الاستلاب المتراكب والذل الطوعي
الثلاثاء 04 مارس ,2025 الساعة: 03:33 مساءً

غاية الدولة الحديثة انتاج الفرد المستسلم؛ لا يخرج عن الأطر واللوائح. 
هذا الفرد الطيع يحوز على هامش حرية هي الأخرى مقيدة. لكن السلطة هذه تحفظ له سلامته الجسدية والنفسية. وهذان مدخلان للكرامة. تعوضه عم تسلبه من حريات بأمن جماعي وتحقيق ذات وحرية شخصية ووعد رفاه قيد البناء. 
تضعه أمام بنود عقد اجتماعي واضحة المعالم إلى حد ما. 

ليست هذه السلطة خالية من العيوب لكنها لا تبنى على فرد ذي سلطة مطلقة انما تؤول السلطة لمؤسسة. الاعتبارية هذه تزيح المواجهة بين الأفراد نحو نقاش عام ومواجهة مع احكام ولوائح وقوانين. ضابط الشرطة هو الحائز على سلطة ليس لذاته ولكن للمؤسسة الاعتبارية التي ينتمي إليها والاعتراض على سلطته لا يكون اعتراضا على شخصه إنما على اللوائح المنظمة لعمله. 
وهنا يتحقق انزياح عن شخصنة الصراع. 

لم تسلم هذه السلطة من التهافت على التغول السلطوي. بل أن التكنولوجيا وتعزيز فرص المراقبة والضبط تجعلها كلية الحضور وشمولية. 

مع هذا فهي قابلة لإعادة النظر والحفاظ على الحرية والحقوق، بالتالي الحفاظ على الكرامة الإنسانية. 

لكن السلطة -على غرار السلطة الدينية - التي تتأسس على عقد مفادة خلق العبد الذليل المستلب عاطفيا وروحيا لا مجال لاصلاحها أو التصالح مع عيوبها. 

انظروا إلى الفرد الخارج من سلطة الحوثية كيف يتصرف ضمن دوائر الاستلاب المتراكبة مذهبياً. 

البديهي أن يتشكل داخل كل جماعة انتماء وولاء. وهو ولاء يمكن عقلنته في الجماعات المهنية أو الحزبية والأندية الرياضية في إطار عقد (ضمني أو صريح ) نفعي تبادلي. حتى القبيلة اليمنية تقوم على صيغة تعاقدية نفعية تبادلية. تتعرف فيها المسافة بين القائد والمقود. واهم ثوابتها الاحتفاظ بحيز خاص عاطفي وروحي لأن العلاقة تضامنية بالأساس وهامش السلطة فيها لمن يحوز على القيادة محدود ومقيد. 

إلا أن الولاء في الجماعات الدينية والطائفية ولاء مطلق يقوم على سحق التابع. يبيع التابع نفسه يبذلها ويسحقها. هذا الفرد المهدور قيمةً مرة لن يتوانى في أن يندرج في علاقة هدر وانسحاق تالية. 

ما نراه من سلوك بعض اعضاء الجماعة الحوثية المشاركين في مراسم عزاء حسن وقد يستنكره ويأنفه البعض هو في نظر الجماعة حالة طقوسية وتأكيد ولاء لدائرة أعلى. كان حسن يقدم كل آيات وفروض الولاء والطاعة لمن هو أعلى منه في إيران ويخاطبه بأسمى آيات التبجيل. 

لأن العلاقة بين الفرد بقائده في إطار هذا التيار الديني السياسي علاقة تقوم على المحبة والتبجيل والتأليه. تبجيل ينسحب على القائد ومتعلقاته ودوائره البشرية أيضا. 
خاتمه وجبته حذاؤه سيكونون غدا أشياء ذات قداسة. المحيطين به وخدمه وحاشيته هي الأخرى ستنال من التقديس حظها. 

هذه البنى الطائفية لا تقوم إلا على علاقة ينسحق فيها التابع وتهدر قيمته الإنسانية. في المحصلة، هذه العبودية الطوعية لا يمكن أن تؤسّس لمجتمع متعاف. 
لأن الفرد المسحوق سيبحث عن دائرة أخرى يمارس عليها سطوته ويسحقها ولن يجد أفضل من خصومه لتشيئهم. وهنا نجد واحدا من منابع العنف. 

العقد الذي تفرضه من حيث المبدأ لا يحفظ للفرد كرامته أو يخصص مسافة عاطفية تفصل بين الرئيس والمرؤوس.
هذه العلاقة هي النقيض الكلي للسلطة العقلانية. 

انهم فرحون بكل هذا التذلل. وسيدافعون عنه. يدافعون عنه لأنه شرط جوهري لوجودهم. إذا خضعت هذه الجماعات السياسية الدينية - وغيرها كثيرة - إلى عقلنة العلاقة بين الفرد وزعيمه سينتفي المذهب/الكيان السياسي. 

سينتفي لأنه سينفلت من حالة اختطاف الدين. من حيث المبدأ ظهر الإسلام كعقيدة توحيد تحارب الشرك وتنظم الأفراد في اطار شامل السلطة فيه أفقية. 

إعادة بناء السلطة رأسيا تعني استعباد الأفراد وهذه خطوة سياسية دينية. 

نقلا عن صفحة الكاتب على منصة إكس


Create Account



Log In Your Account