورية التي سعت لتحرير اليمن من الظلم والتخلف. هذا الإرث الثوري يرتبط بقيم المدنية والانفتاح الثقافي، حيث رفضت تعز النزعات القبلية المسلحة، وفضلت التقدم عن طريق التعليم والحوار...يستطرد البردوني ويقول التمدن الذي يتصف به أهل تعز والحضارم كان نابعا من تقاليد قديمة تمجد العمل التجاري والتعليمي، وتجنب الصراعات القبلية والعسكرية. فالقبائل اليمنية الأخرى، خاصة في الشمال، كانت تعيش في إطار نظام قبلي مذهبي صارم يعتمد على القوة المسلحة والهيمنة . بينما كان الحضارم والتعاوز يتميزون بابتعادهم عن هذه الثقافة، مفضلين السلام والعمل بدلا من النزاع والحرب.
اختيار البردوني لأهل تعز من الشمال والحضارم من الجنوب نرى أنه يعكس أيضا رغبته في إبراز أن هناك نقاطا مضيئة في كلا القسمين الجغرافيين لليمن. فبينما قد تُعرف بعض مناطق الشمال بسيطرتها القبلية واستخدامها للقوة المسلحة، فإن تعز كانت دائما استثناء، تمثل المدينة والحضارة في الشمال. وبالمثل، حضرموت كانت مركزا للسلام والتجارة في الجنوب. هذا الاختيار يعبر عن فهم البردوني لتنوع اليمن، وإدراكه أن التقدم لا ينحصر في منطقة جغرافية معينة بل يمكن أن يظهر في أي مكان يعتمد على العلم والتجارة بدلا من النزاعات المسلحة.