الجمعة 25 أبريل ,2025 الساعة: 06:03 مساءً
كشفت دراسة ميدانية موسعة أجرتها منظمات يمنية بالشراكة مع جهات دولية أن غالبية المواطنين في اليمن يؤيدون تبني مسار شامل للعدالة الانتقالية كأحد الشروط الأساسية لتحقيق سلام دائم ومصالحة حقيقية، بعد سنوات من الحرب والانتهاكات الجسيمة التي طالت المدنيين.
الدراسة التي جاءت بعنوان "الطريق نحو السلام"، أصدرتها منظمة سام للحقوق والحريات ورابطة أمهات المختطفين، ضمن مشروع SPARK، بدعم من معهد دي تي، ركزت على استكشاف رؤية المجتمع اليمني حول مفاهيم العدالة الانتقالية، آلياتها، وتحديات تنفيذها.
وأظهرت الدراسة أن 79% من الضحايا الذين شملهم الاستطلاع أكدوا تعرضهم أو أحد أفراد أسرهم لانتهاك مباشر، تراوح بين الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، وقصف الأحياء السكنية، إضافة إلى انتهاكات أخرى مثل العنف الجنسي، الإقصاء السياسي، وتجنيد الأطفال. وتعد النساء والفئات الضعيفة – كالأقليات والنازحين – من الأكثر تضرراً.
منهجية الدراسة اعتمدت على 122 مقابلة فردية، منها 109 مع مواطنين و13 مع خبراء، إضافة إلى 20 جلسة بؤرية شملت 203 مشاركين من ست محافظات: صنعاء، عدن، تعز، الحديدة، مأرب، وحضرموت. جُمعت البيانات عبر أدوات رقمية، وتم تحليلها باستخدام SPSS وMaxqda.
ورأى المشاركون أن أهم أولويات مسار العدالة الانتقالية تتمثل في تعويض الضحايا (82%)، تفعيل إصلاحات مؤسسية (79%)، دعم التعايش والمصالحة (75%)، كشف الحقيقة (75%)، المحاسبة والمساءلة (70%)، وزيادة الرقابة الدولية (70%).
رغم ذلك، أظهرت النتائج أن 28.3% من المشاركين يرون أن غياب هيئة وطنية نزيهة يمثل أكبر عائق أمام تنفيذ تعويضات عادلة، فيما عزا 21.4% التحديات إلى الفساد والمحسوبية، و19.5% إلى نقص الموارد، و11.3% إلى ضعف الوعي الرسمي، بينما عبر 8.2% عن عدم اقتناعهم بالتعويض كحل عادل لانتهاكات بالغة مثل القتل والاغتصاب، واعتبر 5.7% أن استمرار وجود الجناة في مواقع السلطة يمثل عقبة حقيقية.
أما على مستوى الحلول المقترحة، فرأى 39.4% من المشاركين أن إنهاء الصراع وتفكيك الميليشيات وإقامة دولة موحدة هو المدخل الأساسي للعدالة، فيما دعا 21.1% إلى حشد الدعم الدولي وتوفير الموارد، و18.3% إلى حملات توعية مجتمعية، و9.9% لإنشاء صندوق تعويضات، و7% لتكاتف الجهود الشعبية والرسمية. وأكد 4.2% أهمية إشراك الضحايا أنفسهم في إدارة العملية.
وأوضحت الدراسة وجود انقسام في الرؤى بين أولوية المصالحة (64.3%) مقابل أولوية المحاسبة أولاً (35.7%)، ما يعكس الحاجة لنموذج مرن يوازن بين الطرفين.
كما أبدى غالبية المشاركين تأييدًا واسعًا لإشراك النساء، النازحين، والأقليات في اللجان المختصة، وتوفير الدعم القانوني لتمكينهم من لعب أدوار فاعلة في مسار العدالة.
في السياق ذاته، عبّر المشاركون عن وجود عقبات جدية تعترض سعي الضحايا نحو العدالة، أبرزها الخوف من الجناة والانتقام (91%)، غياب الضمانات القانونية (76%)، ضعف الوعي القانوني (63%)، وقلة الموارد (59%). وأشارت النساء على وجه الخصوص إلى العادات المجتمعية كحاجز كبير يمنع الإفصاح عن الانتهاكات.
وحول دور الفاعلين، أكد 13 خبيرًا أن دور الأحزاب يجب أن يتركز على صياغة التشريعات ودفع المصالحة، رغم تشكيك بعض المشاركين في جدية هذه الأحزاب. كما تم التأكيد على أهمية المجتمع المدني، مع دعوات لتعزيز قدراته في التوثيق والمناصرة وتوفير التمويل اللازم.
أبرزت الدراسة أيضًا انقسامًا في الآراء حول إشراك جماعة الحوثي، فبينما وصفها مشاركون بأنها عائق رئيسي لرفضها المساءلة، رأى آخرون أن استبعاد أي طرف رئيسي سيقود إلى اتفاقات غير شاملة. كما أيد 70% من المشاركين إشراك المشايخ في مسار العدالة، لما لهم من تأثير واحترام اجتماعي، بينما عارض 30% لدورهم السلبي في بعض الصراعات وتعزيز المناطقية.
رغم هذه التحديات، رأت الدراسة فرصًا واعدة، منها إمكانية البناء على مخرجات الحوار الوطني، وتفعيل التجارب المحلية في المصالحة، واستمرار الدعم الدولي كأداة ضغط لإشراك جميع الأطراف.
وحذّرت من أن تجاهل العدالة الانتقالية يعني تكريس الإفلات من العقاب وتهديد أي إمكانية للسلام.
وقد أوصت الدراسة بضرورة إدماج مبادئ العدالة الانتقالية في أي اتفاق سياسي مستقبلي، وإنشاء محكمة وطنية مختصة بجرائم الحرب، ودعم الضحايا نفسيًا وماديًا، إضافة إلى تمكين المجتمع المدني من لعب دور محوري في قيادة المسار، وتعزيز الشراكات الدولية لتوفير الخبرات والتمويل اللازمين.