الروائية اليمنية ونقاب التقدمي
الأربعاء 27 نوفمبر ,2024 الساعة: 05:51 مساءً
د.نهى الكازمي

نشرت جائزة السرد اليمني– حزاوي  في دورتها الثالثة 2024 أسماء الفائزين بجائزة السرد اليمني، وفازت بالمركز الأول للرواية غير المنشورة  (أمة الخالق الضفيري)، عن روايتها (حب بنكهة الموت)، وبعد إعلان الفائزين على صفحة الجائزة،  احتدم نقاش بين روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن بعد منشور مصطفى راجح والذي قال فيه: " إنه لن يقرأ رواية لروائية منتقبة تخفي وجهها، حتى لو فازت بجائزة نوبل"

جاءت التعليقات على هذا المنشور مُتأرجحة بين القبول، والرفض لما جاء فيه، واللافت في هذا النقد هو تجاوز المادة الادبيّة إلى شخص الروائيَّة  نفسها – وعلى وجه التحديد - نقابها وحجابها.

يعود بنا هذا الطرح الانتقائي والتمييزي المُهلهل إلى حالة  الدعششة العُدينية والتي كتبت عنها سابقًا.
وهي لا تختلف عنها إلّا في حصر النقاش بين مؤيد، ومُعارض لنقاب المرأة، أما فيما يخص الرؤية فهي واحدة لا تبتعد عن اللباس الخارجي للمرأة، والذي لا يمل محورها الذكوري عن الاستمرار في القتال بحجاب المرأة ونقابها،  فإن كانت المرأة كاشفة عن وجهها وشعرها فهي مُثقفة في نظر مُحيطها، ولكنها كافرة وفتاة مُنظمات من منظور العديني\ات، وان هي مُحجبة أو منتقبة فهي داعشية بليدة الفكر ضيقة الأُفق، في نظر المتنورين الداعشيين\ات في تمييزهم لها. 
الطرفان يتنازعان نقاب المرأة وحجابها ويحددان ثقلهما وحضورهما ومذهبهما الدينيَّ والنوراني، وفق نصف متر تمكنوا من وضعه أو نزعه من على رأس ووجه المرأة، هذا مستوى الوعي التقدمي، والديني الذي وصلوا له بمعية اتباعهم.   


الفكر التقدمي العُديني  

عند البحث عن المنظور الحقوقي التي يدعي تمثيله عدد من المثقفين اليمنيين فيما يتصل  بالمرأة، سنجد تفريخ مُستمر للخواء المعرفي فيما يخص قضايا المرأة اليمنيَّة بالذات ما يتعلق بحالة العنف والاضطهاد التي تتعرض له، مع إصرار عجيب على حصر العنف ضد المرأة وتضييق الخناق عليها، في زاوية محددة لا تتعدى غالبًا مظهرها الخارجي – أي حجابها ونقابها-.
   
تبدو اليمن في عيون زمرة بعض مثقفيها مُخيفة لا سيما وهي تستقي حضورها الآثم – وفق منظورهم- من خيوط الحجاب والنقاب الأسود الذي اجتهد العُديني في حياكته؛ ليغطي كل النساء فهن مثالًا للخطيئة التي يجب وأدها مُبكرًا.  

وعن حضور المرأة للدفاع عن قضيتها  في هذا المعترك الجنائزي والنواح الفيسبوكي المحتدم حول حجابها ونقابها يقول مصطفى ناجي الجبزي في منشوره على الفيسبوك: " الغالبية من المنغمسين في جدال النقاب والأدب هم من الذكور وغياب كبير لصوت المرأة التي هي موضوع الحديث.

غياب صوت المرأة اليمنية دليل إضافي على محدودية حضورها بسبب قيود كثيرة. لذا حتى من يدافعن عن النقاب منهن لا يخرجن عن هذا الاطار. 
لا تزيد نسبة اليمنيات في صفحات الفيس عن 15% وفي العادة لا يدلين برأي في القضايا العامة ويدخلن باسماء متنكرة. الفيس هو انعكاس للواقع اليمني..."
يبدو الجبزي مُتأثرًا بالفيسبوك كمقياس حقيقي عن حال المرأة اليمنيَّة، فهل حضور المرأة على  الفيسبوك هو مقياس منطقي عن حقيقة تواجدها وتأثيرها في الجامعات، والمدارس، وحضورها اللافت في سوق العمل!!. 

بعيدًا عن شطحات الفيسبوك والترند!!! تبدو المرأة اليمنية أكثر عقلانية أحيانًا في تجاهلها  اللغط الذي يصدر عن بعض مُدعيي الثقافة – على وجه الخصوص-، وهم فيما إذا بحثت عن رصيدهم الثقافي؛ لترد عليهم أو تناقشهم، لن تجد لهم إلّا إسهال من المنشورات، ومنشوراتهم محددة ومعروف توجهها سلفًا، فهم  لا بد ان يدينوا الإله الذي حجب المرأة وانتقص من أهمية حضورها، وجميعهم يدورون في فلك واحد يسبحون بحمد النموذج الغربي؛ حتَّى بعد ان انكشفت عورته تجاه قضايا المرأة وحقوقها وتنازلهم عن ذلك لصالح المثليين،  ويشعرون بالدونية أمام إرثهم الثقافي العربي، هذه الدونيَّة تلحقها غالبًا طفرة نادرة عند أغلبيتهم تتمثل بشعورهم النرجسي بالتفوق على الآخر، وهو استحقاق تنامى لديهم بفعل عدد المتابعين والإعجاب والمُشاركة ضمن جوقة المسبحين بحمد الصنم. 

بعيدًا عن النرجسية التي تطفح في المنشورين أعلاه ما الذي سيُضاف للرواية إذا قراءها راجح على سبيل النقد!، لا شيء وقد أصاب حين قال: " في كوكب الأرض سبعة مليار قارئ. لن يضرها شيء لو نقصوا قارئ واحد". وكأن مؤلفة الرواية استجدت القارئ؛ ليقرأ روايتها، أو حفلت بما كُتب عن هيأتها الخارجية لا عن روايتها. 

النساء اليمنيَّات يحضرن هذا التراشق الذكوري العقيم حول حجاب المرأة ونقابها ومدى تأثيره سلبًا على دورها الثقافي، كمتفرجات لمسلسل هندي تتكرر أحداثه وتدور حول فكرة واحدة نمطية مُملة.
والمرأة اليمنيَّة ان لم ترد على هذا الجدل الدائر اليوم حول نقابها وحجابها فهذا لا يعني أنها  ضعيفة ولا تملك أليّات الدفاع عن قضاياها الأشد خصوصيَّة، ولكن حين تتصدر الطفرة النافقة المشهد الثقافي وتدعي تمثيله بمعزل عن الآخرين، وتبقى في صراعها لتحرير المرأة من قيود المجتمع على فكرة مكررة وسمجة،  فإن التجاهل هو القرار الأصوب؛ لإن مثل هذه الآراء المُرسلة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تستحق ان نُعطيها موقعًا جادًا من النقد البناء؛ لإن الفكرة في الأساس لم تصدر عن نقد العمل الروائي نفسه، ولكنها حملة  اتخذت موقفًا شخصيًّا تمييزًا وعنصريًّا مقيتًا تجاه شريحة واسعة من النساء ذنبهن الوحيد انهن اخترن النقاب والحجاب  فأبت العقلية الذكورية إلَّا ان تتدخل وتُقلل من قيمة التجربة الثقافية والحياتية للمرأة المنتقبة والمُحجبة. 

ومع معرفتهم ان النقد الحقيقي يجب أن ينصب حول العمل، وليس هيئة المؤلف وما يرتديه، إلّا انهم يصرون على ديدنهم القديم، وهي في الحقيقية سابقة للمدعيين اليمنيين دون غيرهم، أن بحثوا عن العتبة النصية للرواية في وجه المؤلفة، لا على غلاف روايتها، ويبدو ان الروائية سببت لهم خيبة توقع، فالربط المجازي بين الرواية الفائزة، والروائية التي تخفي ملامح وجهها غير منطقي بالمرة بالنسبة لهم. وللأسف تجد من الروائيين الذكور من كرر الفكرة نفسها.


يرى الروائي بسام شمس الدين، بإن النقاب اعتداء على إنسانيَّة المرأة!، والحجاب مظهر تمييزي. نعم ما الجديد الذي أضافه حول هذه النقطة بالذات! الحجاب فعلًا مظهر تمييزي للمرأة المُسلمة والمسيحية واليهودية أيضًا- إذا لديكم علم بذلك-، سواء اختارت لبسه أم لم تختر ذلك فهذا عائد لها وحدها، السؤال هُنا لماذا لم يجب بسام شمس الدين بمنطق، ووضوح على التعليقات اللاذعة التي علّقت بها النساء حول منشوره.  

إن الرجل التقدمي اليمني، والذي يُنادي بحرية المرأة اليمنيَّة والتي تأتي غالبًا من باب نزع الحجاب والنقاب لا يظهر في العلن مُحتفيًّا بهذه الحرية مع مُحيطه الأُسري، إلَّا نادرًا باستثناء عدد محدود يبقى التقدمي اليمني هرمي الثقافة، محدود الأفق طالما والأمر محصور في محيطه الخاص بذريعة الحرية الشخصية، ولكنه في الوقت نفسه يُبيح لنفسه تحت بند الحرية نفسه، التعدي على حرية الآخر، والتشكيك في إمكانياته بذريعة محاربة العادات والتقاليد والقيم المُجتمعية البالية. 

في رده على التعليق  التهكمي والذي جاء فيه ( ابدأ من بيتك كي يكون لدينا مثال حي، ثم ورينا قبل الحجاب وبعد الحجاب عشان نحكم)، تحجج شمس الدين بإن منشوره هو من باب الـ ( حرية الشخصية ( أنا قدمت رأيي وما حب افرض على أحد). 

فما دام الحجاب حرية شخصية من اعطاك الحق أنت، وغيرك بامتهان حرية المُحجبات والمنقبات في اختيار النقاب والحجاب؟ لماذا يرى التقدميون ورجال الدين في اليمن انهم أدرى بمعرفة مصادر الثقافة عند المرأة وفق ما ترتديه أو لا ترتديه !!، ولا يسقطون ذلك على أنفسهم!. 

الا ينم ذلك عن أزمة معرفية بالأنساق الثقافية المُضمرة التي تؤثر سلبًا على المنظور الذكوري في تقييمه التمييزي للمرأة التي تقتحم مجال الكتابة مثلًا.  

لم يكن راجح، وبسام شمس وغيرهم، وحدهم من ضنوا بإنهم  نموذجًا للقارئ اليمني المثقف الذي يحق له ان ينتقد العمل الروائي من وجه صاحبته المنتقبة، هناك من اتخذوا من موضوع المقاربة بين وجه المؤلفة، والعمل الروائي المُنجز؛ مجالًا للتشكيك في إمكانيات الروائية ومدى قدرتها على بناء نص روائي مكتمل الأركان. 


يُصّر نشوان العثماني على ثنائية العيب واخفاء ملامح الوجه مع تأكيده على ان الرواية (كفن تنتمي إلى وعي يتجاوز التكتم والتخفي)، ولا أدري حقيقية طبيعة الربط بين النص ووجه مؤلفه ونحن لدينا تجارب لا تحصى في كتابة الرواية والشعر كتبها مؤلفيها بأسماء مستعارة

فما الفرق بين ان تعرف من المؤلفة وهويتها ولا تعرف ملامحها التي يخفيها النقاب، وبين ان لا تعرف من المؤلف أصلًا ! وكيف تحكم على التجربتين من بابين مختلفين مع انه في التجربة الأولى نحن نعرف من كتب، وفي التجربة الثانية نجهل ان كان الكاتب امرأة أو رجل، وبالتالي لا نستطيع تقييم العمل الأدبي- وفق منظورهم- إننا أمام عجيبة من عجائب العقل اليمني المتفرد الذي يبحث عن جحر فأر؛ ليهاجم المرأة اليمنية من منطلق أيديولوجيته التي ينطلق منها.

فعلى صعيد التجربة الغربية فإن لدينا لستة طويلة من المؤلفين الذين كتبوا بأسماء مستعارة بل ان بعضهم لديه أكثر من اسم أبرزهم فرناندو بيسوا، الذي استخدم في الكتابة أكثر من 60  اسمًا مستعارًا، أما على الصعيد العربي فقد كتبت مي زيادة باسم عائدة، وكان بنت الشاطئ اللقب الذي اختارته عائشة عبد الرحمن اسمًا مستعارًا لها، والأمثلة على ذلك كثيرة، فلماذا لم يوجه نقد لاذع يؤكد على ضرورة  معرفة من المؤلف قبل تقييم هذه الأعمال التي صدرت بأسماء مستعارة، بمعزل عن الأسباب التي دفعت أصحابها لإخفاء هويتهم؟

لا توجد إجابة عن هذا السؤال إلّا اننا أمام منطوق جمعي بغبغاوي، يُكرر لنفسه  لازمة واحدة حجاب، نقاب، يُساوي عادات وتقاليد بالية، وبالتالي ينتج عنه حياة أُخرى، وحُجب على العقل، فلا يمكن أن تكون صاحبة هذه الهُوية مؤلفة أو كاتبة ؛ لأنها لم تُحقق اشتراطات التقييم الإيجابي للمُستشرف الفيسبوكي فهو لم يرَ وجهها ليقيم روايتها !!، وهي لا محالة مؤلفة مهزوزة الهُوية، ولن تتمكن من تقديم نص يستحق القراءة- حتّى وان كان نصّها فائزًا بجائزة-. 
صوت النساء

أمام هذا البذخ الذكوري للمُفسبك اليمني اللاواعي وخوضه في مسألة  حجاب المرأة ونقابها تدلو المرأة بدلوها حول قضية لطالما اعتقد الآخر انها قضيته في المقام الأول، وتصحبه جوقة من النساء يقولوين: آمين.  

في منشورها على الفيسبوك ترى وميض شاكر ان فشل  دورها هي ورفاقها - والذي وصفتهم  بـ(المتنورين)-، هو السبب في ان تكون المرأة منقبة..! 
  في ردها على منشور وميض علّقت الكاتبة جهاد عبد الله الجفري: " اتذكر لما التقينا في ورشة عمل وتناقشنا فاستغربتي على اني املك ثقافة ووعي وقدرة على النقاش وعلامات الاستغراب كانت واضحة عليك حينها قلت لك النقاب يغطي وجهي ولا يغطي عقلي، وللعلم اعرف فتيات لا يرتدين حجاب ولا يملكن ذرة ثقافة ولا نضج وحتى لم يقروا كتب في حياتهن). 

كما نشرت جهاد الجفري منشورًا عن بدايتها في الكتابة على صفحتها ( أبتديت منقبة 
كنت اكتب باسم مستعار خوفا من اسمي ونفسي واهلي ومجتمعي، كتبت باسم بنت عبدالله، ثم مشاعر مزدحمة ثم بجارة البحر، كان هناك خوف من التعييب واللوم وكأنني ارتكب جريمة، لم يشجعني احد وظللت بصمتي وارى كتاباتي تسرق امام عيني وتنسب لغيري ولا اجرؤ اتكلم لإني ضعيفة وليس لي اسم واضح معلن، المجتمع يذبح الأنثى الكاتبة أو الشاعرة أو المناضلة لأجل حقوقها، ثم بعد ان اختلفت مراحل حياتي ومكان اقامتي وتغيرت ظروفي كتبت باسمي في صفحتي ونشرت قصصي ومن ثم اصدرت اول كتاب لي (أين أبي) ثم الثاني( امرأة خاوية الفراش) ثم الثالث (معجزة الظل) واصبح اسمي يكتب على الغلاف ولم اعد اشعر بذلك الخوف والغرابة بل وجدت من يآزرني ويدعمني من القراء والمتابعين والاصدقاء وكثير من الناس ، فرجاء لا ترهبوا النساء ولا تحاربوهن اذا اردن الكتابة فالكتابة ليست عار بل التخلي عن الاخلاق والقيم هو العار سواء على المرأة ام الرجل.). أما الروائية فكرية شحرة فقد كتبت عن رحلتها مع الحجاب والنقاب ( قبل ستة أعوام وصلت إلى القاهرة امرأة ريفية جدا، لأول مرة تنزع نقابها وتكشف وجهها. أتعثر في جلبابي الأسود في أروقة معرض القاهرة للكتاب مبهورة باتساعه وزحام الناس. متشبثة بذراع زوجي كي لا أتوه.

أتيت بدعوة من دار النشر لتوقيع روايتي الثالثة. كانت مؤلفاتي الأولى "قلب حاف" و"عبير أنثى" وقصص "نصف روح" قد عرّفت بي جيدا في الوسط الأدبي خارج اليمن وطافت كل أقطار الوطن العربي.
كان يمكنني أن أظل أكتب إلى نهايتي مجهولة الوجه، اسم بلا ملامح أو حضور. فقد كتبت سنوات باسم مستعار؛ وابدعت سنوات أخرى دون ظهور.
لكنني عن قناعة أن الوجه هوية وأن النقاب حرية شخصية لمن تريد. تركت النقاب ولم ينقصني شيء بتركه. التزمت حجابا شرعيا عن قناعة تقربا لله بطاعته واحتراما لنفسي وجسدي وحيائي.
لن يكون النقاب عائقا للإبداع ولا نزعه جالبا للتميز. لكن احترام قناعة الآخرين وأوضاعهم هو قمة التميز والوعي والإبداع).

في فلك الحرية الشخصيَّة بين ترك النقاب أو الإبقاء يجب ان تبقى هذه الاختيارات متاحة لأصحابها فقط أما ان تتحول إلى قضية، وأن يكون النقاب سببًا في اقصاء الروائيَّة والتقليل من تجربتها فغير مقبول. 
وفي منشورها الساخر على فيسبوك دعت عائشة جابر مؤلفة (ثلاثية الحب) إلى تكوين نقابة خاصة بالمنتقبات: 

(بنات وش رايكن نعمل نقابة المنقبات ونعطف من عالم الكتابة لإنه وللأسف فوق الضجيج عاده في حروب.....قدوه في شحة فرص للمنقبات والكتابة تعتبر المنبر الي نعبر فيه عن عوالمنا...في بلدنا الحبيب عجايب ما تحصل في الكوكب الي عندنا...).


عن رواية حب بنكهة الموت
     
لم يلتفت أحد من الذين تجاذبوا أطراف النقاب والحجاب إلى  تعريف جائزة السرد اليمني حزاوي للرواية الفائزة (حب بنكهة الموت)، فالرواية – كما تقدمها حزاوي- تُسلّط ( الضوء على قضية إنسانية اجتماعية وأسرية هي العنف الأسري والتمييز ضد المرأة. يُظهر نص الظفيري كيف تؤثر المعاناة على حياة النساء النفسية والاجتماعية وآثارها المأساوية في تشكيل شخصية الفرد. ويستأنس النص بعدد من التقنيات السردية، في صدارتها تقنيتا: الاسترجاع، والحوار. هذه الرواية هي رواية المرأة المضطهدة زوجة وأُمًا وابنة. رواية تحكي قصة أجيال من نساء مقهورات في حبكة يتنوع فيها الصراع بين الشخصي والاجتماعي والسياسي وتتوفر حبكتها على قدر من التشويق وبساطة اللغة).

إن الربط الحقيقي بين موضوع الرواية  وهو التمييز ضد المرأة، وبين ما طال مؤلفة الرواية؛    هو الحبكة الحقيقية التي يجب التركيز عليها، فهي تدل على استمرارية بقاء التميز ضد المرأة اليمنيَّة، وكأن هذه الرواية تأتي بمثابة التوثيق لماضي الشخصيات، واتصاله بحاضر الروائيَّة نفسها فالمجتمع لا يزال يراوح مكانه ويتخذ موقفًا متحيزًا ضد المرأة مادامت لا تُطل من المشكاة نفسها التي يستشرف فيها الأنا التقدمي أو التنويري على الآخر (المرأة المنتقبة والمحجبة)، وهو لا يختلف كثيرًا عن خطاب التعسف الديني الذي يصدر من بعض رجال الدين تجاه المرأة.

في تعليقه على الجدل الدائر حول العلاقة بين العمل الأدبي ومؤلفه نشر  أ. د. عبد الحكيم باقيس على صفحته منشورًا بين فيه الاشتراطات الحقيقية التي تحدد قيمة النص الأدبي ( هناك معايير واشتراطات جمالية لأية كتابة إبداعية، وهي وحدها من تحدد قيمة النص وجودته، وبالتالي قبوله أو رفضه، ولا علاقة لها بجنس الكاتب ووجهه وشكله من جهة، أو الخلفيات الثقافية أو النفسية للقارئ من جهة أخرى، وفي ضوء ذلك اطلعت على العديد من الأعمال الإبداعية لكاتبات "منتقبات" ذات قيمة جمالية وموضوعية، وكانت هذه الكتابات مدهشة بحق، بما في ذلك دراسات نقدية مهمة لكاتبات جديرات بالتقدير، وخصوصًا في ظل أوضاعنا البائسة التي يقبع الجميع فيها تحت نير القهر والاستبداد والكهنوت..). 

التهم الحوثي حرية النساء وحقوقهن في إجراءاته التعسفية التي اعادت النساء اليمنيَّات إلى حقبة تاريخية مُظلمة، ولم نرَ هذه النزعة المحمومة للمتثقافين اليمنيين؛ للدفاع عن النساء الواقعات تحت سلطة الحوثي، كما رأينهم اليوم وهم يتأبطون شرًا بكل مُنتقبة  تكتب رواية، أو تُشارك في محفل ثقافي.


Create Account



Log In Your Account