السبت 20 مارس ,2021 الساعة: 11:06 مساءً

معاذ منصر
لا يعول المهمشون في اليمن على تغيير ظروفهم السيئة المستمرة منذ عقود طويلة، لكن الناشطة الحقوقية “مسك المقرمي” أثبتت أن التغيير ممكنًا وأن تحسين أوضاع المهمشين والقضاء على العنصرية ليس أمرًا مستحيلًا.
تمتلك الناشطة الحقوقية مسك المقرمي وعيًا وإرادة مكناها من وضع قدميها على عتبة طريق الانتصار لأبناء جلدتها من طبقة المهمشين “السود” في اليمن وتحديدًا في مدينة تعز، المدينة التي باتت اليوم تعرف مسك جيدًا كرائدة في مجال العمل الإنساني والإغاثي وصاحبة دور لافت.
عندما قدمت مسك إلى مدينة تعز لاستكمال دراستها الجامعية، لم تكن تتوقع بأنها ستصطدم بواقع المهمشين الذي يعيشونه في المدينة، خلافًا على مهمشي الريف (الشمايتين) في منطقة التربة حيث ولدت وتربت.
تقول لـ البوابة اليمنية للصحافة الإنسانية – أنسم: “وجدت أن المهمشين في المدينة يأكلون الفتات من المطاعم والبعض يأكل من براميل النفايات ويعملون في تنظيف الشوارع وأبنائهم محرومين من التعليم ويمارس بحقهم عنصرية مؤلمة”.
قررت مسك أن تكمل مشوارها التعليمي، لتبدأ مشوارها في العمل الإنساني مع هذه الطبقة، وأن تغادر منزلها في الشمايتين لتسكن بالقرب منهم في حي الضبوعة التي يقطنه مهمشون كثر وسط مدينة تعز.
تخرجت الشابة الثلاثينية المؤمنة بحقوق الإنسان في قسم اللغة العربية بجامعة تعز 2008، “التفرقة العنصرية لا تنبع من البشرة بل من العقل والنفور من الآخر، وسائر مظاهر عدم المساواة، ولهذا فإن التعليم يخلق الوعي الذي ينبغي له أن يعالج الأوهام العقلية التي عملت على إفراز مفاهيم زائفة على مر السنين”.
ظلت محاربة التمييز العنصري الذي يمارس بحق المهمشين السود هاجس مسك الذي تنتمي لنفس الطبقة، “أسستُ جمعية كفاية في 2014 لأتمكن من تبني قضاياهم والدفاع عنهم وعن حقوقهم، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم”قالت.
تضيف مسك لـ أنسم: “بعد تأسيس كفاية تمكنت من البدء بتنفيذ أهدافي المتمثلة برفع مستوى وعي المرأة المهمشة بحقوقها والقرارات الأممية وإيجاد هيئة دفاع لمناصرة قضاياها وقضايا المهمشين بشكل عام”.
وتضيف: “سعيت إلى تمكين المرأة المهمشة اقتصاديًا، من خلال تدريبها على صناعة البخور والعطور والتطريز والخياطة بدعم من منظمة كير العالمية، كما توسع هذا العمل ليشمل النساء غير المهمشات.. واليوم أصبحن يبعن منتجاتها في اسواق تعز وامتدت لتشمل اسواق في محافظات يمنية أخرى”.

مساعدات إنسانية
النشاط الحقوقي الذي بدأته مسك منذ 2010 صار يكبر مع الأيام وزاد بعد الحرب -التي بدأت أواخر 2014 والحصار الذي طال مدينة تعز من قبل جماعة الحوثي- فنزح الكثير من المدنيين، لتقوم بتقديم المعونات الإنسانية للمتضررين من الحرب التي وضعت الجميع في واقع مر وصعب، “ظللت إلى جوار الناس وليس المهمشين فقط، قدمت كل أنواع الدعم من غذاء وماء وعلاج وملابس للأيتام والفقراء ملابس شتوية وعيدية بدعم من مؤسسة الغذاء من أجل الانسانية”.
تقول مسك لـ أنسم: “من خلال هذا العمل تمكنت من دمج مجتمعي للمهمشين، فكان الجميع يشربون من خزانات المياه التي وزعتها في الحي”.
أثناء زيارتنا لمسك لإجراء هذا الحوار لم نتمكن من الوصول إليها للتداخل بين منافذ الحي الذي تسكنه، لكن أسمها قادنا إلى حيث المكان، فقد باتت مسك حديث الجميع في تعز، كما أصبحت عاقل حارة الضبوعة بتوافق الجميع.. كانت العديد من النسوة ينتظرن انتهاء مهمتي، “أنهن ينتظرنني لأوزع عليهن السلال الغذائية عليهن واسطوانات الغاز المنزلي.. لقد أصبحت عاقل هذه الحارة بتوافق كل الناس، مهمشين وغير المهمشين” قالت.
دمج
تشير إحصاءات قديمة إلى أن هناك أكثر من 3 مليون مهمش في اليمن يعيشون في أماكن مفتوحة تسمى “محاوي” وأغلبها بيوت صفيح ومخيمات، وأحياء تفتقر للنظافة والصرف الصحي.. وبحسب المقرمي، فإنها انشأت مركز “الوعي والتنمية” ونفذت حملات توعية ونظافة لكل المناطق والمخيمات التي يسكنها المهمشين في تعز، “ينفذ المركز مشاريع تستهدف عملية دمج المهمشين في المجتمع وتوعيتهم وحثهم على التعلم والانخراط في ميادين العمل الواسعة، ونعمل على إعادة الأطفال إلى المدارس والشباب إلى الجامعات”.
لأنها تؤمن بأهمية التعليم بين فئة المهمشين، فقد ساعدت في إدخال العشرات من المهمشين من الجنسين إلى الجامعات لدراسة الطب والهندسة والصيدلة والمختبرات والتخصصات الأخرى، “لقد سعيت أيضًا إلى إعفائهم من الرسوم الدراسية من قبل رئيس جامعة تعز”.
وتوضح مسك لـ أنسم أن آخر مشروع نفذته هو “المشاركة المدنية” وعملت من خلاله على رفع مستوى الوعي بين الشباب المهمشين، “اخترت أن يكون الشباب الناشطين بنسبة 50% من المهمشين و 50% من غير المهمشين، ومن خلال نزولهم الميداني إلى مناطق المهمشين ومساكنهم المستهدفة مع بعض أكون ضمنت أولويات الدمج المجتمعي بينهم”.
ضد العنصرية
تتحرك المناضلة الحقوقية، الآتية من فئة مهمشة -غالبًا مايطلق عليهم المجتمع “أخدام” كلفظ ازدرائي عنصري- في أعمالها وأدوارها الملفتة، تحت مبدأ أن الجنس البشري واحد والشعب واحد ويسكن كوكبًا واحدًا، وأن الأسرة البشرية مرتبطة بمصير مشترك واحد، وهي تتنقل بين أرجاء الاماكن تخاطب الناس، “هاتوا لي دليل من القرآن يقول يا أيها المهمشين أو يا أيها الأخدام”.
وكفتاة مهمشة، عانت مسك كثيرًا من المضايقات المجتمعية، وتحديدًا أثناء مشوارها التعليمي وتنقلها بين المدرسة والجامعة، حيث عوملت بعنصرية وبنظرة قاسية، ولكن “تعليمي وانتمائي إلى أسرة متعلمة ومستقرة مكنني من عدم التسول والسكن تحت مخيمات الصفيح، وشجعني أن أخوض مشواري لأصل إلى ما أنا عليه.. فأنا عشت نصف التهميش وليس التهميش كله” قالت لـ أنسم.
إلى جانب إدارة جمعيتها “كفاية” ومركز الوعي والتنمية، مسك اليوم نائب رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين ونائبة رئيس رابطة نساء من أجل السلام، ورئيسة القطاع النسوي في مؤسسة “ويطعمون”.
الشيخة يخمسك
توسعت أدوار المرأة القادمة من الفئة المهمشة، من العمل الإنساني إلى أدوار حل النزاعات بين الناس، سواء التي تحدث بين المهمشين أو تلك التي تحدث بين أبناء المجتمع عمومًا من غير المهمشين.. نالت مسك المقرمي احترام وتقدير الجميع وباتوا يدعونها بـ “الشيخة” وحسمت الكثير من القضايا ولا تزال، حتى لحظة لقاءنا بها لكتابة هذه القصة وهي تتلقى الاتصالات الهاتفية من قبل أطراف نزاع كثر، يطلبون لقاءها لغرض تحكيمها في قضية ما.
تمتلك مسك خبرة واسعة في حل النزاعات، اكسبتها من خلال اطلاعها للتحكيمات التي كانت تحصل أمامها في مدينة التربة، “التحقت بأكثر من 30 دورة في شتى المجالات بينها دورات في حل الخلافات المجتمعية وإيجاد الحلول ودورات في حل النزاعات من مركز الاغاثة الاسلامية” قالت باعتزاز.

ينشر بالإتفاق مع بوابة الصحافة الإنسانية " أنسم "
https://www.ansom.net/8787/