"بيتُ الموتِ"! ... العجَائزُ ومسامرةُ الموتى.
الأربعاء 12 أكتوبر ,2022 الساعة: 05:47 مساءً


إن كنتَ تجهلُ مكانَك على كوكب الأرض، واستوقفتك عجوز لتقولَ لك: ( أين بيتُ الموتِ؟).. فاعلم أنّك "هُنا/كَ" في اليمن.

 

منذُ صغرِنا، والبيت هو مدرستنا الأولى؛ تعلمنا فيه ألّا نقول عن (الميت) ميٍّتٌ بل نقول: (المرحوم ).

 

عجائز الحي- وحدهنّ -كُنَّ ينهينَنَا بصرامة عن أن نقول للمُتَوَفَّى :(ميّتٌ)... لمّا دخلنا المدارس، والجامعات تثقفنا، وقلنا: الفقيد، أو المُتَوَفَّى، أو الشهيد، و لغة الإعلام أتت بمصطلح مركّب: (قضى نحبه)، وللمبالغة (ارتقى للسماء) تمجيدا.

عجائز "الموت" هن أنفسهن عجائز "الأفراح" مع زيادة عددية واضحة لعجائز الموت، فهن يقمن بالواجب ليس إسقاطًا له فحسب، بل مؤازرة "لبيت الموت"، وأحيانًا كثيرة دعمًا لوجستيًا!

 

   على عكس "الشيبان " لا يليق أبدًا أن نرى "عجوزًا" سالية لاهية!.. من شاهد منكم عجوزًا ساليةً، و صاحبةَ نكتةٍ ؟ في موت أو غير موت... يُراجعنا.

 ربما لقربهن البيولوجي، و الفكري من الموت، فلا مكان في قلوبهن للمتعة، والبهجة؛ ربما كان حزن العجائز المرافق لشعائر الموت هو حزنهن السابق لموتهن اللاحق، و هن يدركنَ بالموت موتَهُنَّ المؤجَّلَ القريبَ.

 

 

لكن العجائز "الصالحات في اليمن سنجد فيهن من تتخصص في مسامرة الموتى، و نقل الأخبار لهم بما يُعرَف شعبيًا ب(التسفيل)* وهي ظاهرة فريدة، ومتميزة تستدعي الوقوف، والحفر في الرواسب الثقافية المبكرة للإنسان اليمني القديم .

يُحسن الروائي وليد دماج توظيف (التسفيل) ورصده، فيقول في رواية (هم):

"جدتي لأمي كانت " تَتَسَفََل، و تستطلع أخبار أهل القبور ؛ تأتيها نساء القرية،و القرى المجاورة لتطلعهن على أخبار أقاربهن الموتى، ولقد كانت تفعل ذلك عن طيب خاطر" ص40*

 

 

يمكن أن يعود بنا (التسفيل ) و ليس بأحلام  بل رؤى عن وعي إلى الأطوار الأولى لنشؤ الإنسان في جنوب الجزيرة العربية، ومرحلة المجتمع (الأمومي) والدور المفصلي للمرأة اليمنية القديمة حيث الكهانة،و القيادة، والسيطرة ؛ سواء كانت بشعر مكشوف أو مغطى، كما تكشفه النقوش، و التماثيل، و فوجئنا بأنها تتزوج أكثر من رجل، و تبني لهم بيوتًا من الطين، و الحجر، وستظهر (رشيت) كاهنة(أوام) امتدادًا لعجائز اليوم الصالحات مع بنات الآلهة (المدجنات) اللواتي يسكبن القرابين ( عسلا ولبنا وخمرًا) لسيدهم (إل مقه) يطلبن المطر !

 

 هذه الأيام  لم أعد أشاهد عجائز الموت كثيرًا على الرغم من أن اليمن بجنوبه، و شرقه، و شماله، و غربه صار ( بيت الموت) الكبيييير.

 

*التسفيل هي عادة كانت عند بعض قبائل الجنوب؛ ينام أحدهم في (سفل= غرفة مظلمة مغلقة تماما) فيزوره الموتى ويوصونه إلى أهليهم!!!!

 


Create Account



Log In Your Account