يمنيَّات يستبدلن الصلصة الجاهزة بالمصنعة منزليًّا
الخميس 21 سبتمبر ,2023 الساعة: 03:39 مساءً
نُهى الكازمي

تُعد العودة إلى استخدام الوسائل القديمة في حفظ وتصنيع الأغذية منزليًّا، حلًّا نموذجيًّا في الدول المتقدمة التي تؤمن بجودة المُنتجات المُصنَّعة منزليًّا ومطابقتها لاشتراطات الغذاء الصحي الخالي من المواد الحافظة، والملونات الصناعية، في حين تعمل المجتمعات التي تتأثر بفعل تغيرات المناخ، والكوارث الطبيعية، والجفاف، بالإضافة إلى تأثير الصراع والحروب  على مختلف الأصعدة على ابتكار حلول للمُشكلات التي تواجهها.

في عدن واليمن عموما يعد ارتفاع اسعار صلصة الطماطم مشكلة تحتاج الى حلول وبدائل ماجعل توفير صلصة الطماطم البديل في مقدمة اهتمام ربات المنازل في عدن، لا سيما بعد ما أصبح شراؤه من السوق يستحوذ على ما نسبته 20% من إجمالي احتياجات المواد الأساسيَّة في المطبخ اليمني؛ ولا يمكن الاستغناء عنه؛ كونه يُعد مكونًا رئيسيًّا، يدخل في طبخ أغلب الوجبات اليمنيَّة: كاللحوم والدواجن، البيض، البُقوليات (الفاصوليا، الفول، البازلاء)، بالإضافة إلى الصانونة: وهي وجبة الغداء الرئيسيَّة التي تُقدم مع الأزر الأبيض في عدن.   

 في العادة  يتراوح سعر الطماطم المصنعة ما بين 50 - 100 ريال يمني، لكن وبفعل الصراع، وانهيار العملة، بالإضافة إلى تضاعف مشكلات تكاليف النقل، قفزت أسعاره إلى 300 ريال يمني (20 سنتًا) لعبوة 70 جرام، في المُحافظات الجنوبيَّة، ويأتي بين مخفف التركيز، وعالي التركيز، ما يعني أن صلصة الطماطم، غدت مُكلفًة للأُسر متوسطة الدخل.

في المتوسط تحتاج الأُسرة المكونة من ستة أفراد إلى 60عبوة70 جرام من صلصة الطماطم في الشهر، والتي تكلف 12دولار أمريكيًّا نحو 18,000 ألف ريال يمني، أي ما يعادل20% من راتب موظف يتقاضى100 ألف ريال، وبمقارنة هذا السعر مُقابل متوسط الأجور في اليمن التي لا تتعدى 60 ألف ريال، يعني انعدام القُدرة الشرائيَّة لمكون أساسي في المطبخ اليمني. وهو الأمر الذي شكّل حافزًا لربَّات البيوت للبحث عن حلول بديلة لسد هذا العجز وتغطية الاحتياج الدائم لصلصة الطماطم.

حلول مُجربة:

لم يعد شراء صلصة الطماطم بسعر مرتفع، وبجودة متدنية لبعض الأنواع، وتخفيف تركيزها مرضيًا لعدد من ربَّات البيوت في عدن خصوصًا في فترة ارتفاع أسعار الطماطم في غير مواسمها والذي يصل 2 دولار للكيلو الواحد، أي ما يعادل 3000 ألف ريال يمني، مُتجاوزا بذلك أسعار التفاح الأمريكي، والبرتقال الإسباني، ما حدا بشيماء (مُدرَّسة في مدرسة للبنات في عدن)، البحث عن حلول بديلة على مِنصة يوتيوب.

بدأت شيماء بمتابعة طُرق بديلة لصناعة صلصة الطماطم، التي تستخدمها ربَّات البيوت في تُركيا، وسوريا وغيرها من البلدان لتخزين وصناعة صلصة، لاستخدامها بعد انتهاء موسم الطماطم كبديل صحي وموفر بدل شرائها من البقالة.

تقول شماء: " في بداية الأمر وجدت بعض الطرق لصناعة صلصة الطماطم وتخزينها بالثلاجة، وهي طُرق على نجاحها في بلدانها إلَّا أنها غير مجديّة في اليمن، وخصوصًا عدن التي سيؤدي انقطاع التيار الكهربائي، بشكل متواصل، إلى تلف مخزون الطماطم المُصنعَّ منزليًّا.

وأضافت  شيماء: "وجدت طُرق أُخرى تعتمد على تبخير الماء من صلصة الطماطم عن طريق تعريضها لأشعة الشمس، بعد تبخير جزء من عُصارة الطماطم على النار، وهذا الحل على نجاحه، وانتشاره في تركيا وسوريا، وكُردستان العراق، إلَّا أنه يحتاج إلى مساحة واسعة تدخلها أشعة الشمس،  كالبلكونة أو سطح المنزل، مع الحرص على مراقبة صلصة الطماطم وحفظها من الحشرات، والطيور، كما يحتاج إلى توفير عدد كبير من الصحون، لاحتواء الكميات الكبيرة من معصور الطماطم التي يجب أن تُفرش باستواء منخفض، حتى تتبخر ماه عُصارة الطماطم، وهو ما لا يمكن نجاحه في أغلب الشقق الصغيرة في المدينة خصوصًا الشُقق التي لا توجد بها نوافذ واسعة، تسمح بدخول أشعة الشمس بشكل كافٍ.

الحل الناجح:

 تقول شيماء ان الحل الأمثل الذي وجدت أنه مناسبًا لصنع صلصة الطماطم هو عن طريق: تبخير عُصارة الطماطم على موقد الغاز، ووجدت هذا الحل من خلال متابعتها لعدد من القنوات على مِنصة يوتيوب، بعد أن جربته وقامت بنشره وتعميمه بين زميلاتها في العمل، وجيرانها. 

وعن المكونات التي تُستخدمها تقول شيماء الطريقة التي اعتمدتها لإنتاج 10 كيلو من صلصة الطماطم تبدأ بشراء سلَّة طماطم طازجة (25كيلو)؛ أضيف لها الملح كمادة حافظة، بعد تجهيز الصلصة اصبها حارة في برطمانات زجاجية، لا أشتريها، بل اكتفي عادة بجمع زجاجات الجبن، والمربى التي استخدمها وأغسلها وأعقمها بالماء المغلي، كما أجففها بتعريض فوهة البرطمان لعين الموقد. 

وأضافت " تجهيز 10 كيلو من صلصة الطماطم منزليًّا يُكلّف 7 دولارات أي 11 ألف ريال يمني، تتوزع بين 5 دولار قيمة 25 كيلو طماطم، و2 دولار تتوزع بين استهلاك غاز، وملح، ومواصلات جلب الطماطم من السوق. 

وتشير شيماء الى ان الكميَّة تكفي لتغطية احتياجات الأُسرة لأكثر من ثلاثة أشهر بالاعتماد على الصلصة والطماطم المعصورة، فيما يُكلفها شراء صلصة الطماطم من المحال التجارية 18 ألف ريال يمني ما يقارب "11" دولار في الشهر الواحد، لا سيما عند ارتفاع أسعار الطماطم في غير موسمها.

وقالت: أن صلاحيَّة الصلصة تصل الى سنة وأكثر خارج الثلاجة، وبعد الفتح تُحفظ في الثلاجة أو المُجمد لمدة شهر.

الطريقة تصنيع الصلصة منزليا

وعن الخطوة الأوليَّة التي تُمكّن ربَّات البيوت من الحصول على صلصة طماطم يتنافس صلصة الطماطم المباعة في الأسواق تقول وفاء (مدرسة في جامعة عدن): " أول خُطوة للحصول على صلصة طماطم جيدة الطعم والنكهة واللون تبدأ باختيار حبَّات الطماطم الحمراء الطازجة، وفرزها وغسلها جيدًا بعد ذلك تقطيعها إلى أرباع، وعصرها، ومن ثم تمرير الطماطم المعصورة عبر مصفاة دقيقة مرتين إلى ثلاث مرات؛ للتخلص من قشور وبذور الطماطم. 
بعد ذلك تُصب الطماطم المصفاة في قدر كبير وترفع على النار؛ وبين كل فترة، وفترة يُتم تحريك صلصة الطماطم؛ حتَّى يتبخر كل الماء ويثخُن قوام الصلصة؛ ومن ثم يُضاف الملح، الذي يعمل كمادة حافظة تمنع صلصة الطماطم من التعفن.
بعد تجهيز صلصة الطماطم ووصولها إلى القوام المناسب: تعبأ مُباشرة في برطمانات زُجاجيّة مُعقّمة ويُحكم إغلاقها.

ومن ثم تُقلب البرطمانات؛ لتتختم بشكل جيد بفضل درجة حرارة الصلصة، وهي طريقة أوفر لترشيد استخدام الغاز، بدلًا من إعادة غلي البرطمانات المعبأة مرة ثانية.


نشر التجربة
:

 قررت كُلًا من شيماء ووفاء إرجاء نشر تجربة كلًا منهما إلى أن تتأكدا من صلاحية صلصة الطماطم المعبأة منزليًّا خصوصُا وانهما صنعتا صلصة الطماطم في بداية موسمها. وبعد شهر فتحت شيماء مرطبان واحد من صلصة الطماطم بوزن (1100) جرام، فوجدت ان صلصة الطماطم لم يتغير لا لونًا ولا طعمًا ولم تظهر على سطحها العُفونة. 

تقول شيماء بعد إضافتها صلصة الطماطم إلى الوجبات، وجدت أن الصلصة المصنوعة منزليًّا تختلف من حيث المذاق والنكهة، عن الصلصة التي اعتادت شراءها من السوق.

وقررت بمعية وفاء نقل تجربتهما ومشاركتها مع مجموعات المعلمات في المدارس والجامعات، واللواتي تفاعلن بدورهن، وانتشرت الطريقة بين المُدرسات في المجموعات، واستخدمت الطريقة نفسها في حفظ الطماطم المعصورة. 

بدأت النساء في عدن، وفي محافظات أخرى تتبع الطرق المختلفة لصنع صلصة الطماطم، ، لا سيما تلك التي تُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، وهي في مضمونها لا تختلف عن الطريقة التي اتبعتها شيماء، ووفاء، وكلها طُرق تُغني عن شراء الطماطم من السوق.

تقول أم عبد الله ( بائعة معجنات)، " أنا أبيع البيتزا والمعجنات، والمكرونة، والطماطم وصلصة الطماطم مكونان رئيسان في أطباقي، وارتفاع أسعار الطماطم والصلصة يضطرني إلى رفع سعر البيع؛ الأمر الذي يدفع زبائني إلى العزوف عن الشراء، لكن بعد ان تمكنت من تجهيز صلصة الطماطم في المنزل، تمكنت من خفض التكلفة، حتَّى انني تمكنت من صنع صلصة البيتزا التي تُباع في الأسواق باتباع نفس الخطوات، واضافة الزعتر والبهارات كخطوة نهائيَّة، ويتراوح سعر برطمان صلصة البيتزا 250 جرام ما بين 3000 ألف إلى  4000 ريال يمني، بحسب النوع، وبلد المنشأ. 

أكشاك ومفارش بيع الخضروات

يؤكد علي الحبيشي مالك بسطة خضروات وسط المعلا " ان عشرات النسوة يُقبلن على شراء الطماطم في موسمها حيث تزدحم الأسواق بسلال الطماطم وينخفض سعرها، ويطلبن منه احضار سلال الطماطم من السوق المركزي؛ من أجل تحضير صلصة الطماطم في المنزل.

ويضيف الحبيشي " عندما تنخفض أسعار محصول الطماطم نقوم نحن بتوفير كميات كبيرة من الطماطم؛ لأننا نعلم حجم الطلب، لا سيما من ربَّات المنازل، ونوفره بنفس أسعار السوق المركزي مع فارق قليل في السعر نحسب بها تكلفة النقل الداخلي.

ويؤكد الحبيشي انه نقل هذه التجربة إلى بيته حيث عمل على تواصل زوجته مع إحدى السيدات اللاتي يشترين منه الطماطم بانتظام، وشرحن لها طريقة صنع الصلصة في المنزل. 

وقال الحبيشي: " إن جميع النساء في العمارة التي يسكنها، وعدد من البيوت في الحي الذي يسكنه تناقلت طريقة تجهيز صلصة الطماطم؛ لقلة تكلفتها ولسهولة حفظها وجودتها".  

كما أكد محمود أحمد مالك بسطة في سوق الخضروات بكريتر أنه يقوم بتوفير كميات كبيرة من سلال الطماطم لربات البيوت، اللاتي يخترن الطماطم بعناية؛ لتجهيز صلصة الطماطم المُصنعة منزليًّا.   
وأكد محمود ان هناك نسوة يقمن بتجهيز هذا النوع من صلصة الطماطم وأنواع أخرى وتوزيعها على المحلات والبقالات لبيعها بسعر معقول في الأسواق.
وقال محمود: " لست البائع الوحيد الذي يوفر الطماطم التي تصنع منها النساء صلصة الطماطم، فهذا السوق يوفر لمئات النسوة في أحياء كريتر سلال الطماطم وهي المادة الأساسية لصنع صلصة الطماطم في المنازل. هناك الاف الأسر في عدن تستفيد من تحويل الطماطم إلى صلصة، في موسمه.

دعوة أكاديمية إلى نشر ثقافة التصنيع المنزلي


 تقول: ماهية صائب محمد ( المُدرسة في قسم علوم الأغذية في كلية ناصر للعلوم الزراعيَّة جامعة لحج) : " إن المؤسسات والمنظمات والوكالات تهتم بإقامة دورات لربات المنازل، تتمحور حول  التصنيع الغذائي المنزلي، وتستهدف المناطق الريفيَّة بدرجة أساسية. 

وأشارت الى ان نشاط منظمات المجتمع المدني التي تقوم بتدريب النساء على الصناعات المنزليَّة بكيفيتها رافدا للاقتصاد المنزلي، وذلك من خلال توجيههن لبيع منتجاتهن المُصنعة منزليًّا، ومساعدة الأُسر في توفير بدائل عن المواد الأساسيَّة المحفوظة التي ارتفعت اسعارها في الأسواق.

وأضافت ماهية ان تصنيع صلصة الطماطم في المنازل، في ظل ارتفاع سعر المنتج في الأسواق وتفاوت جودته، يسهم في تخفيف العبء المادي على الأُسر، كما أنه صحي مقارنة بالأنواع المُشتراة والتي تزداد فيها نسب اخطاء التصنيع، بدءًا من المواد الخام، إلى التعبئة، ونوع العبوات، والتعقيم، على العكس من صلصة الطماطم المنزلية والذي تحرص فيه ربة المنزل على فرز الطماطم واستبعاد التالف منها، والتأكد من تعقيم العبوات.

وأضافت " إن التوجه للصناعات الغذائيَّة بشكل عام لا يزال محدودًا، وتوجه ربَّات البيوت في عدن لصناعة صلصة الطماطم، ارتبط بارتفاع سعره. 

وعن الدور المؤسسي والأكاديمي في توجيه المجتمع نحو تبني الحلول البديلة، تقول ماهيَّة: " نحن في قسم علوم الأغذية في كُليَّة ناصر للعلوم الزراعيَّة نُوجه الطلاب من خلال المقررات الدراسية، ويطبق إلى حد ما التصنيع المنزلي بمعمل القسم ونمدهم بالمعلومات التي من خلالها يُمكنهم المُشاركة في مؤسسات ومنظمات؛ كمدربين وموجهين يعملون على   تدريب النساء على كيفية تطبيق التصنيع المنزلي.
ودعت أُ. ماهية المنظمات اليمنية، ووكالة المنشآت الصغيرة، والأصغر، والصندوق الاجتماعي للتنمية إلى تعميم الحلول التي تبتكرها الأسرة اليمنية من أجل تغطية احتياجاتها من خلال توفير أنواع من المنتجات الزراعية، والتعليب والحفظ، كصلصة الطماطم في المحافظات اليمنية ومجتمعات المدن والأرياف.

وقالت ماهية: إن اليمن يتميز يتنوع المناخ والطقس والفصول الصالحة للزراعة طوال العام حيث تأتي مواسم تتوفر فيها منتجات زراعية كثيرة بأسعار زهيدة تستطيع الأُسرة اليمنية من خلال ذلك توفير الصلصة والمربيات بكافة أنواعها مثل: الطماطم، الجوافة، الحمضيات: ليمون، برتقال، جريب فروت، التفاحيات مثل: الأجاص السفرجل التفاح، اللوزيات: المشمش الفرسك الخوخ، العنب، الزيتون والمخللات والعشار بتكاليف لا تكاد تذكر، وتغطي احتياجات الأُسرة لفترة تتراوح ما بين ستة أشهر إلى سنة، وهذه المنتجات المصنعة منزليًّا تُشكل نواة لمشروع منزلي تبيع فيه الأسر المنتجة هذه المنتوجات بأسعار مُنافسة في السوق المحليَّة.

تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي


Create Account



Log In Your Account