الجمعة 29 نوفمبر ,2024 الساعة: 02:45 مساءً
لطالما طُرح هذا السؤال خلال السنوات الست الأخيرة من الحرب: لماذا لا يعقد مجلس النواب اليمني جلساته في العاصمة المؤقتة عدن؟ وهو سؤال لا يهدف بالضرورة إلى الحصول على إجابة، بل يشير إلى مشكلة قائمة تحمل في طياتها وصفاً لحال.
غياب هذه المؤسسة، التي تمثل ركناً مهماً في الشرعية، بغض النظر عن المآخذ حولها وعليها، يفتح الباب أمام سؤال آخر: لماذا يُراد له أن ينعقد الآن؟ هذا التساؤل برز مع الترتيبات الجديدة لانعقاد المجلس مؤخراُ.
في الحقيقة، يدور السؤالان حول أزمة أعمق تتعلق بالشرعية ومؤسساتها، وكيف تم تدجينها وتغييبها عن دورها المفترض في معركة استعادة البلاد، إن كان ثمة معركة فعلية.
ومن المؤسف أن نعود مجددًا للنقاش حول أمور يفترض أنها بديهية لأي تحرك مسؤول، بعد مرور عقد من الزمن على حرب مدمرة رفعت فيها الأطراف الخارجية شعار "دعم الشرعية وإنهاء انقلاب الحوثيين".
في هذا السياق، يبرز مجلس النواب كنموذج صارخ لعبثية السياسة التي انتهجها التحالف العربي في تعامله مع الشرعية. كما يعكس حالة الإذعان والارتهان التي أصبحت سمة بارزة لأداء النخبة السياسية والحزبية المكونة للمجلس وللشرعية.
رغم مغادرة الكثير من أعضاء مجلس النواب العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في وقت مبكر، فإن الشرعية والتحالف لم تكونا حريصتين على تفعيل هذه المؤسسة إلا لرفعها في وجه مليشيا الحوثي. بعبارة أخرى لم يكن الجهد منصباً لتفعيل كافة مؤسسات الشرعية ومواجهة تبعات الحرب، بل استكمال شكلها الديكوري ثم إبعادها وتعطيلها!
في ظروف الحرب، التي عاشتها البلاد وشهدت فيها أسوأ أشكال الدمار المادي والسياسي والاجتماعي والانهيار الاقتصادي، وتفاقم الفساد بأكثر صوره فداحة، وهيمنة القوى الأجنبية، لم ينعقد مجلس النواب اليمني إلا مرتين يتيمتين، خلال خمس سنوات منذ التئامه في سيئون في أبريل 2019!
ما هو معلوم أن أعضاء كثر كانوا يطالبون على الدوام بانعقاد المجلس في أي محافظة يمنية، لكن الشرعية في عهد هادي لم تكن متحمسة، أما التحالف فقد كان يرى في ذلك عملاً غير مقبول. لم يقل ذلك صراحة، لكنه مارسه بأكثر الوسائل تعبيراً من خلال العبث بتفاصيل الشرعية نفسها!
وحينما كان التحالف بحاجة إلى انعقاد المجلس، وفّر كل الظروف لانعقاده مرتين: المرة الأولى في سيئون في أبريل عام 2019 لانتخاب قيادة للمجلس؛ بهدف سحب البساط عن الحوثيين، والثانية بعد 3 سنوات في عدن أبريل 2022 لتمرير ما فرضه التحالف من تغييرات في قيادة الشرعية تحت لافتة نقل السلطة!
في كلتا الحالتين كان جدول أعمال التحالف هو المُلح، وليس جدول أعمال المجلس الذي لم يلتئم طيلة 5 سنوات سابقة من الحرب!
لقد أخذ التحالف ما يريد من المجلس، ولم يكن مكترثاً لعدم انعقاده مرة أخرى لمناقشة المشاغل اليمنية المتراكمة، بل إنه وظف كل الظروف التي صنعها للحيلولة دون انعقاده، وكان يستطيع تحويل اللائمة دائماً ببساطة على المجلس الانتقالي الجنوبي، وهذا الأخير يصر على لعب هذه الأدوار بكفاءة!
خلال هذه السنوات الماضية، حاول بعض أعضاء المجلس ممارسة صلاحياتهم في حدودها الدنيا بتوجيه أسئلة مكتوبة للحكومة بخصوص ملفات كثيرة بعضها تعلق بالوضع في سقطرى، الأرخبيل اليمني المنسي في المحيط الهندي، وبيع شركة الاتصالات للإمارت.
وفي إحدى الوقفات النادرة، شكل المجلس لجنة للتقصي حول وضع الكهرباء، ووضع قطاع الاتصالات، وبعض الممارسات الحكومية الفاسدة في القطاعات المالية.
لكن المجلس نفسه لم يتابع وقفاته أو وقفات بعض أعضائه عن بُعد، وهو لا يعلم كيف تصرفت الحكومة حيال مساءلات الأعضاء، وظل كسيحا يتحرك في المناطق الآمنة؛ بحثا عن رضا التحالف!
الأدهى أن بعض التحركات، التي كان يبديها بعض الأعضاء، كانت تواجه بتحركات مضادة من أعضاء آخرين محسوبين على مكونات مرتبطة بأحد طرفي التحالف، وكأن تقاسم النفوذ في الجغرافيا "المحررة" انزاح إلى مواقع أخرى ليضمن التقاسم في المجلس!
في الأسبوع الماضي، التقط سلطان البركاني وهيئة رئاسة المجلس صورة مع عيدروس الزبيدي في العاصمة السعودية الرياض، لتنطلق بعدها موجة تفاؤل وترحيب بانعقاد وشيك للمجلس في عدن أو المهرة.
من الصورة، هناك من أراد أن يقول إن عيدروس الزبيدي هو المعيق لانعقاد المجلس، وهو استنتاج صائب جزئياً، لكن أحداً لم يسأل: لماذا لم يمنع عيدروس الزبيدي انعقاد المجلس في جلستيه النادرتين في سيئون وعدن؟
رغم إدراك التحالف حالة الضعف الرهيبة، التي تسيطر على النخبة اليمنية المكونة لمجلس النواب والشرعية إجمالاً، ومساهمته العميقة في تفاقمها، فهو لا يريد لمجلس النواب أن يلعب دوراً دائماً مهما كان محدوداً. هم يعرفون أن الأمر لا يمكن التحكم بمساره، لذلك فإن الانعقاد المتوقع للمجلس لن يختلف عن سابقه.
تفيد المعلومات بأن الترتيبات لانعقاد المجلس تجري بصورة كبيرة في محافظة المهرة جنوب شرقي البلاد. هذه الترتيبات تقول أيضاً إن أعضاء المجلس سيحلون ضيوفاً على بلدهم، وسيغادرون فور انتهاء مهمتهم ليعودوا من حيث جاءوا!
هناك العديد من التكهنات بشأن المهمة، التي دفعت الأطراف المختلفة إلى الترتيب لعقد المجلس، وقد تشير إلى مهمة جديدة يريد التحالف إضفاء الشرعية عليها.
وبينما يبقى السؤال الأول: لماذا يُسمح للمجلس بالانعقاد الآن؟ يظل السؤال الأهم: أين جدول أعمال المجلس، التي تعكس أولويات الشعب اليمني؟
نقلاً عن موقع قناة بلقيس