إتساع رقعة الخطاب الديني وإعادة انتاج نظام ما قبل الثورة
الجمعة 27 أبريل ,2018 الساعة: 11:24 صباحاً

في تعز مدينة الثورة والثقافة لم تؤدي الحرب الى سقوط الدولة فحسب، بل أدت الى بروز خطاب يستهدف ثورة فبراير ويحرض على مخرجات الحوار الوطني وعلى الفكر المتسامح والمعتدل أكثر مما يستهدف قوى الانقلاب ومشروعها الانقلابي الذي أصبح واقعياً مشروعاً ممانعاً يعيق بناء الدولة الوطنية في اليمن .

هذا الخطاب السمج المعادي لثورة فبراير والمحرض على مخرجات الحوار الوطني تتعدد مخاطره في تعز الثورة، فهو من جه أولى خطاب مجاهر ينمو وتتسع رقعته في ظل غياب الدولة بالمفهوم الذي يعني حضور أصولها الثابته في ذهنية المجتمع، وهو من جهة ثانية لا يقدم نفسه كخطاب سياسي يجادل الثورة والمخرجات بماهو سياسي، بل يقدم نفسه خطاب ديني مذهبي يجادل الثورة ومخرجاتها بالجملة الدينية في موضوع هو في الأساس سياسي واجتماعي بحت .

في هذه المدينة التي دائما ما تحمل رمزية ثورية وثقافية مدنية، تحولت منابر الخطابه في جامع النور وجامع السعيد، وبما يحمله الجامع من رمزيه دينية، الى منابر لهذا الخطاب المعادي لثورة فبراير والمحرض على مخرجاتها السياسية وهو ما يعني في الأساس استهداف الفكرة الثورية كمنهج تغيير وتكفير المشروع الثوري.

ليست المشكلة في الخطاب الديني حين يقدم نفسه للآخر بكونه صاحب رأي في السياسة الدنيوية على اعتبار أن السياسية والدولة حاجة إنسانية وليست حاجه دينية بل تكمن المشكلة في تحويل هذا الخطاب الى فتوى دينية يتم توظيفها في معترك السياسية ضد الآخر بشكل عام وضد الثورة ومخرجاتها في تعز بشكل خاص وبالمعنى الذي يحول ذلك الى سيولة فكرية سمجة تغذي الأتباع والسامعين والعوام وهو ما يعني خلق معادلة صراع وهمية من العدم يكون الدين فيها أنا ضد الآخر الغير متدين والغير موجود في الواقع، فالجميع مسلمون بالفطرة ومشكلتهم مع الآلهة المزيفين في هذه الارض وليس مع الإله المقدس في السماء .

قد لا يقصد هؤلاء الخطباء تقديم مادة للاستثمار السياسي فهم بلا شك يؤمنون بما يقولون ويعتبرون مجاهرتهم بهذا الخطاب المعادي لثورة فبراير والمحرض على مخرجاتها جهاد في سبيل الله، فمعضلتهم في الأساس تقوم على إشكالية منهجية في التفكير، وهو التفكير الذي دائماً ما يقوم على عدم إدراك الخيط الدقيق الذي يفصل بين ما هو سياسي دنيوي وبين ما هو ديني عقدي تعبدي في حياة الجماعة، إلا أن الحديث عن حسن النية عند هؤلاء الخُطباء لا يعني قط عدم وجود المخاطر الكارثية من إطلاق العنان لخطابهم هذا في مدينة تعز .

على سبيل المثال وليس الحصر عندما يقول أحد هؤلاء الخطباء " إن من يتحدث في المنبر عن مخرجات الحوار الوطني أو يدعو اليها فقد خان منبر رسول الله " 
وهو ما يعني تحويل المناضل السياسي وصاحب الرأي والقضية في تعز الى مجرم ومحارب لدين الله وخائن لرسوله، الأمر الذي لا يجعل من هذا المتحدث كافراً فحسب، بل شخص يجوز قتله في سبيل الله، هكذا يتحول الخطاب المنبري في بعض مساجد تعز من توصيف حالة ومشكلة سياسية إجتماعية الى فتوى دينية والى دعوى وتحريض للقتل حتى وإن لم يقصد صاحب الخطاب ذلك، واذا لم يوجد من يقتل بدوافع "الجهاد" في سبيل الله فسوف يوجد من يقتل بدوافع سياسية وسوف يجعل من هذا الخطاب الديني السمج مبرراً لراحة الضمير أثناء ممارسة الجريمة السياسية، وهنا تكمن خطورة توظيف مثل هذا الخطاب الديني، ففي كل الأحوال لا مانع من إزهاق الأرواح أو استخدام الدم في خلط بعض الأوراق السياسية أو تصفية رموز الفكر المعتدل والمستنير طالما والقتيل في كل الأحوال علماني مباح الدم .

كما أن مواجهة الثورة ومخرجاتها بهكذا خطاب ديني معادي ومحرض، لايعني إدانة الثورة كمنهج في تغيير الواقع فقط، ولن يؤدي الي حكم الاسلام الذي يتمترس خلفه هذا الخطاب، بل ما سوف يصنعه في الواقع هو رد الإعتبار الى نظام ما قبل الثورة، هذا من جهة ومن جهة أخرى سوف يعمل على تبرئة ساحة الإنقلابين من أي جرم في حق الشعب، فإذا كانت ثورة فبراير جريمة فالأولى أن تكون جريمة في حق الحاكم والنظام الذي قامت عليه الثورة، واذا كانت مخرجات الحوار كفرا فإن الانقلاب عليها شيء مشروع وواجب على الجميع في المجتمع المسلم.

ما يجري في تعز الثورة شيء من هذا القبيل الذي يحاول رد الإعتبار لنظام ما قبل الثورة بغض النظر عن نسبة الإستفادة من هكذا خطاب ديني معادي لثورة فبراير ويتم توظيفه في معترك الصراع السياسي، والمشكلة أن رد الإعتبار لا تتوقف هنا عند إستعادة دور المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم قبل ثورة فبراير، فحزب المؤتمر من حقه أن يكون أحد الأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية وهو موجود من قمة السلطة الشرعية الى أدناها، بل المُشكل والخطر الحقيقي يكمن في استعادة النموذج العفاشي في تعز الثورة والثقافة، وهو ما يتم التركيز عليه الآن ويحضى بدعم من دول التحالف العربي 
2018/ 4/26


Create Account



Log In Your Account