الأربعاء 25 ديسمبر ,2024 الساعة: 04:47 مساءً
لم تصدر أيّ رسالة يمنية رسمية قوية تجاه إيران عقب الزلزال السياسي في الشام، وسقوط نظام الأسد.
هذا الحدث، الذي مثَّل ضربة قاسية للمشروع الطائفي الساعي للهيمنة على المنطقة العربية، لم يثنِ إيران عن مواصلة غطرستها وعدوانها السياسي ضد اليمن، من خلال دعم مليشيا الحوثي علنًا، بل والتلميح بوجود قواتها العسكرية في الأراضي اليمنية.
اكتفى رئيس مجلس القيادة الرئاسي بتهنئة الشعب السوري عبر منصة "X"، يوم 8 ديسمبر، بعد إسقاط نظام الأسد، مضيفًا عبارة يتيمة ومقتضبة: "حان الوقت لترفع إيران يدها عن اليمن، وتحترم سيادته وهويته، وتُمكّن أبناءه من بناء دولتهم"، لكن هذه الكلمات بدت كسيحة، وأشبه بمناشدة، تعكس القيود الإقليمية المفروضة على الموقف اليمني الرسمي تجاه هذا الحدث.
بدلاً من استغلال الفرصة سياسيًا لمهاجمة إيران، وإعلاء صوت اليمنيين لدى المحتمع الدولي، أو عسكريًا لتكثيف الجهود ضد الحوثيين، واستعادة البلاد، أُهدر الحدث وأصبح بارداً، متأثراً ببرودة أجواء الرياض، العاصمة البديلة، في أسوأ فصول السنة!
لن يمر الكثير من الوقت، وسترد إيران بطريقتها لتؤكد أن عدوانها على اليمن لن توقفه المناشدات أو التفاهمات مع "الأشقاء"، وأنها ماضية حتى نهاية الغطرسة.
وثقت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا)، الأحد الفائت، مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ومن وصفته بوزير خارجية اليمن، وهو شخص ينتحل صفة وزير خارجية يتبع مليشيا الحوثي.
في هذه المكالمة، لا تظهر طهران فقط سلوك البلطجة في العلاقات الدولية، بل تعلن تحدياُ لليمنيين، وإصراراً على تمزيق بلدهم، وتمسكها بمسار دعم مليشيا متمردة قادت البلاد إلى حرب مدمرة، وتسببت بمقتل مئات الآلاف، وشردت ملايين السكان.
إنها المليشيا المفضلة الآن لطهران، والصورة الأخرى لحليفها الجزار المخلوع بشار الأسد في الترويع.
في الخبر قالت الوكالة إن وزير خارجية الحوثيين "قدّم تقريراً عن آخر التطورات في بلاده"، من الصيغة يبدو من ينتحل صفة الوزير مجرد مخبر لدى طهران، وأن المليشيا ليست أكثر من عصابة مسلحة ترفع تقارير بنتائج ما تصنعه إلى مشغلها.
في اليوم التالي للمكالمة، خرج قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، ليقول في لغة لا تخلو من التهديد إن قوة إيران تمتد إلى ماوراء حدودها.
وفي التوقيت، فإن التصريح يأتي متزامناً مع انكماش تأثير طهران، وانطفاء أذرعها في سوريا ولبنان على البحر المتوسط، ولم يتبق سوى ذراعها المغروس في جنوب الجزيرة العربية على البحر الأحمر للمناورة عبر الصواريخ.
هذا التأكيد ليس فقط انهماكاً إيرانياُ في توثيق المشاركة المباشرة من خلال القوات العسكرية إلى جانب الحوثيين، بل اعترافاً بأن هذه الدولة مسؤولة بشكل كبير عن جميع الأضرار، التي تعرضت لها اليمن، خلال عشر سنوات من الحرب.
إن إيران لا تفعل شيئاً سوى التذكير بدورها التدميري في اليمن، والتمسك بممارسة العدوان المباشر ضد الشعب اليمني ودولته.
معلوم أن هذا النظام الشرير كان يمثل الدولة الوحيدة التي اعترفت بسلطة مليشيا الحوثي على حساب الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وأخذت معها في الطريق نظام المخلوغ الأسد.
منذ اللحظات الأولى للحرب، حوّلت طهران مقر سفارتها في صنعاء إلى مركز قيادة عسكرية، وثبت ذلك فعلياً بإسناد مهمة القيام بدور"سفير" للقيادي في الحرس الثوري الإيراني، حسن إيرلو، الذي يعتقد أنه قتل متأثراً بإصابة أثناء إشرافه على معارك محاولات استيلاء المليشيا على مأرب في 2021.
وفي نهاية اغسطس الماضي، جددت التعدي العلني على اليمن من خلال تعيين سفير جديد في صنعاء، وهو بالتأكيد قيادي في الحرس الثوري كما هو شأن معظم العاملين في السفارات الذين يختارهم التشكيل العسكري المهيمن في النظام الإيراني.
اللافت أن هذا السلوك الإيراني كان يحدث بالتزامن مع تطور العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران، وتفاهم الطرفين تحت مظلة "السلام" في الملف اليمني!
أما ما هو غير طبيعي فهي حالة البرود التي تنتاب السلطة "الشرعية"، المعترف بها دولياً، حيال السلوك الإيراني، وكأن ما تفعله طهران أمر عادي ومفروغ منه، ولا يحتاج لأي موقف!
والمخجل أن الحديث عن العدوان الإيراني الرسمي المستمر على اليمن في ذروة هزيمة طهران في المنطقة، يبدو محرماً وربما هناك خطوط حمراء لا تخص اليمن، بل تخص الأوصياء وعلاقتهم المتنامية بنظام الملالي!
هذا الأداء الرسمي يجعل من اليمن مجرد شيء جانبي يمكن إلقاؤه على الهامش، والعودة إليه متى ما دعت حاجة "الأشقاء".
بالنظر إلى هذا السلوك البارد دبلوماسياً وعسكرياً، فإن تطلعات وآمال اليمنيين في جعل القضية اليمنية مدار أي تحركات من قيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دولياً، لاستعادة الدولة في لحظة هزيمة وانكسار إيران، مجرد أحلام يقظة!
-------
نقلاً عن موقع قناة بلقيس