الأربعاء 07 أبريل ,2021 الساعة: 05:18 مساءً

الحرف 28- تقريرخاص
يسعى طارق صالح المسيطر حاليًا على الساحل الغربي من البلاد إلى إنشاء ميناء ومركز لتجارة المشتقات النفطية في المنطقة لتعزيز قبضته عليها.
وتكشف وثائق حصل عليها الحرف 28 عن مخطط مطروح منذ قرابة العام لإنشاء خزانات عائمة بالقرب من ميناء المخا التابع لمحافظة تعز والمغلق لصالح قاعدة عسكرية إماراتية وقوات موالية لها.
كما تكشف عن مساعي لبناء كيان يتبع إسميا وزارة النفط وتبين بعد تحريات الحرف 28 أن مدير الشركة جرى تعيينه من قبل وزير النفط في ما يسمى بحكومة الحوثي في صنعاء غير المعترف بها دولياً.
الوثائق التي حصل عليها "الحرف 28" هي دراسة للمشروع ومذكرة صادرة عن رئيس الشركة اليمنية للنقل الثقيل وخدمات حقول النفط (يتكو المحدودة)، عبدالملك الشرعبي، مقدمة الى محافظ تعز نبيل شمسان تتعلق بإبرام صفقة من خلالها تقوم الشركة بالاستثمار في مجال توفير وتخزين المشتقات النفطية بالساحل الغربي التابع للمحافظة.
المشروع هو عبارة عن إنشاء ميناء عائم لاستيراد وتخزين وتموين المشتقات النفطية في الساحل الغربي كمرحلة أولى، ومن ثم انشاء خزانات ثابتة على اليابسة للتخزين كمر حلة ثانية.
وفقا لوثيقة تحتوي على تصور لمشروع مقترح قدمها الشرعبي كرئيس لشركة موجودة فقط على كشوفات الوزارة وليس لها أي أصول على الأرض، لجهة غير معلومة.

مكونات المشروع
مقترح انشاء المشروع المكون من 9 صفحات، حصل "الحرف 28" على نسخة منه، يقول في ديباجته إنه يسعى لتوفير "الاحتياج اللازم من المشتقات النفطية لمديريات الساحل الغربي" رغم أن الشركة "منتحلة للعمل في غير مجالها" بحسب خبير نفطي.
وقالت الشركة إنها تعمل على ثلاثة محاور هي الحصول على الموافقات اللازمة من الجهات المعنية في الساحل الغربي.

والساحل الغربي عبارة عن شريط ساحلي يمتد بين محافظتي الحديدة وتعزغربي اليمن، بطول 150 كم من ساحل تعز، وأكثر من 100 كم من محافظة الحديدة تقريبا، والمنطقة لا تديرها الحكومة المركزية ولا السلطات المحلية في المحافظتين، وتتوزع فيه عدة قوات تديرها الإمارات أقواها تشكيل عسكري يتبع طارق صالح.
وبحسب الوثائق الحصرية فإن الشركة لم تعتمد موقعا حتى الآن، لكن هناك إشارات الى المخا الذي تسيطر عليه الإمارات وتغلقه منذ استعادة المنطقة في 2017 كموقع للمشروع المقترح.
وبررت الشركة أنها تعمل على ذلك بفضل قرار التعويم للمشتقات النفطية، وستعمل على تنفيذ المشروع استنادا إلى صلاحياتها كشركة حكومية.
لكن اللافت أن الشركة لم تذكر من خولها هذه الصلاحيات،ولم تشر إلى أي تنسيق مع الجانب الحكومي والجهات المعنية بهكذا نشاط.
شركة خفية صارت في الواجهة
تطلق الجهة التي تسعى للعمل كواجهة لمركز تجارة المشتقات النفطية "في الساحل الغربي على نفسها إسم " الشركة اليمنية للنقل الثقيل وخدمات حقول النفط (يتكو المحدودة).
بحسب الوثيقة فإن الشركة حكومية أُنشئت عام 1991م.

من خلال البحث عن طريق المصادر المفتوحة لم نجد للشركة أي أثر في أيّ من مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك مواقع الويب لا سيما وأن عمر الشركة نحو 30 عامًا.
المعلومات التي توصل إليها الحرف 28 بأن شركة (تيكو المحدودة) هي واحدة من أصل ثلاث شركات أنشأتها الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية لتقديم الخدمات النفطية، حيث عملت الشركة اليمنية للنقل الثقيل وخدمات حقول النفط مع شركة جنة هنت في نقل الحفارات، لكن من الواضح أن هذه الشركة لا علاقة لها حالياً بتلك.
وحاول الحرف 28 الإتصال على أرقام الشركة المبينة على عنوانها الذي تقول الوثيقة أنه انتقل من عصر بصنعاء إلى عدن، لكن أحداً لا يرد.
وتوجه موقع الحرف28 بالسؤال إلى وزير النفط عبدالسلام باعبود عن الشركة، وما إذا كانت تتبع الوزارة وبعثنا له نسخة من المذكرة المرسلة الى محافظ تعز، فرد بصورة مقتضبة " هناك شركة تابعة ( لشركة ) للإستثمارات النفطية بهذا الإسم .. لكن دعنا نتأكد".
وقد حاولنا لاحقاً التواصل مع الوزير بعد أيام لمتابعة التقصي حول الأمر لكنه لم يرد.
في الوثائق تحدثت الشركة أن المشروع لازال في طور دراسة الجدوى، لكن الأمر على ما يبدو قد انتقل إلى مرحلة التنفيذ مع حلول نهاية العام الفائت، وشرع القائمون على الشركة ومن يقفون خلفها، بمحاولة شرعنة الخطوة وتمريرها عبر مسؤول في الشرعية.
يقول مدير الشركة في مذكرة الطلب الموجهة لمحافظ تعز بتاريخ 25 ديسمبر2020 إن المشروع يسعى "لخدمة كافة المناطق المحررة بتوفير وتخزين مادة المشتقات النفطية وعمل منشأة خاصة بذلك وبما يتناسب مع المشروع ويخدم المنطقة ومصلحة محافظة تعز وخاصة المناطق المحررة".
وطلب عبدالملك الشرعبي في مذكرة للشركة من محافظ تعز التوجيه بعمل الترتيبات اللازمة لتحديد موقع بحري للخزان العائم وموقع لإقامة الخزانات السطحية على اليابسة للمنشاة، وصولا لإبرام اتفاق ينتج عنه البدء بتنفيذ إقامة المشروع.
لكن عبدالملك الشرعبي ذاته الذي تقدم بهذا الطلب للمحافظ كمسؤول عن الشركة ، ورد إسمه في صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي مقربة من المحافظ شمسان قبل أكثر من شهر تحدثت عن تعيينه مديراً لميناء المخا في قرار غير معلن في خطوة تثير الكثير من التساؤل بشأن ما إذا كان ذلك حصل بالصدفة، أو أن للمحافظ نفسه علاقة بالمشروع أو أن آخرين طلبوا منه تمرير الإثنين : مشروع الشركة، وتعيين الشرعبي نفسه في موقع مدير الميناء.
من هو عبدالملك الشرعبي
عبدالملك الشرعبي هو عضو لجنة دائمة بالمؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس السابق وعائلته، وهو مقرب من رئيس الأمن السياسي السابق حمود الصوفي المقيم في الإمارات، ومؤخراً التحق بطارق صالح ويعمل معه.
ووفق مصادر متطابقة، فإن الشرعبي هو أحد كوادر وزارة النفط، وتم تعيينه مديراً للشركة المذكورة من قبل وزير النفط في حكومة الشراكة في الإنقلاب بين الحوثيين وصالح بصنعاء، وقد فر مع آخرين عندما قُتل صالح على أيدي الحوثيين في ديسمبر إلى مناطق الحكومة الشرعية.
بحسب مصادر في وزارة النفط فإن النشاط الذي يسعى الشرعبي ومن يقف خلفه الى شرعنته في " الساحل الغربي" ليس من إختصاص الشركة أصلاً ويجب أن يكون تحت إشراف الوزارة .
وقال مصدر في شركة النفط اليمنية إن ما تنوي شركة "يتكو" المحدودة القيام به من استثمار في المخا هو ليس من اختصاصها وإنما من عمل شركة النفط.
وطبق المصدر فإن المشروع يجب أن يقدم لوزير النفط الذي بدوره يحيلها إلى شركة النفط وليس لمحافظ تعز باعتباره غير مخول بالأمر.
وتقول مصادر متطابقة إن المشروع يتبع طارق صالح، وهو من أسند إلى الشرعبي مهمة متابعة تنفيذ المشروع وإضفاء الطابع الرسمي عليه.
وجاء إختيار "الساحل الغربي" تحديداً كنطاق جغرافي للمشروع، بسبب السيطرة العسكرية لتشكيلات ما يسمى "المقاومة الوطنية" التي يرأسها طارق صالح وتحظى بدعم قوي من الإمارات، ومؤخراً أطلقت مكتباً سياسياً كذراع سياسي للتشكيل المسلح مشابه للمجلس الإنتقالي الجنوبي.
ورغم أن المخا تتبع محافظة تعز إداريًا، إلا أنها تعرضت لعزل كامل، مع سيطرة تشكيلات عسكرية مدعومة إماراتيًا عليها، عقب استعادتها من يد جماعة الحوثيين، أواخر يناير/ كانون ثاني 2017، وصارت تشكل رديفاً لحصار الحوثيين للمدينة.
وفرضت الإمارات بواسطة هذه التشكيلات هيمنتها على الميناء وحولته الى قاعدة عسكرية وقامت بتعيين مسؤولين على رأس المؤسسات الحكومة موالين لها بعيدًا عن السلطات المحلية الموالية للحكومة الشرعية في تعز.
وكان قرار غير معلن أصدره محافظ تعز نبيل شمسان، يقضي بتعيين الشرعبي مديرا لميناء المخا خلفًا لـ محمد صبر، والذي سيتم تعيينه مستشارًا لمدير الميناء، إلا أن القرار تم إيقافه ومنع تداوله، بحسب مصادر مقربة من المحافظ.
وعلى إثر ذلك أصدرت وزارة النقل في 9 مارس الجاري، تعميم يقضي بعدم التعامل مع أي قرارات تكليفات وظيفية في الهيئات والمؤسسات والشركات العامة وفروعها من أي جهة كانت ما لم تكن صادرة من وزارة النقل.
وتوعدت الوزارة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق كل من لم يلتزم بذلك.

تقول الشركة إنها من خلال المشروع "ستستهدف السوق في كامل المنطقة المحررة من ساحلي محافظة تعز والحديدة، وهي من حيث المساحة الجغرافية تمثل نصف محافظة تعز تقريبا (مديريات المخا وموزع والوازعية وذباب، بالإضافة إلى مديريات الخوخة وحيس والتحيتا والمناطق المحررة من الحديدة).
كما قالت الشركة إنها تهدف إلى منع التهريب، في أكثر المناطق المعروفة بالتهريب منذ عقود طويلة.
.jpg)
وظلت منطقة المخا ومديريات الساحل طيلة فترة حكم الرئيس السابق صالح ممراً للتهريب وجرى تعطيل ميناء المخا وهو من أقدم الموانئ التجارية في المنطقة تاريخياً.
وكان تجار المشتقات النفطية يتخذون من تلك المناطق منطلقاً لتهريب النفط المدعوم حكومياً قبل الإنقلاب إلى دول القرن الأفريقي، عبر شبكة يُتهم الرئيس السابق برعايتها.
الواقع أن مشروع مركز تجارة المشتقات النفطية المقترح في الساحل الغربي يشير إلى أنه جزء من "إستثمارات" أخرى، شرع طارق صالح في تنفيذها ضمن مخطط وجود طويل في تلك المنطقة، ومن المتوقع أن يكون مصدر دخل كبير لتجارة ضخمة، كما يمكن أن يستخدم غطاء لأنشطة أخرى في منطقة التصقت بجزء من تاريخ صالح وحقبته.
ويقول البعض إن هذا المشروع يتواءم مع الإتهامات للإمارات بالسعي الى فصل مناطق الساحل عن تعز وبناء كيان موازي على امتداد الشريط الرابط بين تعز والحديدة في ما "يسمى الساحل الغربي" لمصلحة طارق صالح وقواته، ويتم تزويده بالوسائل اللازمة للبقاء.
بينما يقول آخرون إن طارق صالح يحاول البحث عن مشروعية لهذه الأنشطة من خلال تمريرها عبر مسؤولين يعملون لمصلحته تحت عباءة الشرعية في محافظتي تعز والحديدة.