الأحد 03 نوفمبر ,2024 الساعة: 09:42 صباحاً
من ضمن أهم الشخصيات المعاصرة التي اشعلت في النفوس مقاومة الظلم ومقارعة الاستبداد عبر الكلمة، الصحفي الكبير عبدالحبيب سالم مقبل، لم يكن يحمل بندقية ولا لديه قبيلة يحرسه رجالها، كان لديه قلم سخره في خدمة مصالح شعبه، في سبيل الحقيقة لا يخاف الصعوبات والعراقيل التي تقف أمامه.
كان انساناً بسيطاً وصلباً، انا من أولئك الذين تشربوا من مقالاته التي كان ينشرها في صحيفة الجمهورية وبعدها في صوت العمال وبعدها في الشورى، يكتب في عمود الصفحة الأخيرة بالجمهورية يتلقف الناس الصحيفة فلا تجد لها اثراً في الاكشاك والمكتبات.
كنت بائع صحف متجول، وكان أول سؤال يطرح عليْ، عبدالحبيب موجود.. فإن اجبت نعم اشتروا الصحيفة وماهي إلا دقائق في شارع 26 سبتمبر والباب الكبير، إلا وقد أكملت بيع الصحيفة.
كل هذا الحب والتهافت على الصحيفة بسبب الجرأة في الطرح وفي توضيح الحقائق التي كان يتمتع بها عبدالحبيب سالم، وايضاً التحقيقات الصحفية التي كان يقوم بها كان تحدث دوياً قوياً في مواقع صنع القرار، وعندما بدأ في كتابة عموده الشهير (الديمقراطية كلمة مرة) كانت شهرته قد وصلت كل مهتم بشؤون الوطن من العامة والخاصة، وهذا العمود أحدث هزة قوية في عالم الصحافة، وشعر الناس وكذلك السلطة بدور الكلمة المزلزل، تلك الكلمة التي تنطلق من قول الحقيقة ولا سواها، الكلمة التي تقول للفاسد انت فاسد.. وللفاشل انت فاشل.. وللخاطئ انت على خطأ.
آنذاك لم تكن فرحتي بكتاباته من منظور العائد المادي الذي اجنيه.. كانت فرحتي بقوة الكلمة أكبر من ذلك، أفخر أن هذه المدينة انجبت مثل هذا الرجل الذي لا يخاف، الرجل الذي تخافه أوكار الفساد وسلطة الاستبداد، في هذا العمود هاجم كل مراكز الفساد وعرى سلطة الاستبداد وفضح دور القبيلة السلبي في قيادة الدولة.. أسس لصحافة جريئة تزيح عن الجماهير الغشاوة التي يحاول الحاكم وأدواته استخدامها للتعمية على الجماهير، وهو ما استطاع الحاكم بعد رحيل عبدالحبيب سالم المفاجئ أن يفعله ويُعيد الصحافة إلى بيت الطاعة نوعاً ما، وانه من الجميل أن تنشأ جائزة للصحافة باسم فارسها، وأن تقام الندوات المستمرة لتتجذر الحرية ويتجذر حب الحقيقة في النفوس التواقة لبلدٍ خالٍ من الفساد والكذب والاستبداد.
لازالت جنازته الحزينة من مسجد شولق وحتى مقبرة عصيفرة وبكاء اصدقاءه في عالم الكلمة المكتوبة الوجوه الجمعية الحزينة، فلم يكن الحزن لافراد وانما جميع من حضر الجنازة من الجماهير الكثيفة كان حزيناً، وشعور جماعي أن يداً غادرة هي من انهت حياة عبدالحبيب سالم مقبل رحمة الله تغشاه.