السبت 18 نوفمبر ,2023 الساعة: 11:39 صباحاً

اندبندنت عربية
تختلف الآراء والمواقف حيال قصص "العائدين من الموت" بين من يعتبرها حقيقية ومن يجد فيها مبالغة (pxhere)
"اقتربت من الموت بصورة لا تصدق ولامست نهاية الحياة وغبت عن الوعي تماماً لدقائق ومر شريط حياتي سريعاً أمام عيني، قبل أن أعود فجأة للحياة وينتعش قلبي من جديد".
هكذا لخصت الشابة المغربية بسمة تجربتها مع ما يسميه بعضهم "العودة من الموت".
والعائدون من الموت كثر في العالم، وهم على الأرجح أشخاص انفصلوا في لحظة ما أو لدقائق أو حتى لبضعة أيام عن أجسادهم وعن واقعهم ليجربوا ولوج نفق غير محسوس وصفوه بطريق الموت.
وتختلف الآراء والمواقف حيال قصص العائدين من الموت بين من يعتبرها قصصاً حقيقية تترجم ما عايشه بعضهم من الاقتراب من النهاية الحتمية قبل العودة للحياة، وبين من يجد فيها نوعاً من التضخيم والمبالغة باعتبار أنه "لا يوجد ميت يعود للحياة".
صافحت الموت
وتحكي بسمة عن تجربتها الشخصية التي تقول إنها لن تنساها أبداً ما حيّت عندما كانت جالسة في يوم عاصف قبل بضعة أعوام مع صديقاتها قرب نهر، لتسمع جلبة وصراخاً في الجانب الآخر من الوادي حيث كانت تجلس صديقات أخريات، وعندها اتضح لبسمة أن الأمر يتعلق بغرق إحدى صديقاتها فسارعت نحوها فرأتها تتخبط في ماء النهر الجارف.
وتقدمت بسمة بكل شجاعة، وفق روايتها، لتلقي بنفسها في النهر لإغاثة رفيقتها لكن الذي لم يكن في الحسبان أن صديقتها تلك ومن دون وعي منها ضغطت على رأس بسمة حتى تتمكن من الطفو فوق سطح الماء وإنقاذ نسفها.
وهكذا تحولت بسمة من منقذة إلى غريقة بسبب ابتلاعها كميات من المياه ودخلت في غيبوبة سريعة، وهنا تحكي بسمة لحظات الاقتراب من الموت قائلة إن "شريط حياتها تحول من أعوام عدة إلى ثوان معدودة".
وتردف بسمة، "لم أشعر بنفسي إلا وقد ألقى بي منقذون على ضفة النهر وقد امتلأت رئتاي بالماء لأرى شعاع الشمس فوق رأسي، فتذكرت أنني منذ قليل استعرضت شريط حياتي كلها برمشة عين، فقد صافحت الموت ثم عدت للحياة"، وفق تعبيرها.
اختناق الموت
ومثل بسمة التي تقول إنها صافحت الموت سريعاً وعادت للحياة يسرد البشير وهو رجل في عقده الخامس ما حصل له قبل أشهر قليلة عندما كان يسير في الشارع وهو يلتهم فطيرة محشوة بالخضراوات والشعيرية.
يقول، "فجأة شعرت باختناق إذ تسببت الشعيرية بانسداد المجرى الهوائي، لينقلب حالي بصورة كاملة من السير بهدوء وطمأنينة إلى اختناق وتخبط وشعور باقتراب الموت".
وأكمل المتحدث ذاته، "مرت لحظات وأنا أختنق وسط الشارع وأحاول الكلام ولا أستطيع، وأحاول الصراخ ولم ينتبه أحد لي، ففكرت أنها النهاية وأنني سأموت مختنقاً بعيداً من أسرتي ومن دون أن يشعر بي أحد، وطلبت الماء من بعض المارة فلم يكترثوا بي".
واسترسل المتحدث عينه بأن "كل ما فكرت فيه هو كيف سأموت في هذا الشارع تحديداً، وكيف ستتلقى أسرتي الخبر"، وأنه لم يكن مستعداً لهذه النهاية المفاجئة فدقائق قليلة مرت وكأنها دهر.
وختم البشير، "فجأة نزل الطعام من دون مساعدة أحد وفتح مجرى الهواء لأشعر وكأن الحياة سرت في عروقي من جديد، لتعتريني رغبة عارمة في البكاء حمداً لله على سلامتي".
قصة النفق
ولعل من أشهر قصص العودة من الموت عربياً ما سرده القيادي الفلسطيني الراحل صائب عريقات الذي كان يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال جراحة لزرع الرئة قبل أعوام خلت.
وعايش عريقات تجربة العودة من الموت قبل ثلاثة أعوام من وفاته بالفعل عندما أخبره الأطباء بأن قلبه توقف أثناء العملية بصورة مفاجئة وبأنه مات لمدة ثلاث دقائق و20 ثانية.
ويحكي عريقات ما حصل معه وما شعر به خلال لقاء تلفزيوني "رأيت نفسي وليس جسدي وأنا أمشي بسرعة الريح ولكن ليس في السماء بل في فراغ هائل، قد يكون نفقاً ولكنني لم أشاهد أبعاد هذا النفق، والتقيت أشخاصاً قدمت لهم المساعدة في الماضي وأشاروا إلي قبل أن أعود".
و مشاهد "النفق" نفسها التي تحدث عنها الراحل عريقات رأيتها أيضاً الفنانة المصرية المعروفة زينب وهبي التي أعلنت ما حصل معها قبل أعوام خلال ولادة قيصرية في أحد المستشفيات.
وتحكي الممثلة المصرية في لقاء تلفزيوني أنها شعرت بتوقف قلبها عن النبض، وبأنها غادرت الحياة لترى جسدها يحلق بعيداً فوق سقف الغرفة، وتحاصرها صور ذكرياتها في شريط سريع قبل أن تدخل في نفق أسطواني مظلم، وفي نهايته كانت تقف أمها الميتة التي سرعان ما دفعتها بقوة بعيداً منها لتشعر نفسها وقد عادت للحياة ويعود قلبها للنبض من جديد".
خروج من القبر
وتتجاوز أحياناً قصص أخرى مسألة مصافحة الموت أو مجرد الشعور بالوجود داخل نفق مظلم أو استعراض لشريط الذكريات أو الغيبوبة لفترة زمنية وجيزة، إلى أخبار العودة من الموت والخروج من القبر بعد إجراء كل مراسم الدفن، وهذا بالضبط ما حصل مع الشاب الثلاثيني حسين نعمان من مصر عندما أمضى خمسة أيام في عالم الموتى، من بينها ثلاثة أيام داخل القبر بجوار جثة والده، إذ أصيب بغيبوبة عميقة ظن الطبيب على إثرها أنها وفاة، ليستخرج شهادة الوفاة وتصريح الدفن وتتم إجراءات الغسل والجنازة.
ويحكي الحسين الذي كان وقتها عريساً شاباً أنه بعد ثلاثة أيام من دفنه استيقظ من موته أو غيبوبته ليجد نفسه محاطاً بالظلام ومرتدياً زياً من قطعة واحدة مدعمة بكمية من القطن، ولم يكن يدري حينها أنه كفن"، ليضيف أنه كان يصرخ طوال يومين قبل أن ينتبه إليه الشخص المكلف بحراسة القبور ويفتح قبره ويعود لأهله الذين لم يصدقوا ما حصل.
قبر الزلزال
وفي المغرب وقبل بضعة أسابيع قليلة عادت مسنة إلى الحياة بعد الزلزال العنيف الذي ضرب منطقة الحوز في الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما دفنت تحت الركام لمدة من الزمن قبل أن تنهض من جديد من وسط الركام حية ترزق.
وتحكي المسنة التي تدعى عائشة اسكسيوي عن دفنها حية بسبب الزلزال الذي ضرب قريتها ثلاث نيعقوب، وكيف أنها ظلت تحت الركام والحجارة والأتربة على رغم كبر سنها، وبأنها ظنت أنها ماتت وسط دارها خصوصاً بعد أن عاينت مصرع زوجها بالقرب منها قبل أن ييسر الله لها من يخرجها.
الوعي الخفي
وتختلف قصص الذين اقتربوا من الموت وعادوا للحياة، وتختلف مشاعر الذين جربوا هذه الوضعيات والحالات وفق مرجعية وقوة ذهنية كل شخص على حدة، الشيء الذي جعل هذا الموضوع محط بحوث ودراسات لكن من دون أن يتم الحسم فيه بصورة نهائية.
وفسرت دراسة علمية حديثة تعود للعام الماضي ما يسمى "الاقتراب من الموت" أو "العودة من الموت" بما اعتبرته "الوعي الخفي"، من خلال قياس النشاط الكهربائي في الدماغ عند توقف القلب والتنفس.
وتشير الدراسة إلى أن ملايين الأشخاص أبلغوا عن تجارب قريبة من الموت، إذ تتشابه قصصهم التي تتلخص في كون الوعي يصير أكثر وضوحاً وقوة خلال فترة توقف التنفس الموقت، في وقت يحاول الأطباء إنعاشهم. وكشف معدو الدراسة أنه في معظم الأحيان يمر شريط حياة الناس أمامهم ويستحضرون الأفكار والمشاعر والأحداث التي لا يستطيعون عادة تذكرها، ويقومون بتقييم أنفسهم بناء على مبادئ الأخلاق والقواعد.
وفي هذا الصدد يعلق طبيب القلب وسيم بن حيون على هذا الموضوع بأن العلم يقول إن "ثلاثة أرباع الحالات الممكنة تسبق سكتة الدماغ توقف القلب، وفي حالة واحدة يعمل الدماغ بعد توقف القلب".
ويردف بأن "ما يحصل خلال مثل هذه الحالة إما بسبب حادثة أو اختناق أو جراحة أو عملية ولادة يشبه الغيبوبة خلال بضع ثوان إلى دقائق معدودة قبل أن يتم إنعاشه من طرف الاختصاصيين، مما يجعل الشخص يعتقد أنه توفي وعاد للحياة".