تعز .. كيف مكنت الطريق الوعرة أبناء الأمجود من اكتشاف قدرتهم على الإنجاز والتضامن ؟ (تقرير)
الثلاثاء 07 فبراير ,2023 الساعة: 09:24 صباحاً
الحرف 28 | مبارك الحيدري - خاص

تشرقُ البهجةُ على وجه محمد المجيدي، وكأنه يعرف الفرح لأوّل مرّة، وهو يقول أخيرًا وجدنا أنفسنا واسترحنا بعد عناءٍ طويل بسبب وعورة طريقنا، هذه الطريق الجبلية الترابية بتعرجاتها المُرعبة. 

يقول محمد، وهو من أهالي منطقة الأمجود مديرية السلام شمال محافظة تعز، إن إعادة تأهيل طريق (المَقَام ـ المَهدر) التي تربط عزلة الأمجود بمركز المديرية من الجهة الشمالية، "اختصرت ثلثي المسافة المؤدية غربا نحو منطقة المخلاف القريبة من مدينة الحوبان شرق مدينة تعز، عبر سائلة نخلة، بدلًا عن الطريق الطويل عبر العُدين- المخلاف".

رصف هذا الطريق، سهّل بحسب مواطنين عملية التنقل ونقل الأحجار والرمل اللازم للبناء وقدم الكثير من الخدمات للناس هناك.

ويضيف المجيدي: "تأهيل الطريق يفتح المجال أمام التجار بأن يحوّلوا سوق الكريف الواقع في المنطقة ، من سوق صغير فقير الى سوق اوسع وانشط يمكنه توفير قدر اكبر من الخدمات للمواطنين في عزلةِ الأمجود ويخفف عليهم عبئ الانتقال بحثا عن السلع الى جانب تكاليف النقل".


الحاجة إلى معالجة

تعد عزلة الأمجود البالغة مساحتها 33 كم 2ويسكنها 18 ألف نسمة حسب تعداد 2004، أكبر العزل مديرية السلام الواقعة الى الشمال الغربي لمدينة تعز، على بعد 30 كيلو مترا من مركز المحافظة.

ويربط طريق (المقام ـ المهدر) عزلة الأمجود بمركز المديرية (سوق الربوع)، كما يربط بين مديريتي السلام والرونة من الجهة الشمالية.

يقول مواطن في المنطقة إن "الطريق جرى شقه العام 1978،  ويقول آخر إن عملية الشق جرت في عام 1977 ولم  تجر عليه أي  إصلاحات طوال السنوات اللاحقة باستثناء بعض الجهود الفردية التي لم تحقق في المحصلة واحداً بالمئة من حل مشكلة وعورة الطريق ومخاطره".

خلال السنوات الأخيرة تعرض الطريق للتّلف بشكل أكبر بسبب تقادمه وتأثير عوامل التعرية الطبيعة، فارتفعت حوادث السير وانقلاب السيارات، ما دفع بالأهالي الى اللجوء للعبور من خلال طُرق أخرى يتطلب قطعها ثلاث ساعات كما هو الحال عند المرور عبر طريق العدين التابعة لمحافظة اب والالتفاف للعودة الى المديرية الواقعة في محافظة تعز. 


اكتشاف الذات الجمعية

عمر عبدالقادر، شاب من أبناء منطقة المهدر، وواحد من الذين ساهموا وعملوا في إدارة المشروع، يقول: "فرحة كبيرة تغمر أهالي المنطقة لإعادة تأهيل طريقهم بجهودهم الذاتية.. لقد اكتشفنا كيف يمكن لنا أن ننجز الكثير من المشاريع حين نعمل معا".

استلهم اهالي الأمجود الفكرة من انجاز صغير تمثل في رصف أهالي إحدى القرى طريقا قرويا صغيراً، فعمد أبناء العزلة إلى تطوير وتوسيع الفكرة لا نجاز طريق (المقام ـ المهدر).

يوضح عبدالقادر، المغترب في السعودية، أنه طرح الفكرة على أحد الخيرين من أبناء الأمجود وهو "نعمان سعيد غالب"، الذي اقترح بدوره جعل الأمر مجتمعيا وجماعيا لحشد قدر اوسع من الطاقات والمساهمات والجهود وهو ما تحقق لاحقا.

وفي الوقت الذي اجتمع فيه عدد من أبناء المنطقة المغتربين في السعودية بهدف جمع المبالغ المالية اللازمة لإصلاح الطريق وإعادة تأهيله، عملت مجموعات أخرى من المواطنين على دراسة الواقع على الارض وانتاج الخطط وتحديد الاحتياجات وتقدير الكلفة.


مشوار الـ 12 ألف

بدأ العمل من خلال مبلغ 12 ألف ريال سعودي ساهم فيها مواطنون مغتربون من أبناء العزلة بحسب عمر عبدالقادر.

يبلغ طول الطريق الذي بات مهجورا نحو 3 كيلومترات وبسفيد منه أكثر من 6 آلاف نسمة.

استثمر المبلغ في رصف المناطق ذات المنحدرات المتوسطة كمرحلة أولى ثم رصف المنحدرات الخطرة على مسافة 2600 متر، ثم وضع جدران ساندة خلال المرحلتين الثانية والثالثة خلال العام 2022م.

نجاح المرحلة الأولى شجع على استمرار التمويل والانجاز حتى اتمام تأهيل الطريق بتكلفة بلغت 120 مليون ريال يمني (طبعة قديمة)، أي ما يعادل 214 ألف و285 دولار، بسعر صرف الدولار الواحد 560 ريال يمني على هيئة مساهمات مجتمعية اتخذت شكل الدفعات المتتالية.


مدى الاستمرارية 

ترتبط استمرارية الطريق في خدمة المواطنين لفترات طويلة، دون حدوث خراب جراء الأمطار والسيول، بجودة العمل المتعلق بنوعية البناء (الرصف) والجدران الساندة، وجودة الأحجار التي جرى استخدامها.

ويقول القائمون على المشروع، أن عملية الرصف تمت وفق دراسة هندسية، شملت سواقي جانبية لتصريف مياه الامطار والسيول. فيما يتوقع عمر عبدالقادر، وهو أحد القائمين على المشروع، أن الطريق قد يستمر في الخدمة لنحو 30 سنة.


عوائق ومهاترات

لا يوجد عمل خالٍ تماما من الصعوبات والعوائق فقد توقف المشروع بضعة أشهر بسبب مُهاترات حول إدارة المشروع وكيفية تنظيم سير العمل الا ان الاهالي تمكنوا من حلحلة تلك الخلافات وضمان اتمامه كماهو مخطط له.


اختصار المسافات 

يعد طريق وادي المقام، مشروعًا مهمًا وحيويًا، وشريانا رئيسيا بالنسبة لأبناء عزلة الأمجود، فقد اختصر هذا الطريق المسافات وساهم في تحقيق مرور سلس للسيارات، حيث أصبح من الممكن الوصول إلى مركز المديرية خلال ساعة واحدة بدلا من ثلاث ساعات كان يقطعها المواطنون عبر الطرق البديلة. 

الطريق بات آمنا كما انه يسهل على المواطنين نقل المواد الغذائية ومواد البناء، والمحاصيل الزراعية من وادي نخلة، في زمن اقل وكلفة اقل مما هو الحال عند استخدام الطرق البديلة ليسهم في تخفيف معاناة المواطنين بنسبة 70% حسب تقديرات ادارة المشروع.

طريق (المَقَام ـ المَهدر) ليس الطريق الوحيد الذي جرى تأهيله من خلال إعادة اكتشاف المواطنين لمقدرتهم في الإنجاز الجمعي فالأمر ذاته تكرر في مناطق ومحافظات عدة بينها محافظات المحويت وريمة وإب، وفي منطقة وصاب بمحافظة ذمار شمالا، وفي منطقة يافع التابعة لمحافظة لحج جنوب البلد.


تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي


Create Account



Log In Your Account