دعوة الى مؤاخاة الشروق كي يشرق  فيك الإنسان
الأربعاء 09 أُغسطس ,2023 الساعة: 06:56 مساءً

 "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً..".
من جوامع كلم الحبيب المصطفى، يشرق في وجه الفجر درساً من نور لحظة البزوغ وبدء اليقظة، نداءٌ ملائكيٌ يتدفق مع أنفاس الصباحات أنواراً تؤاخي الشمس في الحياة.
هل تأملته؟ هل تأملته متدلياً من شرفة السماء عناقيد ضياء؟ هل سمعته من  فم الصباح نداء انتباهة فارقة لخارج للتو من الظلمة إلى النور؟ الله ما أجمله!!.
قبل أن تنهض الشهوات ويقوم السوق، قبل انطلاق الأهواء يوقظ القلب كي يستفيق فكم من مصبحٍ وقلبه لليل مرقد.
نداءٌ قدسي يوطن الروح على مواكبة الشمس ضياءًا وبعثا، دعوة لمشاكلة الصباحات في الانبثاق السخي، لكأنه يقول: كن كريماً كالإشراق، كن كرنفال حياة، كن هذا الفجر، هذا النورالفياض .
يستحثك كرم الإله ساعة الميلاد هذه لأن تكون جزءاً من مد النور.
لايمسك إلا مطفأ بصر وبصيرة، لا يبخل إلا معتمٌ ينتمي للعتمة ويكنز لأجل العفن.
الممسك ليس أخا للفجر في النداوة والانبساط، ليس أخا للشمس في البشر والجمال والجود بأسباب الوجود.
الممسك متلَف الروح، عامل إتلاف، توقظه الشمس لينهض على مهرجان عطاء رباني حافل ليكون فجراً آخر في قلب الكون المتدافع.لكن يحجبه شحه عن هذا الألق الدفاق.
الممسك كائن لا يرى ذاته في نور الحق،  ولا يعرف الشكر كهزة امتلاء إذ تشرق الروح وتنير الحواس ،ويجري النور في الأعماق ليتدفق الإنسان الفجر، ليطلع الإنسان المنير لينداح وينساح حباوخصبا و ذكراً وشكراً،
الإمساك توجه معاكسٌ، جحود، سلوكٌ يناقض دفق الصباحات السخية الباعثة على منتهى الحب و البذل،  ومنتهى كل  نبيل وجميل.
هذه ساعة يَقْصر فيها العطاء ولا يرى فيها لمنفق بياض يد.
ما أنت والشمس؟ ما أنت والصبح؟
هذه ساعة تحرض على مطلق الكرم  ومطلق الشعور بالضآلة والتقزم.
الشروق انطلاق من أسر الحلكة، الصباحات بهاء، أنداء، أفراح بهجات وحيوات متفتقة، ألقٌ، غناء، ارتعاشات أمل، العصافير تطير، الفراشات تطير، والأزاهير الندية تملأ الدنيا عبير.
لا مكان هنا لبخيل متعفن في شحه وهوى نفسه، لا مكان لأسير أهوائه وشهواته وبخله ،وتقتيره .
من السوء أن تمسك وأنت مشمول بهذا الفيض الإلهي اللا محدود من النعم والهبات الدالة على عظيم تفضيل وإكرام يستدعيان منتهى الوفاء.
من المقيت أن لا ترى إلا ذاتك في صباح يريك أنك الكون كله.
من سوء أدبك مع المعطي قبضك العطية وأنت منها ساعة بسطٍ كهذه، انحشارك الأناني داخل ذاتك وحدود جسدك، مجافاة لروح الصباح فيك حيث التفتح قرين البزوغ.
في هذا الفضاء المفتوح ينفتح  الحديث على ما لا يحد من المعاني السنية، تنبجس منه عيونٌ وعيون ثرة . نراه كما لو أنه شمس أخرى ينساب ضوءها إلى اعماقنا ،هناك حيث يثوي النور والظلام، الخير والشر، الحب والأثرة.
ليس المال وحده هدف النداء ،وإلا ما سر هذا الاقتران  بين الإنفاق والإصباح؟ أنت هنا تنهض بعد ساعات من السكن والسكون بعد نوم مجددٍ للطاقة بعد راحة محرضة على استئناف عملٍ منير.
هي دعوة لإنفاق يتجاوز الماديات، إنفاق الجهد، المشاعر، الأحاسيس، الابتسام، كل وجوه البذل  ومنتهاها بذل الروح في سبيل الحياة الحرة الكريمةوكل مبدأ عظيم لا تقوم الحياةبدونه.
للمنفق في روحه من الفجر نصيب خلفاً ومكافأة، نور عقل، انشراح صدر، ابتهاج، بشاشة، سكينة، اطمئنان، ندىً واخضرار.
للمنفق من الصباح قسمة الدنيا والآخرة.
والإمساك لا ينحصر على الشيء،
ثمة إمساك يخنق الروح، يبقي المرءسجين ذاته وحبيس أنانيته،
أن تمسك يعني أن تكاثر العَدَم، أن تقف عند النعمة عكس إرادة المنعم بحيث تحجبك النعمة  عنه وعنك. وللممسك من العتمة نصيب في روحه، كثافة، جهامة، تلف أعصاب، إنهاك روح، مخاوف متكدسة.
"لا سؤدد مع البخل" لا مجد، لا حياة.
الله.كم في الأوقات من النفائس الكريمة التي لا يراها المطفأون  أسارى الشح والبخالة، 
 وكم في القرآن الكريم  وهدي رسولنا الحبيب من كنوز وآفاق مدهشة تغري بالتحليق وبفتوح لا تحد.


Create Account



Log In Your Account