شجرة الغريب
الأربعاء 23 أبريل ,2025 الساعة: 10:59 صباحاً



قف يا زمان، هذا ليس حدثًا عابرًا ولا غيابًا معتادًا ولا أفولًا متوقعًا. لقد عايشت القرون المتتالية، أكثر من 2000، بل ربما أكثر من 4000 عام ويزيد، وهي هنا معلمًا للزمن وعلامة على أن هنا كانت أمم مرت وتعاقبت ولم يبق لها من حس أو أثر. 

وكانت أجيال بعد أجيال عاشت بالمر والحلو والزهو والذل والطاعة والفقر والغنى والمعصية والعدل والظلم والقوة والضعف. كل شيء مسجل في ذاكرة شجرة الغريب. وهي تعرفهم ويعرفونها وتحن اليهم 

لو نجح أحدهم في الوصول لذاكرتها المحتوية لكل السكون والحركة في كل هذه القرون على هذه المنطقة الهامة من الكرة الأرضية، سنرى عجبًا ومعه العجاب. 

كم استظل تحتها من ملوك وأمراء وقادة جيوش وتجار وعلماء ومزارعين وعمال وعصاة ومجرمين وطيبين؟ وكم تسلق عليها من أطفال؟ وكم تدلت أغصانها للغيد؟ وكم سلمت وعانقت القوافل وأناخت حولها، تطرب لحداء العيس وازيز الريح، ويستريح تحت ظلها العابرون وعلية القوم؟ 
ولسان حالها :
رب قوم قد أناخوا حولنا،
يشربون الخمر بالماء الزلال،
عصف الدهر بهم فانقرضوا.
وكذاك الدهر حال بعد حال.
وحدها شجرة الغريب قاومت العواصف والتقلبات، وزاحمت الجبال في الثبات، حتى ظن الناس أنها لن تسقط ولن تهتز. 
رغم انها وحيدة غريبة لا اسرة لها ولاعائلة 
لو كانت هذه الشجرة في بلاد اخر لكان لها اهتمام خاص ولجنة رعاية من باب الإهتمام بالتاريخ والحاضر وتحويلها الى متحف سياحي وثروة قومية 
هذه ليست شجرة عادية، هذه عمر للأزمان. سجلها المؤرخون كعلامة كونية في هذا الجزء من الكوكب في منطقة دبع السمسرة بين مديريتي الشماتين والمعافر محافظة تعز اليمن جنوب الجزيرة العربية عاشت هنا كنجمة الصباح حيث يهتدي بها المسافرون.وتستظل تحتها الافراح والاتراح 
وتعرفها السباع والانعام والانسان 

كنت كلما مررت جانبها سلمت عليها من بعيد، وأرى منها عتابًا غامضًا، كمن يقول لك: لقد حان وقت الرحيل. ادنو مني فلم ينصت احد لي كما ينبغي 
سارحل وكل مخلوق راحل ، ولو طالت سالمتُه، فله يوم ينتهي فيه. فلا بقاء هنا وكل ماعليها فأن . 

ألفان سنة مرت، وكأنها لم تأتِ. لو سألت شجرة الغريب: 
كم عشت في هذه الحياة؟ لقالت: آه، لا أدري؟. 
يبدو سنة، شهرًا، 
لا، لا، يومًا أو بعض يوم.
فالزمن طال أو قصر، هو لحظة زوال، تستوي فيها الأزمان عند الانتهاء في نقطة الصفر. 

كأن شيئًا لم يكن، وكأن شمسًا لم تشرق على هذا الكوكب؟! حزنت لمنظر شجرة الغريب، وأحس أن لي بها علاقة وقربى، فكلنا غرباء والوحشة تسكننا. 

كانت تذكرنا بمقاومة الحياة لعوامل الزوال والتعري. لكن اليوم تترنح امامنا فتذهل جبال الفجيحة وتبكي سمدان وقلع المعافر لتقول بصوت عجوز معمرة بالحكمة والتجربة: يا اولادي، حكمة الله ان يكون الزوال هو الحاكم الآمر في هذه الحياة، والإنسان هو الوحيد الذي يحس بحقائق الأشياء وتهزه الأسرار لكي يعتبر.
لكنه بالغالب لا يعتبر وتغلبه الغفلة والنسيان وقل المعتبرون فيها. هي ميزة الروح والعبرة والاختبار و الاختيار والمعرفة والبحث عن أسرار النفس والأرض والكون وأعمال خاصية التأمل التي تحيل الإنسان إلى مرتبته كمخلوق عاقل وروح يتجاوز طاحونة الزوال والوقوف عند التأمل في الخلق والخالق والموت والحياة والقسوة والرحمة والطغيان والعدل والزوال والبقاء. وتحقيق ميزة التكريم والمعرفة ونفخة الروح،
 بالعموم. لقد رحل بعض من شجرة الغريب وبقي البعض متماسكًا لتعطي فرصة لإستئناف الحياة كما ينبغي والاستفادة من الأخطاء والاستماع للعقل ومغادرة مربع الغفلة والخوف. 

فالغفلة والخوف تحيل الإنسان إلى كومة تراب متحرك بالمكان لاقيمة له لاييدع ،لايعتبر ، ولايترك موقفا واثرا .  

يجب الاهتمام بما تبقى من الشجرة فهي قادرة على التجدد والصمود من أجل الإنسان الذي سخر له الله المخلوقات.
بينما هذا الإنسان يتمادى في الغباء والقسوة واشعال الحروب واشاعة الأحقاد ليسود الخراب ويتعطل العقل ويحرق كل شيء  
فلا يستمع للحكم المبثوثة في النفس والنبات ولايواخي ويحب ويرحم هذه المخلوقات التي تحمل روحا تسبح لله في كل حين



Create Account



Log In Your Account