أضف إلى معلوماتك..السلطان الملك المظفر
الثلاثاء 20 سبتمبر ,2022 الساعة: 03:16 مساءً


هو شمس الدين يوسف بن عمر بن علي رسول الملقب بالسلطان المظفر. ولد بمكة المكرمة حينما كان أبوه الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول والياً للأيوبيين عليها سنة 619هـ، وقيل سنة 620هـ( ).
وهو ثاني ملوك الدولة الرسولية، وأعظم ملوكهم ملكاً وسياسة ودهاءً وحكمة واتساعاً وهيبة وطاعة واستقراراً وعلماً وعدلاً وتقوى وشجاعة وحكماً وبراً بأهله وتسجيلاً للعلماء وأكثر الملوك الرسوليين نشراً للعلم؛ فبنى المدارس والجوامع والخنقاوات (نزل المسافرين في الطرقات المنقطعة)، وكان عالماً نحوياً ولغوياً وطبيباً وفقيهاً وعالماً بالمنطق والحساب (الفلك) ومحدثاً (عالم حديث). 
بل هو أعظم ملوك اليمن على الإطلاق؛ فقد كان له الفضل في بعث الحضارة اليمنية من الصفر، وكان صاحب مشروع ورؤية استراتيجية لليمن والجزيرة العربية كلها، تقوم هذه الرؤية على النهضة العلمية والاقتصادية؛ فهو إن ذكر العلماء عد من العلماء، وإن ذكر الفقهاء عد من الفقهاء، وإن ذكر الطب عد من الأطباء، وإن ذكرت الفلسفة والمنطق عد فيلسوفاً، وإن ذكر علم الحساب والفلك كان من علماء الفلك والحساب، وإن ذكر الاقتصاد والزراعة والصناعة فله باع في تأليف الكتب في الفلاحة والزراعة، وإن ذكر الأدب واللغة والتفسير والحديث كان هو على رأسهم، وإن ذكرت السياسة والكياسة كان هو على رأسها وفي مقدمتها، وإن ذكرت الحروب والفروسية والفرسان كان هو في مقدمة الفرسان الشجعان الذي لا يهاب أكبر الصناديد، وقد واجه عمه (أبا زوجه دار الأسد) وابن عمه أسد الدين الذي كان يعد فارس وصنديد الدولة الأيوبية والرسولية وفارس اليمن على الإطلاق، وكان يفر منه أسد الدين فرار الجبناء لقوة وصلابة وعزيمة الملك المظفر.
ورد في العقود اللؤلؤية لابن الخزرجي يقول: "كانت دولة الخليفة (يقصد الملك المظفر) -رحمه الله تعالى- أقرب إلى العدل والرأفة، وكان يجالس العلماء الصالحين( )، وكان -رحمه الله- مشتغلاً بالعلم؛ أخذ من كل فن بنصيب؛ قرأ الفقه عن الحضرمي، والحديث عن الطبري، وقرأ النحو واللغة عن ابن يحيى بن إبراهيم العك، وقرأ المنطق عن ابن السرددي، وجمع أربعين حديثاً من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ عشرين في الترغيب وعشرين في الترهيب، وحدثني الفقيه جمال الدين محمد بن عبدالله الريمي وسمعته غير مرة يقول: "طالعت أمهات كتب الحديث من كتب مولانا الخليفة المرحوم فوجدتها كلها مضبوطة بخط يده حتى أن من رآها يقول لم يكن له شغل طول عمره مع كثرة انشغاله بالعلم في فنون شتى واشتغاله بأمور المملكة". 
وقال معلمه الفقيه الحضرمي: "كان مولانا الملك المظفر يكتب كل يوم آية من كتاب الله تعالى وتفسيرها فيحفظها ويحفظ تفسيرها على ظهر قلب غيباً وكان له في علم الطب يد طولى، ولما افتتح مدينة ظفار الحبوضي وأقطعها ابنه الملك الأشرف كتب إلى الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر• أنه يحتاج إلى طبيب لمدينة ظفار لأنها وبيئة وقال: (ولا يظن المقام العالي أنا نريد الطبيب لأنفسنا فإنا نعرف -بحمد الله- من الطب مالا يعرفه غيرنا وقد اشتغلنا فيه من أيام الشبيبة اشتغالاً كثيراً( )، (بهذا دليل على سعة علمه بالطب).
لم يهتم ملك من الملوك بالزراعة والصناعة كاهتمام الملك المظفر فيها حتى أنه قعد للزراعة قواعد معينة وصنف فيها المؤلفات، وشهد عصرها استصلاحاً زراعياً كبيراً حتى أن معظم المدرجات الجبلية الزراعية في محافظة وريف تعز اليوم تعود لذلك العصر، فأجيالنا تتناقل روايات تلك الإصلاحات حتى أنهم يعيدون الجدران العظيمة لتلك الأراضي المحولة إلى هذه الدولة فيقولون: "جدار غساني، وجربة غسانية، وبئر غساني"، ففي بلادنا العديد من الآبار الغسانية التي كان يتسابق منتسبو الدولة الرسولية (الغسانية) على إنشائها حتى النساء والموالي والعبيد لبني رسول كانوا يتسابقون في مثل هذه الإصلاحات.
في عهد الملك المظفر صنعت الأساطيل البحرية وكون الجيش والقوات البحرية التي غزا بها ضفار الحبوضي لتأديب سالم بن إدريس الذي استولى على ظفار الحبوضي وهدد الملاحة البحرية، فغزت القوات البحرية ظفار وتم قتل سالم بن إدريس وتأمين البحر العربي منه ومن التهديدات الهندية.
كما في عهد الملك المظفر توسعت مناجم الحديد والفضة والذهب وسكت العملات في كثير من مدن اليمن ومنها صعدة، وشهدت نهضة اقتصادية كبيرة.
لم تتوقف قوة الملك المظفر عند هذا الحد بل إنه أرسل كتيبة من أقوى الفرسان إلى مصر للتصدي للغزو الصليبي ومساندة السلطان الظاهر بيبرس، ولم يكلف السلطنة المصرية مؤونة تلك الكتيبة بل إنه أرسلها بكامل ميزانيتها واحتياجاتها المالية في مواجهة ذلك الغزو وأقامت في منطقة دمياط حتى زال التهديد الصليبي.
كان الملك المظفر أول من كسا الكعبة من الداخل، وبنى في مكة العديد من المدارس، وله مسجد أثري في مدينة جدة قائم إلى اليوم، وله ألواح رخامية في جوف الكعبة كتب عليها: "أمر بتحديد رخام هذا البيت المعظم، العبد الفقير إلى رحمة ربه وأنعمه؛ يوسف بن علي بن رسول، اللهم أيده بعزيز نصرك، واغفر له ذنوبه، برحمتك يا كريم يا غفار، بتاريخ سنة ثمانين وستمائة هجرية".
كان الملك المظفر محباً للرعية إذا اشتكى أحد منهم والياً من ولاته يعزله ولا يعيده إلى نفس المكان خشية الانتقام والبطش بالرعية( )، ومن هنا نشأت علاقة التكامل والاحترام والطاعة بين الشعب وحاكمه فأمنت البلاد ونهضت بسبب هذا العدل والرؤية الاستشرافية ذات المشروع النهضوي الحضاري.
إمتد ملكه من القرن الأفريقي واليمن جنوباً وعمان إلى مضيق هرمز شرقاً والحجاز حتى المدينة بالقرب من حدود مصر مع فلسطين يقال لها (العيذاب) شمالاً، وكان له حظوة واحترام ونفوذ عند بعض ملوك العالم كالصين والهند، ومن ذلك يروى أن ملك الصين حرّم على المسلمين في بلده الختان فتعبوا من ذلك وضاقوا، فكتب إليه السلطان الملك المظفر -رحمه الله- كتاباً يشفع إليه في الإذن لهم بالختان وأرسل إليه بهدية سنية توافق مراده فقبل شفاعته وأذن لهم في ذلك( ).
تولى الملك بعد مقتل أبيه الملك المنصور في الجند سنة 647هـ، وحكم مدة 48 عاماً، وتوفي سنة 694هـ وهو ابن 74 سنة وعشرة أشهر وأحد عشر يوماً وعشر ساعات في بستان ثعبات يوم الثلاثاء وقيل الأربعاء 13 أو 14 رمضان.
لما مات قال عنه الإمام الملقب بالمتوكل على الله المطهر بن يحيى: "مات التبع الأكبر، مات معاوية الزمان، مات من كانت أقلامُه تكسر سيوفَنا ورماحَنا" ( ). 
وفي هذه المقولة تكشف سعة علمه وقوة حكمه ونفاذ بصيرته وحزمه وتعامله مع أعدائه ودهائه وحكمته؛ فقد كان الأئمة يخافون قلمه وأوامره فقد خاض معهم حروباً شتى، وهو أول من أعاد صعدة إلى حكم الدولة اليمنية وبنى فيها مدينة وحصناً سماها تعز.
لذلك لا ينقم الأئمة على دولة من الدول ولا ملكاً من الملوك قدر نقمتهم على الدولة الرسولية والملك المظفر، حتى إن الإمامين يحيى وابنه أحمد حميد الدين حاولا تدمير المدرستين المظفرية والأشرفية وشوها معالمهما بل إنهما دفنا المدرسة المظفرية وصار الناس لا يعرفون أين موقع المدرسة من الجامع الحالي.
كما عمل الأئمة على نهب كل مخطوطات وكتب المدارس الرسولية وأرشيف تعز، حتى أن أحد أحفاد جنودهم الناهبين اليوم يمتلك جزءاً من ذلك الأرشيف ويساوم على بيعه بملايين الدولارات للأسف الشديد كما وصلني من صديق على علاقة بذلك الشاب.
كانت المدرسة المظفرية آية زمانها ومنار عصرها في تعز حتى إن الطلبة جاؤوها للتعلم فيها من بلاد القوقاز في روسيا ومن شرق آسيا كذلك.
أوقف الملك المظفر للمدرسة أكثر من مائة ألف كتاب، وهي القافلة التي أمر ولده الملك المؤيد أن يزود بها المكتبة المظفرية بتعز.
وكذلك اشترى الملك المظفر كتب الفقيه أبي الخطاب عمر بن إسماعيل بن علي بن إسماعيل الجماعي لما فنيت ذريته من بعده، فاشترى كتبه وأوقفها على المدرسة( ).
ولكي تستمر هذه المدرسة بأداء رسالتها ومهمتها فقد أوقف الملك المظفر لها أنفس الأراضي اليمنية في تهامة وتعز وإب ويروي بعض المؤرخين أن وادي نخلان الخصيب في كان موقوفاً على المدرسة المظفرية اشتراه المظفر من ماله الحر.
وقد وجدت بصيرة بيد أحد الأصدقاء في منطقة الصلو عن وقف أراضٍ خصبة لهذه المدرسة لإعاشة المدرسين والطلاب فيها واستمرار تعهدها بالرعاية والإضاءة والفرش.
الملك المظف
ر هو الذي سن سنة تكريم العلماء ومؤلفي الكتب حتى إن عصره سمي بالعصر الذهبي لليمن للنهضة العلمية التي أحدثها من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد كان يكرم المؤلفين بوزن كتبهم ذهباً، ولذلك بعث العلم ونهض العلماء وكرست الثقافة والعلم والأدب في اليمن عامة وتعز خاصة، حتى جاء الأئمة محاولين محو كل تلك المآثر والتاريخ وكان تركيزهم على تعز بشكل خاص.


Create Account



Log In Your Account