صادق البتراء... صوت تربوي أخمده التعذيب في سجون الحوثيين
الإثنين 06 يناير ,2025 الساعة: 12:44 مساءً
الحرف28 - سام



الاسم: صادق البتراء
جهة الاعتقال: جماعة الحوثي
تاريخ الاعتقال: 5 يونيو 2017
أحاطت السيارات التي تحمل المسلحين، بالسيارة المدنية التي تسير على مهل، أحكم المسلحون إحاطتهم للسيارة ومنعوها من المرور، توقف صاحب السيارة ليرى ماذا يحدث، قفز المسلحون ووجهوا أسلحتهم نحوه:
ـ «أنت الأستاذ صادق البتراء؟» سأله أحدهم..
ـ «نعم». رد الأستاذ.
ـ انزل معنا..
يقود المسلحين شخص يدعى أبو كميل، مدير الأمن القومي لدى جماعة الحوثي بمناطق سيطرة الجماعة شرق مدينة تعز. أما المقبوض عليه، فهو صادق البتراء، يعمل معلماً في إحدى المدارس بالحوبان، وكان عائداً إلى منزله.
نزل المعلم صادق من سيارته، ليستفسر، لم يمنحوه وقتاً لإكمال السؤال، أمسكه المسلحون، ربطوا يديه إلى الخلف، قيدوه بالحديد، واقتادوه إلى سيارة بيضاء نوع برادو معكسة بلاصق أسود، أخذوا شاله وعصبوا على عينيه، حاول أن يستفسر مرة أخرى، ردوا عليه بألفاظ بذيئة، أخذوا كل ما كان لديه من هواتف ومال ومفتاح السيارة وبطائقه وأوراقًا أخرى.
دمر الحوثيون قطاع التعليم في اليمن، هكذا يتهمهم اليمنيون، دمروا بعض المدارس، وبعضها حولوها إلى ثكنات وسجون، الطلاب يغسلون أدمغتهم بالمعسكرات الصيفية، المناهج يعدلوها بسياسة طائفية. والمعلمون، المعلمون بلا مرتبات.
كان الأستاذ صادق البتراء بحاجة إلى شهادة تقدير على الأقل نظير تفانيه بتدريس الطلاب في الظروف الصعبة في مناطق سيطرة الحوثيين، عملاً بتوجيه الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا، لكن الحوثيين اقتادوا الأستاذ صادق إلى معتقل مدينة الصالح، وأدخلوه بناية اسمها بناية «كميل»، سميت على اسم المشرف عليها، مسؤول الأمن القومي للحوثيين بتعز: أبو كميل.
صعد أبو كميل ومسلحوه بصادق البتراء إلى الأعلى واستمروا بالتحقيق معه إلى الساعة الثانية فجراً:  كانت التهم جاهزة، الأستاذ يجند طلاب المدارس مع الجيش الوطني والمقاومة الشعبية التي تحارب الحوثيين، رفض صادق التهم، أكد: «أنا تربوي أدرّس في الحوبان، هناك سجلات لدوام المدرسين يمكن الرجوع إليها فلا أذهب إلى أي مكان».
خلال الجلسة، لم يعملوا بقول الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلا، كان شعارهم: قم للمعلم وعذِّبه، فخلال الجلسة تعرض صادق البتراء إلى ضرب بالركب والمفاصل بشكل قاسي والصعق بالكهرباء.
في ذات يوم الاعتقال، قام الحوثيون بحملة مسلحة إلى منزلي صادق، أرعبوا الأطفال والنساء، نبشوا كل ما في المنزلين، وأخذوا كل ما أرادوا من تلفونات وأجهزة آيباد خاصة بالأطفال وأجهزة الكمبيوتر.
استمروا بالتحقيق مع الأستاذ وتعذيبه لأيام بذات التهمة: تجنيد الطلاب الأطفال، استغلال وجوده بالمدارس وتجنيد خمسين مقاتلاً ضد الحوثيين، تحداهم صادق أن يأتوا باسم واحد من الأطفال الذين اتهموه بتجنيدهم، عجزوا عن إيجاد اسم واحد كدليل.
إذن ما هو السبب الحقيقي لاعتقال صادق وتعذيبه؟ يتذكر:
ـ «يبدو أن السبب الحقيقي لذلك هو أني رفضت طلبهم النزول الميداني وإقامة بعض الوقفات ضد ما يسمونه العدوان، وكنت واضحا أني مدرس تربوي أريد أن أقوم برسالتي فقط دون انحياز لأحد، وهذا مخالف للوائح التربوية وأيضا رفضت حضور الدورات التثقيفية التي كانت تقام للناس بما فيهم الطلاب الصغار».
لم يجد أبو كميل دليلاً على الأستاذ صادق، ومع ذلك قام بتحويله إلى زنزانة انفرادية اسمها الضغاطة، لا يوجد فيها ثقب إبرة يدخل منها الهواء والضوء،  هي المرقد والحمام، لا مكان آخر لقضاء الحاجة، أحضروا لصادق، أكياسًا ليقضي المعلم حاجته بداخلها، وكانوا يزودونه بلتر ونصف من الماء للوضوء لمدة ٢٤ ساعة، وبعد 27 يوماً، وجه أبو كميل بتحويل صادق إلى ضغاطة أخرى في بناية أخرى يشرف على معتقليها القيادي الحوثي أبو ليث.
منع أبو ليث الأكل والشرب تماماً عن الأستاذ صادق لمدة ثلاث أيام، وحين شارف على الموت، استدعى  الأستاذ صادق أبا ليث وأبلغه بالاعتراف له أمام الكاميرا بما يريد مقابل الأكل والشرب. رحب أبو ليث بالعرض وجلب مصور قناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي وسجل لهم اعترافات تحت الإكراه عن تشكيله لخلية رصد في مناطق الحوثيين.
بثت قناة المسيرة التسجيل تحت عنوان خلية البتراء، مقابل أن يمنحه أبو ليث لترين من الماء كل 12 ساعة: الكمية التي تضمن عدم موتك.
انتشى أبو ليث بتحقيق ما عجز عنه أبو كميل، وبما أن الغرض من اعتقال الأستاذ قد تحقق، فقد حوله إلى بناية أخرى تابعة للسجن، اسمها «شقة عدن» أو زنزانة عدن.
زنزانة عدن، شقة محكمة الإغلاق تماما لا يوجد بها ضوء، كانت جدرانها سوداء، من شدة حرارتها يشعر المعتقلون بالاختناق لنقص الهواء، لا يستطيعون ارتداء الثياب فيبقون بالملابس الداخلية، أما المحتجزون فيها فهم المختطفون من المدارس أو البيوت، ويصرف لهم الحوثيون لتراً ونصف من الماء كل 24 ساعة، وأحياناً ينقطع ماء الشرب عن معتقلي الزنزانة، فيضطرون لشرب الماء الملوث من حمامها الوحيد والمتسخ الذي يفتح لمدة ربع ساعة في اليوم لعدد ثلاثين شخص، وفي غير ذلك الوقت يضطر المعتقلون للتبول في إناء والنوم في نفس المكان، لا يعرفون أين بالوا وأين ناموا من شدة الظلام.
ونتيجة لذلك، أصيب بعض المعتقلين بأمراض جلدية وبعضهم أصيب بمشاكل ضيق التنفس والترسبات. كان البعض يغمى عليه فيصيح المعتقلون ويطرقون الباب ولا أحد يجيب، وكلما اشتد طلبهم جاء الحوثيون وضربوا من طرق الباب ضربا مبرحا حتى لا يفكر بطرقه مرة أخرى مهما كانت الظروف.
ـ «بعد سنة ونصف أخرجوني من شقة عدن بسبب إصابتي بنوبة مرضية شديدة، حصل لي تكسر بالدم، وصل الدم عندي إلى 4، رفض الحوثيون إسعافي، قالوا للمعتقلين: دعوه يموت عندكم، أضرب المعتقلون ليوم ونصف، فأسعفني الحوثيون، إلى مستشفى الرفاعي بمفرق ماوية، أعطوني إبرة واحدة: فولتارين، ثم أعادوني سجن الصالح وكانوا يظنون أني أكذب، وبعد أن تأكدوا أني مصاب أعادوني للسجن وسمحوا لي أن أتصل بأخي ليُحضر لي العلاج، كان أخي يدفع لهم مبلغًا ماليًا مقابل إعطائي العلاج، وكانوا يأخذون المال والعلاج، ثم يبتزوني بالعلاج».
كانوا يرغمون الأستاذ صادق على تسجيل فيديو يذكر فيه أسماءً يوهمهم أنها خلايا، أو اعترافات بأنه داعشي مقابل منحه الدواء، إثر تدهور حالته الصحية، سمحوا لطبيب بالدخول إلى زنزانة عدن لمعاينته: «نقلوني من شقة عدن بعد توصيات الطبيب بضرورة نقلي إلى شقة أستطيع فيها أن أتنفس».
*أطلق الحوثيون سراح البتراء، بتاريخ 19 ديسمبر 2019، بصفقة تبادل مع الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بتعز، وتوفي بتاريخ 12 ابريل 2022

نقلا عن منظمة سام للحقوق والحريات 


Create Account



Log In Your Account