قصة  الإرادة اليمنية في صورة‬⁩
الجمعة 10 يناير ,2025 الساعة: 02:39 مساءً

في هذه اللوحة البديعة يتجلّى تاريخ الإنسان اليمني، ذلك الإنسان الذي حمل على كتفيه إرث الصخر والجبل منذ فجر الحضارات، وخطّ بعرق جبينه فوق تضاريس الأرض سيرته العابقة بالصبر والصمود. إنها حكاية شعب أدرك بفطرته أن الطبيعة ليست خصمًا يُهزم، بل شريكًا يُطوَّع بإرادة لا تعرف الخنوع، لتغدو الصخور الصلدة شاهدًا على عزيمةٍ لا تلين.

الجزء الأول من المشهد يصوّر لحظة النضال، حين اختار اليمنيون مواجهة التضاريس القاسية بشجاعة واستبسال، لا سعياً وراء النجاة فحسب، بل بحثًا عن حياة أرحب وأفق أسمى. أما الجزء الثاني، فيروي قصة الانتصار، حيث استطاعوا شقّ الطرق الوعرة بأدوات بسيطة وإرادة فولاذية، محولين المستحيل إلى ممكن، والممكن إلى واقع متجذر في ذاكرتهم الجمعية.

هنا تتجسد الفلسفة الإنسانية في أبهى معانيها: كيف يحوّل الإنسان قسوة الظروف إلى منطلقٍ للإبداع، وكيف يجعل من معاناته سلمًا للبناء. فالطرق المحفورة في أعماق الجبال ليست مجرد ممرات عابرة، بل هي أسطر خالدة كُتبت بحروف الصبر والعمل، تشهد على عظمة إنسان أضاء دروب الحضارة وسط ظلمات الصعاب.

هذه الصورة ليست فقط شهادة على معاناة اليمنيين، بل هي مرآة لإرثٍ حضاري صنعه أجدادهم بعرق الكدح ووهج الحلم. هنا يصبح الجبل رمزًا، ليس كعائق، بل كشريك في ملحمة البناء. إنها رسالة خالدة للإنسانية: أن القمم لا تُعتلى إلا بإرادة فولاذية، وأن الحضارات العظيمة تُصاغ بين حنايا التضاريس العصيّة، لا في السهول الرتيبة.

إنها قصة اليمني الذي صعد الجبل لا هروبًا من الألم، بل لينحت في صمته درسًا للوجود: أن من يحمل في قلبه إرثًا حضاريًا ضاربًا في عمق الزمن، لا يعرف المستحيل.

حين اجتمعت إرادة اليمني الصلبة مع قيادة تعادلها عزمًا وحكمة، تحوّل الجبل إلى سهل، وصارت الحضارة عنوانًا لليمن الذي خضع له العالم إجلالًا واحترامًا. بقيت آثارها شاهدة، مادية كانت أم رمزية، في القانون والفن والوجدان الإنساني. إنها إرث يرافق الإنسان اليمني أينما حلّ وارتحل، في سمعته التي تظل نبراسًا مشعًا وقيمة لا تضاهى.

غير أن هذه الإرادة التي وحدت الساحل بالصحراء والجبل، والتي جعلت من اليمن مركزًا للعالم، عصفت بها لاحقًا نزعات الأنانية وأطماع الخارج. إرادة ممزقة بلا قيادة حقيقية، تترك اليمني يحنّ إلى الماضي، إلى زمن الرجال الذين صنعوا له قيمة ومكانة.

اليوم، تعاني الإرادة السياسية من عقوق مؤلم تجاه الإنسان اليمني، ذلك الذي يعكس في جوهره نقاء المعدن وعلو الكعب واحترام القيم والقانون. في المقابل، تقف قيادات عابثة، تفتقر إلى روح المسؤولية، تمارس السياسة بمنطق العصابة أو المرتزقة، فتنهب الخيرات، وتتاجر بالموقع، وتعبث بمستقبل وطن أعادوه إلى عصور ما قبل التاريخ.

أمام هذا المشهد، تقف الإرادة اليمنية في اختبار قاسٍ، تواجه حكومة غارقة في وحل الفساد والمحسوبية، مشبعة بثقافة الإثراء غير المشروع. ورغم ذلك، يظل الإنسان اليمني رمزًا للإبداع في أقسى الظروف، متمسكًا بحلمه وماضيه، رافعًا رسالة للعالم: أن الإرادة الصلبة والأمل المتجدد قادران على تحويل العقبات إلى إنجازات عظيمة تُخلدها الأجيال. ‏


Create Account



Log In Your Account