الأربعاء 01 فبراير ,2023 الساعة: 07:10 مساءً

الحرف28- تحليل خاص
بعد أيام قليلة على عودة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الى عدن، زار رئيس بعثة الإتحاد الأوربي وعدد من سفراء دول الإتحاد العاصمة المؤقتة عدن والتقوا برئيس المجلس.
وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي العليمي عاد مطلع الاسبوع إلى عدن برفقة أبو زرعة المحرمي نائب رئيس مجلس القيادة وقائد تشكيلات العمالقة، مع غياب لافت لرئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي الذي غادر الرياض عائدا إلى ابوظبي.
لم يعد الزبيدي إذن وهو الذي تكاد عدن تخضع لقواته العسكرية والأمنية المدعومة من الإمارات، وهو ما جعل ناشطين يقولون إن ذلك ناجم عن ضغوط سعودية.
وكان العليمي قد قال في مقابلة مع قناة العربية قبل أكثر من شهر إنه ينتظر قدوم عيدروس الزبيدي إلى الرياض ليعودا معا، لكن المجلس الرئاسي الذي تشكل برغبة سعودية إماراتية في ابريل العام الماضي، بات يعاني بصورة واضحة من صراعات الحليفين اللدودين اللذين يعيدان رسم خارطة القوى العسكرية والسياسية في المحافظات التي توصف بالمحررة.
ويبدو أن الرياض وابوظبي تخوضان صراعا محتدما خلف الكواليس لتقاسم النفوذ في المحافظات الجنوبية، وهو ما انعكس على المجلس الرئاسي، ليعود العليمي وأحد نوابه فقط الى عدن على متن طائرة سعودية وبحراسة أمنية سعودية، فبدا الأمر وكأنه ممارسة للعبة تحدي بين العاصمتين.
لكن ما أشعل التكهنات أكثر صدور قرار الرئيس العليمي بعد ساعات من عودته بتشكيل قوات" درع الوطن" وهي ألوية عسكرية تمثل خليطا من الجنود الذين ينتمون لمحافظات يمنية مختلفة، بصبغة سلفية.
بحسب القرار فإن هذه القوات ستكون "احتياطا استراتيجيا " يتبع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وكلف بقيادتها العميد بشير الصبيحي ما أثار امتعاضا واسعا في أوساط المجلس الانتقالي الجنوبي والجهات الموالية للإمارات التي شككت في شرعية صلاحيات العليمي لاتخاذ هكذا قرارات.
القوات العسكرية التي مضى اكثر من عام على البدء بتدريبها وتشكيلها، في بئر أحمد بعدن وبعض المناطق، بدعم سعودي، قيل أنها ستتولى تأمين محافظة عدن وقصر الرئاسة في المعاشيق، والأرجح أنها ستكون قوة موازية تمثل النفوذ السعودي، مقابل التشكيلات الأخرى التابعة للاتتقالي وبعض المسميات الأخرى التي دربتها ومولتها الإمارات خلال الحرب ويبلغ قوامها مائة الف جندي بحسب التصريحات الإماراتية الرسمية.
بحسب متابعين فإن أزمة الثقة بين أعضاء المجلس تتفاقم، سيما مع رفض المجلس الانتقالي تنفيذ مقررات اتفاق الرياض وعلى الاخص منها تلك المتعلقة بدمج القوات العسكرية، والذهاب نحو التصعيد باتجاه حضرموت، تلبية لرغبة اماراتية، وهو ما اثار حنق الرياض التي دفعت الكتاب والناشطين السعوديين لشن حملة إعلامية مكثفة ضد من وصفوهم ببقايا الضاحية الجنوبية في إشارة الى قيادات الانتقالي الذين ارتبطوا بحزب الله في لبنان وايران،وعلى رأسهم عيدروس الزبيدي.
الأرجح أن زيارة وفد الإتحاد الاوربي إلى عدن الذي يضم عددا من سفراء الدول الأوريية المعتمدين لدى اليمن، جاءت في سياق متصل، إذ أكد هؤلاء لدى لقائهم برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي أمس الثلاثاء، دعم بلدانهم جهود المجلس " لتوحيد التشكيلات الأمنية والعسكرية" وهو الامر الذي تكرر في لقاء لافت آخر مع وزير الدفاع اليمني محسن الداعري.
وليس واضحا ما إذا كان الأوربيون يتحركون بمعزل عن صراع الحليفين اللدودين، غير أن الرسائل التي حملها هؤلاء تشير إلى تنسيق مع الرياض، ربما جاء تعبيرا عن انزعاج من أدوار أبوظبي التي تبدو قريبة من طهران التي تتورط أكثر فأكثر في الصراع الاوكراني الروسي، حيث تبدو حربا أوربية.
المؤكد أن الرياض تحاول هذه المرة ممارسة المزيد من الضغوط على حليفتها، ببناء نفوذ موازي في العاصمة عدن، بعد أن عملت العاصمتان على التخلص من القوات الحكومية فيها وتصفية وجود الشرعية التي كان يمثلها الرئيس السابق عبدربه منصور هادي الذي اجبرته العاصمتان على نقل سلطته الى مجلس الثمانية في 7 ابريل الماضي، إذ يتوزع ولاء أعضاءه بين الحليفتين.
وكانت ابوظبي تسعى إلى تكريس هيمنتها بصورة شبه تامة على المحافظات الجنوبية والشرقية بعد السيطرة بضوء اخضر سعودي على محافظة شبوة، لكن الرياض وضعت أمام ابوظبي خطوطا حمراء ،كما يقول ناشطوها، في حضرموت وتحديدا سيئون، حيث تسعى الرياض لاستبدال قوات الجيش اليمني الموجودة هناك بإنشاء أخرى موالية لها، منعا للمحاولة الاماراتية بالسيطرة عليها بواسطة الانتقالي.
كما أن تحريك دولاب الدبلوماسية الغربية، وتنظيم زيارة الى عدن يأتي في سياق رغبة سعودية باسناد خطواتها بدعم دولي، لتبدأ الحكومة اليمنية بالحديث عن اعتزام البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى اليمن ممارسة مهامها من عدن عوض الرياض، وهو ما اكده وزير الخارجية أحمد بن مبارك.
في سياق الأزمة، برز ما سمي برسائل الصور، إذ حاولت ابوظبي توجيه رسائل ضمنية للرياض من خلال الجمع بين عضوي مجلس القيادة الرئاسي الموالين لها طارق صالح وعيدروس الزبيدي، في لقاء جمعهما بأبوظبي في إشارة إلى أنها طوت صفحة الأزمة التي اندلعت بين القياديين في مايو الماضي وكادت أن تشعل مواجهة مسلحة في قصر المعاشيق عندما حاول طارق صالح رفع العلم اليمني على مقر اقامته.
لكن الصورة حملت عنصرا ثالثا، فالإمارة الغنية التي صارت تروقها فكرة لعب الأدوار الاقليمية داخل برواز "اسبرطة صغيرة" جاءت بشخص آخر من مأرب، إلى جوار عيدروس وطارق، وذهبت لتسويقه محافظا بديلا لمحافظ مأرب الحالي ونائب رئيس مجلس القيادة سلطان العرادة، وكأنها تلوح بتحريك صراع هناك مقابل خطوات السعودية.
وهذه الصراعات ليست وليدة اللحظة، ففي الأعوام الأخيرة من الحرب، كانت الدولتان تنخرطان في صراع النفوذ في المحافظات المحررة، وتنصرفان بشكل شبه تام عن الحرب التي أعلنتها الرياض بمزاعم مساندة السلطة الشرعية في مواجهة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
وبينما كانت ابوظبي تبرم اتفاقات غير معلنة مع ايران والحوثيين في 2019 للإنسحاب من اليمن، على نحو أكثر تحديدا وقف انشطتها العسكرية، كانت القنوات الخلفية يين الرياض والحوثيين وطهران تنشط أكثر، قبل أن تنتهي بهدنة ابرمتها مع الطرفين في ابريل الماضي قبيل الذهاب إلى تنحية الرئيس السابق هادي واجباره على نقل صلاحياته لمجلس الثمانية.
وعوض الحرب الساخنة مع مليشيا الحوثي التي اخذت تفقد زخمها منذ العام الثاني لتتحول الى حروب ومعارك أخرى، لتكريس نفوذ وهيمنه العاصمتين في الجزر والموانئ، والمناطق النفطية، اشتعلت حرب باردة على ضفاف التحالف تتسابق فيها الرياض وابوظبي على قضم المساحة الاكبر من كعكة البلاد لتفضي إلى شرذمة بلا نهاية لصراع داخلي مدمر وطويل بمحركات خارجية.
وفي حين يشكك كثيرون في حقيقة الصراع، فإن آخرون يقولون إن أبوظبي والرياض، تتكاملان أحيانا وتتنافسان أحيانا أخرى، في رقعة الشطرنج اليمنية، ويتخادمان بشكل كامل مع مليشيا الحوثي ومن خلفها إيران، ورغبة الجميع في حيازة نفوذه على حساب وحدة البلاد وسيادتها، ليكون الضحية المؤكدة: اليمن واليمنيين، مع توزع قواه الاجتماعية والسياسية على هذا المثلث المدمر، أو البقاء بلا حيلة على دكة المراقبة.