الأحد 20 أبريل ,2025 الساعة: 08:25 مساءً
في خضمّ العواصف السياسية التي تضرب أوطاناً بكاملها، وتخلع عنها أثواب السيادة قطعةً قطعة، لا يكون الخطر في القصف وحده، بل في من يدعو القصفَ إلى أبواب وطنه، ويباركه تحت طاولة الشعارات الجوفاء والمزايدات الزائفة، ولليمن في هذا المشهد مرآةٌ دامعة، تتجلى فيها أبشع صور الاستباحة الوطنية والانحدار الأخلاقي. فها هي الموانئ اليمنية، التي حملت عبر العقود ذاكرة العز والسيادة، تتحول في لحظة قاتلة من مرافئ للحياة، إلى خرائط للموت، ومن بوابات للرخاء، إلى ساحات مفتوحة لرسائل الطائرات ومسرحاً لصواريخ الدول المتصارعة.
مَن السبب؟ مَن المستفيد؟ ومَن الذي حوّل هذه الأرض من وطنٍ مستقلّ إلى ملعبٍ دمويّ تتقاطع فيه أجندات الإقليم وتتشابك فيه خيوط الخارج؟ أليس الحوثي هو أول الخطيئة وآخر البلاء؟ أليس هو أول من دشّن مشروع الانهيار الكبير حين انقضّ على الدولة بدعوى الثورة، ثم سلّم مفاتيح القرار اليمني لطهران، واستبدل هوية الوطن بولاء عابرٍ للحدود، لا يعترف بالجمهورية ولا بالسيادة ولا حتى بالإنسان؟ ألم يكن الحوثي هو من فجّر الصراع، وفتح للخراب كل الأبواب، حين قصف ميناء الضبة في نوفمبر 2022، تحت ذريعة "منع سرقة الثروات"، بينما كان يقيم الحجة للعالم ليُدرج الموانئ اليمنية على لائحة الأهداف العسكرية، ويبرر تحويلها إلى أهداف استراتيجية؟ ثم، حين ضُربت الحديدة في يوليو 2024 بطائرات إسرائيلية، ألم يكن الحوثي هو المشترك الوحيد في المعادلة؟ ألم يكن هو من استدعى الحرب الإقليمية إلى المياه اليمنية، وجعل من البلاد رأس حربة لمشروع طهران، فتقاطعت عندها مصالح أعداء الداخل والخارج على حدٍ سواء؟ وحين جاء الدور على ميناء رأس عيسى، ودكّته الصواريخ الأمريكية في أبريل 2025، تحت مبرر "قطع تمويل الجماعة"، ألم يكن الحوثي هو الذي نسف حيادية الموانئ، وأفرغها من وظيفتها الاقتصادية، وملأها بالمسيّرات والأسلحة المهربة؟ أليس هو ذاته من حوّل موانئ اليمن من جبهات للانفتاح الاقتصادي، إلى جبهات لحروب الوكالة وتهريب السلاح؟ أليس هو من قصم ظهر الجغرافيا ، ثم اعتلى المنابر متحدثاً باسمها، وباسم سيادة لم يعرفها يوماً إلا حين اتخذها ستاراً لجريمة أكبر؟.
لقد خسرنا في عهد الحوثي ليس فقط الموانئ، بل فقدنا وزن اليمن في معادلة الإقليم ولم نعد دولة في نظر العالم، بل ساحة حرب منزوعة السيادة، تُدار عن بعد، وتُقصف عند اللزوم، وتُحاصر حين تقتضي مصالح الآخرين، وتُستخدم كورقة تفاوض في صفقات لا نعلم عنها شيئاً وحتى المياه الإقليمية، التي كانت تُحسب لليمن كقوة استراتيجية، تحولت إلى مساحة ملغومة بالصواريخ والتحذيرات، لأن جماعة إرهابية لا تفهم الدولة، ولا تعترف بالقانون الدولي، قررت أن تدخل بها في معركة لا تخدم اليمن، بل تخدم أجندة تمويليّة خارجيّة تسترزق على الدم اليمني.
المسألة اليوم لم تعد سياسية، بل وجودية. فإما أن يُستعاد الميناء، ومعه تُستعاد الدولة، وإما أن يستمر اليمن بوصفه مجرد ثكنة في مشروع فارسي لا مكان فيه لمفردة "جمهورية"، ولا لاسم "اليمن" إلا كتسمية جغرافية على جسد مهشم.
إن اللحظة تفرض على اليمنيين وعياً جمعياً لا يحتمل التردد، فالمعركة اليوم ليست مع إسرائيل، ولا مع أمريكا، بل مع من أعطاهما الذريعة.
االمعركة اليوم ليست على الميناء فحسب، بل على الدولة، على السيادة، على بقاء اليمن موحّداً، حياً، مستقلاًوإذا كان الحوثي يظن أن تكرار الشعارات، والتلاعب بمشاعر الجماهير، قد يُخفي الحقيقة، فإن موانئ اليمن المدمّرة تصرخ بها بأعلى صوت: الحوثي ليس مقاومة، بل سبب العدوان، وليس صوت الشعب، بل صفعة الوطن، وليس حارس للبحر، بل خائن للساحل والميناء.
وعليه من أراد لهذا الوطن خلاصاً، فليبدأ من الميناء؛ حيث السيادة تُستباح، وحيث يتغذى الكيان الميليشياوي الذي حوّل اليمن إلى مزادٍ لبيع المواقف فالمعركة جلية، والعدو مكشوف، والموانئ لم تعد مجرد مرافق، بل صارت جبهات للسيادة، ورموزاً للهوية، وميداناً لامتحان وعي الشعب. فمن لم يدرك أن الطريق إلى الخلاص يبدأ بإسقاط المشروع الحوثي، فقد اختار أن يسير في طريق بلا نهاية، ووطن بلا كرامة، وبحر بلا شراع.