هوية الجمهورية المفككة
الثلاثاء 09 يناير ,2024 الساعة: 12:13 صباحاً

من نافلة القول الإشارة إلى أنه لعقدين اثنين على الاقل كانت القوى السياسية اليمنية حائرة ومرتبكة في تقديم برنامج سياسي قابل للحياة وشامل يعالج تعثر بناء الدولة في اليمن.

في العقد الاول من الألفية الثالثة طرحت قوى المعارضة محاولة جريئة قضمتها النكايات والصراعات الاجتماعية. 

لم تكن تلك الحالة سوى انعكاس لطبيعة السلطة القائمة وهي الأخرى عاجزة عن ابتكار نمط حديث في الادارة والحكومة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل اليمني.

لكن الوجه الاخر لهذه الحيرة هو اعادة تعريف الهوية اليمنية. 
كانت القفزة الاولى في المحاولة قد وقعت في ستينات القرن الماضي عقب دحر نظام الامامة ونيل الاستقلال السياسي من الاستعمار البريطاني.

تنم الخطوات الاولى للتأسيس الهوياتي كما تعكسه اسماء الننشأت والطوابع البريدية والعملات النقدية  عن وعي هوياتي مائز لدي الاباء المؤسسين. 
طرحت تلك اللحظة سؤال الهوية فحضرت بواعث الأنتماء اليمني واستحضر الماضي كملهم وكنز زاخر يمكن الاستعانة به للذهاب نحو المستقبل. 

للأسف تباينت التصورات الايدلوجية للهوية اليمنية بين اعتساف ايديولوجي رغم وضوح البرنامج الاجتماعي في دولة الجنوب والتذبذب المميت بين التحديث من ناحية والتقليد والمحافظة الدينية من ناحية اخرى في الشمال. 

في كل الاحوال كانت حالة استيراد فجة للأفكار والأيدولوجيات. وهذا بحد ذاته ليس عيبا. لاني اعتقد ان معالجة الواقع تستدعي الاستعانة بادوات تسمح بتجاوزه. الجمهورية بكل فضائلها صيغة مستوردة وهي اجمل وانبل الفتوحات الفكرية في اليمن المعاصر. 
العيب هو القعود عن التطوير مقابل التطبيق الميكانيكي للأفكار الواردة وكبح اي تلاقح بين القديم والجديد. وايضا عدم استغلال الموروث الغني بمفردات وتجارب ملهمة كتجرية التعاونيات التي بدأت في نهاية خمسينيات وبداية ستينات القرن المنصرم. 

ربما كانت الخطوة المهمة لاعادة رسم ملامح الهوية اليمنية تكمن في لحظة اعادة توحيد البلاد. 
أجازف بالقول انه هذه الخطوة لم تتم بشكل مؤثر وجاد وعميق ومدروس انما اتكأت على الخطوط الأساسية لمحددات الهوية اليمنية كما رسمها السياسيون واقصد العروبة والإسلام. انشغل السياسيون بحروب صغيرة قوّضت اسس الدولة وميعت الهوية اليمنية لانها بعد عام 1994 كرست احادية مركزية مهيمنة على حساب التنوع والثراء. 
تعمم خلالها نموذج الشطر الشمالي مع فارق اساسي هو استفحال التشدد الديني وذوبان مقومات الدولة والتراكم البيروقراطي. 

اقتنصت القوى الدينية هذه اللحظة الرخوة وجذرت تعبيراتها الراديكالية والمحافظة للهوية وفانزلق المجتمع نحو استلاب هوياتي كبير. وأطفأت سراج التعدد والخصوصيات. 

مهدت تلك المراحل لازمة هوية اشتدّت باستفحال سؤال الهوية اقليميا وعالمياً في مناخ العولمة المكتسح.
عندها كانت التيارات المتطرفة تقترح اجابة صلبة ومتصلبة (القاعدة او الحوثية). 

منذ 2011 اشترخت المركزية ونمت تعابير محلية هوياتية، ظهرت لهجات وازياء وأنماط معمارية كثيرة على الفضاء العام وعبر أعمال فنية ودرامية لكن البلاد كانت تنزلق نحو التشرذم واعلاء الجهوية على حساب المشترك العام.

معظم القوى الظاهرة في المشهد الان تريد استعمال المشترك العام لتأسيس الخصوصية الجهوية وترغب في الافتكاك من الدولة اليمنية لإقامة الدولة الجهوية. 
مقابل ذلك يبرز الحوثي الذي ينطلق ويشدد على خصوصيته المذهبية لإقامة فضاء كلي يمني على مقاسه ويعيد احتكار تعبيرات الهوية الوطنية باحتكار العروبة والاسلام. 
يضغط الحوثي - باعتباره نزعة اديدلوجية بآليات مستوردة ايضا -على  العروبة والأسلام ويحل محلهما اقانيم ورموز طائفية. 
استبدل خطوط الكتابة الشائعة بخطوط فارسية، فرض اللون الاخضر الطائفي على بقية الوان علم الجمهورية اليمنية. 
يصادر الحوثي المشترك العامة ويعيد صياغته ليفرض هيمنته بادعاءات وإسلامية وعروبية. 

يكفي ان نلاحظ الخطوط العربية التي عممها والزخارف التي يبرزها في لوحاته وقنواته. 

بالمقابل يستسلم الآخرون لهذه المصادرة. 
انطلقت موخرًا قناة تلفزيونية محلية. اتخذت لها شعارا مفكك الحروف لا يمت للخطوط العربية الشائعة باي صلة بل مستوحى من الكتابة اللاتينية.
ثم ها هي تبشر ببرامج تلفزيونية اخترعت لها عناوين غربية بحروف عربية. مثلا برنامج عنوانه تريند ويك.

هل يكون تشييد هوية بصرية وهوية وجدانية باختيارات كهذه!


Create Account



Log In Your Account