الإثنين 09 ديسمبر ,2024 الساعة: 02:46 مساءً
أفضل ما كان يطمح إليه أردوغان، باعتباره الفاعل الإقليمي الأهم في ما تشهده سوريا الآن، هو إعادة النظام السوري وحلفائه إلى اتفاق خفض التصعيد السابق.
كان أردغان قد أعد نفسه تماماً للتعامل مع نظام الأسد كأمر واقع، ويسعى لإبرام صفقة (هل يذكركم هذا بشيء في الحالة اليمنية؟).
حتى عنوان الحملة العسكرية، التي أطلقتها المعارضة المسلحة "ردع العدوان"، لا يشير إلى عملية تتجاوز محيط إدلب، وكف غطرسة النظام!
ما حدث -باختصار- كان أكبر من الجميع. فالأسد، الذي بدا كأراجوز في يد إيران وكائن يبعث على سخرية بوتين، كان قد أصبح متهالكاً من الداخل، واستنفد القدرة على البقاء على مستوى بنية النظام، كما أنتج مختلف الكوارث للشعب السوري، وفاقم الانهيار الاقتصادي.
غير أن العامل الأهم كان حالة النقمة الشعبية الواسعة حتى في معاقل طائفته التقليدية.
كل ما فعلته المعارضة أنها أنجزت دحرجة القطعة الأولى في أحجار الدومينو، وكانت سوريا الشعب جاهزة للفْظ الأسد وإسقاطه؛ لذلك لم يكن العالم وحده متفاجئاً من هذا الانهيار السريع، فالسوريون أنفسهم، الأكثر معرفة بقضيتهم وتعقيداتها وحتى المقاتلون، فوجئوا بهذا الإنقلاب في الموازين، وكأنّ ثقباً أسود فُتح فالتهم كل شيء بغمضة عين.
لا شك أن الوضع السيِّئ لفاعلين آخرين في الحالة السورية -كروسيا وإيران وحزب الله- ساعد السوريين في هذا الإنجاز التاريخي. هؤلاء كانوا حائط صد إسقاط بشار الأسد، منذ عشر سنوات على الأقل. مع ذلك، لم يكن هذا ليكون شيئاً بدون نقلة سورية داخلية حرّكت هذا الجمود والتأزّم.
لا أحد يدري على وجه الدِّقة كيف ستنتهي الأمور في سوريا، ومن السابق لأوانه الحديث عن المآلات في دولة ظلت على الدوام مطمعاً لضباع العالم.
كما أن هذه الضباع لن تستريح، مع ذلك فهي ليست إرادة الله، حين يريد الشعب.
هذا التحوّل الدراماتيكي السوري يحمل دروساً مهمّة لليمنيين، يمكن أن تلهمهم في كسر حالة الجمود، التي فرضتها التوافقات الإقليمية والدولية.
مليشيا الحوثي هي بشار آخر، وذراع إيرانية لا تتورع عن ارتكاب أكثر الفظاعات توحشاً بحق اليمنيين.
خلال عشر سنوات، فعلت هذه المليشيات ما يعادل ما فعله بشار خلال فترة حكمه وحقبة والده. سحق الحوثيون أي قدرة لليمنيين على العيش بكرامة، وارتكبوا أفظع الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان. وكما الأسد، جلبوا كل تدخلات العالم إلى البلاد لاستباحتها.
ليس هناك يمني لم يتضرر من سيطرة هذه الجماعة الطائفية البغيضة؛ بما في ذلك أولئك الذين يخرجون مُكرهين كل جمعة لحمل صور الحوثي.
صدى ما حدث في سوريا شاهدناه رجفة وهلعاً يسري في خطاب قادة المليشيا وناشطيها حتى وهم يجلجلون بالتهديدات. هم يدركون مدى هشاشتهم وضعفهم أمام أي سانحة لغضبة رجال وقادة ميدان.
لطالما كان اليمنيون العاديون مستعدين لتحمّل كلفة الخلاص من هذه المليشيات، ودفعوا فعلياً على مدى الحرب أثماناً باهظة، لكن استلاب القوى اليمنية قرارها من الخارج جعل مركز القيادة فارغاً.
هناك ظروف تاريخية نادرة تهبها السماء للشعوب، يمكن أن تغيّر الوضع بصورة جذرية. لسنا معنيين بحسابات الأطراف الإقليمية، التي تسعى لتمزيقنا وتمرير الحوثي إلى مستقبلنا. الحوثي يقف على رقابنا وشعبنا وبلدنا المتضرر الأوحد، فلماذا ننتظر الآخرين ليقرروا مصيرنا؟
لا أدري من هو ذلك المغفل الذي يعتقد أن هذه الدول حريصة على زوال الحوثي بعد كل ما شاهدناه من تخادم!
استمرار الحوثي لا يحقق أطماع إيران التوسعية فحسب، بل يمنح طامعين آخرين القدرة على تمرير أجندتهم وتحويلنا إلى بلد يستعصي على الحياة.
نهوضنا يقلقهم، فلننهض إذن من أجلنا وليس من أجل إقلاقهم.
لا يتمنَّى أحدٌ أن تشتعل الحرب مجدداً، لكن إذا كانت أبواب السلام، كما ينبغي لسلام حقيقي راسخ ودائم، موصدة، فلماذا عليك القبول بأن تنفُق كأي كائن فائض على قارعة أحلام وحسابات البطرين؟
نقلاً عن موقع قناة بلقيس