السبت 14 أبريل ,2018 الساعة: 08:36 مساءً
المقاومة بحد ذاتها ليست مشروعاً سياسيا ولكنها خيار ثوري تم اللجوء إليه لمواجهة قوى استبدادية عسكرية وسلالية انقلبت على الاجماع الوطني الذي قررا في لحظة تاريخية بناء مشروعه الوطني ودولته المفقودة ، وإذا كان لهذا الخيار الحق في استخدام أدواته السياسية والعسكرية في مواجهة قوى الانقلاب تحت مسمى المقاومة ، فإن ما يجب أن نفهمه هنا ، أن تلك الأدوات يجب أن تظل محكومة بالغاية التي بررت وجودها ، وهي مقاومة من اجل تحقيق مشروع الدولة المدنية الاتحادية ومخرجات الحوار الوطني
وأي تجاوز او خروج عن ذلك لا يعني عدم مشروعية المقاومة فحسب بل يعني عنونة هذه الحرب بكونها حرب بين اطراف ومكونات تتقاتل على السلطة بدون فرق بين شرعية وانقلاب .
الحرب بالمفهوم الذي يعني ممارسة العنف والاحتكام لشرعية السلاح والغلبة في تقرير الواقع السياسي والاجتماعي في اليمن هو الخيار المفروض دائماً على ابنائه منذ قرون مع الفارق الاستثنائي ان هناك حربين في تاريخ اليمن المعاصر استهدفت في الاساس فرص التغيير الحقيقية في اليمن وهي حرب 1994/ وحرب الانقلاب الدائرة اليوم في اليمن، وإذا كانت قوى الغلبة في صيف 1994/ قد استطاعت يومها ان تشوه مضمون الحرب بما يخدم مصالحها كجماعة حاكمة مستبدة تتمسك بالسلطة وتحتكر الثروة وبالشكل الذي أدى الى تمزيق الوطن ووحدة نسيجه الاجتماعي.
فإن المشكلة في هذه الحرب انه يوجد داخل الشرعية والمقاومة جماعات لم تستوعب الدرس بعد ومازالت تعمل على تشويه مضمون هذه الحرب بما يخدم مصالحها ومشاريعها الخاصة بل واكثر من ذلك خدمة قوى الانقلاب بقصد او بدون قصد، وهو ما يستدعي ضرورة إعادة تعريف وضبط مفهوم المقاومة ليس على إساس الوقوف او حمل السلاح والقتال في الخندق المقابل والمعاكس لخندق القوى الانقلابية بل على إساس المشروع الذي استهدفته قوى الانقلاب في حربها العسكرية .
فالمشروع الذي تعرض للانقلاب هو القادر على تعريف الاشخاص والجماعات إنقلابين كانوا او مقاومين والقول بغير ذلك يعني اننا نعيش في ظل حرب عبثية بلا قضية وطنية .
تعز مدينة الثورة هي اليوم بحاجة ماسة الى إعادة تعريف مفهوم المقاومة وفق هذا المفهوم الذي يقوم على مرجعية مشروع ثورة 11/ فبراير ومكتسباتها ، ليس لكون تعز ولعدد من الاسباب تمثل رافعة حقيقية للدولة الاتحادية ولمخرجات الحوار الوطني فحسب ، بل لكون هذا الخليط المشوه في مكونات المقاومة وفي مفهومها يمثل خطر كبير على مستقبل تعز وعلى ابنائه الحالمين بالدولة الحاكمة .
فالمقاومة في تعز على مستوى الكفاح المسلح في مواجهة قوى الانقلاب تعيش حالة من الثنائية في التركيب الهرمي والذي سوف يصل في المستقبل الى حالة الانقسام والاقتتال ، فهناك ألوية عسكرية يطلق عليها الجيش الوطني تخضع لقيادة المحور وهناك جماعة مسلحة كبيرة تملك السلاح بشكل كبير وتتمتع باستقلالية مطلقة ودعم غير محدود من قبل التحالف ولا تخضع لقيادة الجيش في الواقع بل تخضع لزعامات شخصية لا تعد ان تكون في نظر اتباعها سوى رموز ومرجعيات دينية اكثر من كونها قيادات مقاومة عسكرية ،
صحيح اغلب افراد هذه الجماعات مرقمة ارقام عسكرية لكن ذلك بهدف استلام راتب فقط ، مع اصرارها على عدم الاندماج داخل افرد الجيش الوطني ناهيك عن كون هذه الجماعات المسلحة المقاومة لا تؤمن اصلا بفكرة الجيش الوطني والدولة الوطنية .
هذا الانقسام في سلاح المقاومة في مدينة تعز الثائرة لم يقوم في الواقع على إثر صراع الزعامة او قيادة السلطة او صراع في مراكز القوى وإن وجد بعضه ، بل هو انقسام جوهري يقوم على مفهوم المشروع الذي يقاتل من اجله هذا السلاح وهو انقسام له مخاطره مهما حاولنا دفن رؤوسنا في الرمال ،
اذا كان الجيش يحرص ان يقدم خطاب يقوم على أساس انه يقاتل مليشيات انقلابية دفاعا عن الدولة وعلى مخرجات الحوار الوطني في سياق ماهو سياسي بحت ، فان هذه الجماعات تقدم خطاب يقوم على اساس انها تقاتل جماعة مشكوك في صحة اسلامها دفاعا عن الكتاب والسنة والصحابة في سياق ماهو ديني بحت ، ثم انها في المقابل تجاهر في رفضها لمخرجات الحوار الوطني ودستور الدولة الاتحادية ولمفهوم ثورة 11/ فبراير من الاساس !!
والسؤال المفصلي الذي يجعل الجميع يدفنون رؤوسهم في الرمال ويمتنعون عن تقديم الاجابة عليه يقول ما لذي يجعل من هذه الجماعات قادرة على حجز موقعا لها ولسلاحها الكبير داخل مربع المقاومة وماهو الفرق بينها وبين مليشيات الانقلاب في صنعاء التي رفضت مخرجات الحوار الوطني ومسودة دستور الدولة الاتحادية في اليمن ؟؟
اليس من العدل تصنيف هذه الجماعات المقاومة بكونها ومليشيات الانقلاب في صنعاء جماعات انقلابية اذا تحدثنا هنا باسم الدولة المدنية ومخرجات الحوار الوطني ودستور الدولة الاتحادية فكليهما مليشيات انقلابية؟؟
ما يزيدك بيت من الشعر في هذه المدينة ان هذا الانقسام في المقاومة لا يتوقف عند البنية المادية في تركيب السلاح او حتى الفكرة الكامنة وراء استخدامه ، بل يتعدى ذلك الى ما هو موضوعي يرتبط في حياة المواطن داخل المدينة حيث نجد هذه الجماعات تحكم مناطق كبيرة داخل المدينة بعيدا عن سيطرت السلطة المحلية ، بل وتمارس احكامها خارج سلطة القانون ، ولها سجونها الخاصة بعيدا عن سيطرت السلطة المحلية والامنية ، وذلك ما يشكل مادة سلبية في التقارير الدولية التي تتناول الواقع في تعز وتهز ثقة المجتمع الدولي .
من المفارقة العجيبة ان مليشيات الحوثي ادركت مخاطر الانقسام داخل صفوف الانقلاب وقامت بعملية قيصرية كانت ضرورية تمثلت في التخلص من صالح وجماعته ، وهي عمليا تمثل إعادة ضبط مفهوم الانقلاب في صنعاء بهدف توحيد سلاح الانقلاب في جبهات المواجهة ومشروع الانقلاب وسلطة الانقلاب على الارض ، واظن ذلك ما تحتاجه تعز اليوم .
2018/4/14