الأربعاء 12 فبراير ,2025 الساعة: 01:02 مساءً
من المفاسد الكبيرة التي تحدث في مجتمعاتنا شهادة الزور ، سواء في المحاكم والنيابات او عند حدوث الخصومات والخلافات بين أبناء المجتمع الواحد او حتى في اطار الاسرة الواحدة ، ولشهادة الزور مخاطر جمة ، حيث يؤدي ذلك الى زيادة الاحتقان بين المتخاصمين والى ضياع حقوق طرف لصالح طرف آخر ، عندما جاء الإسلام كان من اهم الأسس حفظ الحقوق وتحقيق العدل بين الناس بكل وسيلة مشروعة ، وفي سبيل ذلك شرع الطرق المختلفة لاثبات الحقوق وبيانها عند التنازع ، لان الناس لو يعطون بدعاواهم لادعى رجال أموال غيرهم ودمائهم ، واهم طرق إثبات الحقوق التي يستدل بها القضاة ويحكمون بموجبها هي الشهادة ، وقد اولاها الله سبحانه وتعالى عناية كبيرة ، واكد عليها ورتب على الكذب فيها إثماً عظيما ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه ) ، ان حاجة الناس لا تستقيم بدون الشهادة ففيها حفظ الحقوق والارواح والأموال والانساب والعقول ، وهي الطريق الواضح لانصاف المظلومين وردع الظالمين وحسم التنازع بين المتخاصمين ، ومع أهمية الشهادة وعظمها وضرورتها لإثبات الحقوق إلا ان بعض الناس تساهل فيها وركب مركباً صعباً فمن الناس من يشهد بما لم يره او يعلم به وانما تأخذه العاطفة او الحماس او الطمع الدنيوي او المصالح التي تربطه بطرف من اطراف التنازع ، ومن مظاهر التساهل ان البعض يصدق خبر من يطلب الشهادة حيث يقول له انا ملكت الأرض الفلانية او العقار الفلاني اباً عن جد وملكها ثابت واريدك ان تشهد معي انها ملكي ، او يقول له ان الأرض بور وهي ليست ملك احد ولن يتضرر من ذلك احد وان لم آخذها اخذها احد غيري ، فيشهد بذلك ظناً منه انه لن يضر احد ، ولم يعلم هؤلاء ان الاثم هنا اعظم لان هذه الأرض تتعلق بها حقوق الناس الذين يتعلقون ببيت مال المسلمين ، كأراضي الأوقاف ، فما كان من الأراضي يخص الدولة فنفعه عام للناس ولذا عقوبة الاعتداء عليه اعظم ، وهناك من يشهد مع فلان او علان من الناس لمكانته او لكثرة أمواله او لمنصبه ونفوذه ، فيقع في أمر عظيم وخطير يترتب عليه اكل أموال الناس بالباطل وظلمهم والاعتداء عليهم ،ان من افظع الكذب واقبحه شهادة الزور ذنبها عظيم واثمها جسيم ، بها تضيع الحقوق ، ويظلم البريء ويبرأ الظالم الآثم ، فلا يقوم بها الا ضعيف الايمان عديم الوجدان وقد عُدلت شهادة الزور بالشرك بالله تعالى ( فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور حُنفاء لله غير مشركين به )
رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر .. قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الاشراك بالله وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور ، ألا وقول الزور وشهادة الزور ، ألا وقول الزور وشهادة الزور .. فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت )
شاهد الزور يستحق الطرد والمقت والتعزير والتشهير وتعريف الناس به حتى يحذروه .. وطبعاً ينتج عن شهادة الزور
ـ تضليل الحكام عن الحق والحكم بناءً على البينة الظاهرة لأن البينة على المدعي واليمين على من انكر ، فإذا كانت البينة كاذبة أخذ الحق غير صاحبه والاثم على الشاهد ......... ـ ظلم من شهد له لانه ساق اليه حقاً ليس له ، وهذا زور وبهتان وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ( انكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما اقطع له قطعة من النار فلا يأخذها )
ـ الظلم لمن شهد عليه حيث سلبه ماله وحقه وتعبه وجهده بهذه الشهادة وهنا يدعوا عليه المظلوم دعوة تحصبه ومن وراءه ، فدعوة المظلوم مستجابة ..... ـ تخليص المجرمين والمفسدين من عقوبة الجرائم التي ارتكبوها ، فقد يشهد معهم احد شهادة زور تخلصهم من العقوبة التي تنتظرهم ، وهنا يكون ظلم شاهد الزور للمجتمع بأسره .. لان الشاهد يُعين على انتشار الجريمة والفساد في المجتمع ، فيجرم بحق نفسه وبحق المجتمع الذي يعيش فيه .. ـ ومما يترتب على شهادة الزور ان الحاكم والمحكوم له والمحكوم عليه كلهم خصماء لشاهد الزور يوم القيامة ، لانه اجرم بحقهم جميعاً ، وبعضهم كما ذكرنا يتعصب مع فلان او فلانة بأن هذا ملك لهم ، وهم لا علم لهم بحقيقة الامر او انهم قد انحازوا لفلان لمصالح تجمعهم به ، فيقعون في الخصومة بين يدي الله تعالى ( والذين لا يشهدون الزور واذا مروا باللغو مروا كراما )
ما يحدث نتيجة هذه الشهادة في كثير من القضايا التي تحدث سواء في النيابات او المحاكم او داخل المجتمع هي نهايات مأساوية في بعضها ، حيث يحشر المظلوم في زاوية ضيقة ، واحياناً يأخذ حقه بيده فتكون الكارثة ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم .. وكل ذلك بسبب شاهد الزور الذي يعد مدمراً للعلاقات ونافثاً للفتنة بين المتخاصمين ..
وسيأتي يوم لشاهد الزور يتمنى لو قطع لسانه على ان يشهد زوراً وبهتانا ...