السبت 03 يونيو ,2023 الساعة: 08:48 صباحاً

الحرف28- فردوس الكاملي
بوجه عابس يظهر عليه مرارة السنين وألم الفراق، لم تستطع والدة الشاب "حاتم العولقي"، الحديث عن ابنها المخفي، منذ أكثر من 8 سنوات، بل لا تعلم عنه شيئا، وما إن ذكرته رفعت يديها نحو السماء لتتمتم بالدعاء أن "يفرج الله ضيقته أين ما كان".
الشاب حاتم علي جعيم العولقي في العقد الثالث من العمر، مخفي قسرا منذ ثمان سنوات، وهو وحيد أبويه وأوسط أخوته والمعيل الوحيد لأسرته.
خرج العولقي للدفاع عن مدينته عدن، عقب اجتياح مليشيا الحوثي للمدينة في العام 2015، وبعد تحريرها عاد ليعمل سائق "باص ركاب"، لكن يوم ١/٧/٢٠١٦، كان آخر يوم يقضيه مع أسرته، إذ تعرض منزلهم الكائن في حي الممدارة بمديرية الشيخ عثمان، شمال العاصمة المؤقتة عدن، للمداهمة من قبل مسلحين ليأخذوه إلى جهة مجهولة.
لقد أخذه المسلحون وكانت عدن قد تحررت من مليشيا الحوثي، ليقع حاتم في قبضة مليشيا أخرى مازالت تغيبه عن أسرته حتى اللحظة.
ومنذ بداية الحرب هناك الألاف من المخفيين والمختطفتين في سجون مختلف الأطراف في البلاد، بعد أن دُمرت المؤسسة العسكرية وأنشئت تشكيلات ومليشيات غير نظامية، فسيطرت التشكيلات المسلحة المدعومة من التحالف على عدن ومحافظات في الجنوب، بينما تسيطر مليشيا الحوثي في الشمال، ومن يخالفهم أو يختلف معهم وجد نفسه بين جدران سجونهم ومعتقلاتهم.
السجون شمالا وجنوبا
انقلبت مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة في العام 2014م، وتدخل التحالف الذي تقوده السعودية في البلاد في العام التالي 2015م بزعم دعم الشرعية، وتوسعت دائرة السجون والمعتقلات غير القانونية بشكل كبير في البلاد شمالا وجنوبا، ووجد الألاف من اليمنيين أنفسهم بين ضحايا حرب واختطاف وسجون.
تؤكد إحصائية في تقرير حديث لشبكة الحقوق والحريات، أن هناك 16804 مواطن مدني يعاني من الاعتقال والإخفاء القسري، في سجون مختلف الأطراف في اليمن.
ولا تزال حالات الإخفاء والاعتقال في تزايد حسب ما نشرت اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في 31 يوليو 2022 إذ تدون الشكاوى 859 حالة ادعاء بالاعتقال التعسفي والإخفاء القسري منهم 665 في سجون جماعة الحوثي و 166 في سجون الحكومة وأجهزة الأمن التابعة لها.
كما قالت رابطة أمهات المختطفين والمخفين قسرا، إنه جرى اختطاف 1799 مدنياً منذ العام 2018 وحتى 2022، منهم 1427 اختطفتهم مليشيا الحوثي في المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما تعرض 440 مدنياً للإخفاء القسري، منهم 294 أخفتهم مليشيا الحوثي، و112 اخفتهم قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي.
ووثقت الرابطة في تقرير لها أطلقته مطلع العام الجاري، تحت عنوان العدالة للمختطفين، تعذيب 865 مختطفاً، منهم 673 في سجون الحوثي المدعوم من إيران، و150 حالة تعذيب في سجون الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات.
أثر جريمة الإخفاء على الأسر
شقيقة المخفي قسرا حاتم العولقي، المنفصلة عن زوجها، تقول إنها أصبحت المسؤولة الوحيدة لأبوها وأمها وأولادها الأربعة، بعد أن أخفي أخيها، وذلك بعد أن تمكنت من الحصول على مكينة خياطة.
وتضيف للحرف 28، أن ما زاد وجع الأسرة إصابة والدتها بشحنات في الدماغ بسبب حزنها الكبير على ولدها، فلم تعد تتجاوب مع العلاج بسبب بكائها الدائم، كما أن والدها ليس أفضل حالا، فقد استوطنت الأمراض جسده مع كبر سنه، بين (السكر والضغط واصابة شبكية عينه اليمنى).
السجن قاسٍ، وما يعانيه السجين لا يمكن أن يخطر ببال من لم يعشه أن يتخيله، وفقا للصحفي يونس عبدالسلام، مختطف سابق لدى الحوثيين.
يقول يونس عبدالسلام للحرف 28، وهو يتحدث عن مأساة المعتقلات والسجون ، إن "المناسبات الفرائحية للناس خارج السجن كانت تتحول إلى مأساة وأسواق حزن لبعضنا البعض".
ويتحدث عبدالسلام، عن زيارة أهله الشهرية عندما كان بالمعتقل بالقول: "كنا نتبادل السلوان والتهاني على أمل أن ننقذ أنفسنا وأن نفرج على أنفسنا بقليل من ريح الأمل التي تأتينا مع أهلنا في الزيارات الشهرية التي كان السجان يسمح للعائلات بها".
ويضيف : تنعدم الفرحة إلا من مشاركة المساجين حالتهم، فتنظر إليهم وقد تساويتم في الألم فتحيل العزاء إلى بكاء".
وعن ممارسات من يديرون السجون يقول الصحفي يونس عبدالسلام، إن "مزاجية السجان قد تحرمك في كثير من الأوقات من زيارات أهلك المحدودة لأتفه الأسباب".
وإذا كان هذا حال السجناء فكيف بحال المخفيين، وكيف تتجرع عائلاتهم هذا الغياب المقيم ؟
تقول رئيسة رابطة أمهات المختطفين أمة السلام الحاج، إن "قضية المختطفين والمخفيين مأساوية تعاني منها الأسر البعد والشقاء والتشرد كما يعاني المختطف من التعذيب والظروف القاسية في السجون".
وتؤكد الحاج، في حديث للحرف 28، إن إحدى زوجات المعتقلين توفيت بعد تعرضها لصدمة نفسية من عدم إدراج زوجها في قائمة التبادل الأخيرة".
وترى أن أثر جريمة الإخفاء والاعتقال التعسفي بدون محاكمة عادلة معلنة" يظل مرافق للأسرة والمعتقل على الدوام بسبب ما يقع عليهم من انتهاكاتها ضد الإنسانية في ظروف قاسية ومؤلمة فوق ما تتخيله فطرة الإنسان، ومنع الكثير من السجناء وأسرهم من حق الزيارة الذي ينص عليه القانون اليمني".
وأشارت إلى أن "المعانة النفسية تكون أشد وقعا على الأمهات والزوجات نتيجة سماعهن بموت المختطفين من التعذيب بالإضافة إلى معاناة الأسر من الناحية الاقتصادية لفقدانهم المعيل".
المختطفون والمخفيون أمام القانون!
منذ سيطر الحوثيون على صنعاء نهاية 2014، سقط كل شيئ في طريقهم، وبات الحديث عن حقوق الناس وموقف القانون منها يشبه الترف.
تحرم القوانين اليمنية كل هذه الجرائم التي بتعرض لها المختطفون والمخفيون في جميع مناطق الصراع، لذلك هناك الكثير من الاستحقاقات الدستورية والقانونية لهؤلاء الذين يتعرضون لعمليات الاختطاف والإخفاء.
يقول المحامي عبدالمجيد صبرة، إن "الحق في التعويض أي جبر الضرر بسبب الإخفاء القسري أو الاعتقال التعسفي قد اوجبته الفقرة الأخيرة من المادة (٤٨) من دستور الجمهورية اليمنية سواء للمعتقل أو أقاربه وكل من أصابه ضرر من هذه الجريمة ".
ويشير إلى عديد نصوص قانونية توجب تعويض الضحايا مثل " المادة (٤٣) من قانون الإجراءات الجزائية اليمنية وكذلك نصوص المواد(١٧ و٣٠٤) من القانون المدني وأيضا ما ورد في الفقرة الخامسة من المادة (٩) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الموقعة عليها اليمن".
وتنص المادة ٤٨ من الدستور اليمني في الفقرة (ه) أنه من حق المتهم الحصول على تعويض إذا كان الاعتقال غير قانوني ويحدد القانون عقاب من يخالف أحكام أي فقرة من فقرات هذه المادة، كما يحدد التعويض المناسب عن الأضرار التي قد تلحق بالشخص من جراء المخالفة.
أما فيما يتعلق بحق المتهم في الحصول على تعويض نتيجة لأي أضرار قد تلحق به نتيجة لإجراءات تعسفية فإن هذا الحق مكفول بنص الدستور كما تقدم.
يتعرض المختطفون والمخفيون قسرا، وعائلاتهم لانواع فظيعة من الإنتهاكات ابرزها " الإخفاء القسري لفترات مختلفة للكثير من المعتقلين خصوصا بعد عملية الاعتقال مباشر، كما يتم إخفاء المعتقل عن أسرته ووضعه في زنزانة انفرادية وتعريضه للتعذيب بعد اعتقاله مباشره، حتى إنكار وجوده من قبل الأجهزة الأمنية عند بحث أقاربه عنه" وفقا للمحامي صبره.
يضيف المحامي الذي ترافع عن عديد مختطفين ومخفيين " بعد معرفة مكان المعتقل والسماح بزيارته في الغالب لا يتم السماح بهذا الحق بصفه مستمرة حيث يتم منع الزيارة والاتصال بين فترة واخرى بمزاجية مفرطة من قبل السجان ولا بسط الأسباب"
وأوضح أن السلطات في حال سمحت بالزيارة" فيكون هناك حاجز بين المعتقل وأقاربه وحديثهم تحت رقابة السجان ويتعرض المعتقل وأقاربه أغلب الاوقات للإهانات والسب عند الزيارة".
بالإضافة إلى هذه الأنتهاكات، يتعرض المختطفون والمخفيون، للحرمان من الرعاية الصحية سواء من قبل السجان أو حتى منع أقاربه من القيام بعلاج المعتقل على نفقتهم ويصل الأمر أحيانا بعدم السماح بإدخال الأدوية والأكل للمعتقل..
كما يوضع المعتقلين في غرف مزدحمة وليس فيها تهوية مما يسبب لهم كثير من الأمراض،
وأكد صبرة أن الاخفاء القسري يعد جريمة مركبة في التوصيف القانوني تنطوي على عدة انتهاكات وهي جريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي.
ورغم كل القوانين التي تجرم الإخفاء والاعتقال بدون محاكمة معلنة وعادلة، تتواصل الانتهاكات والجرائم في سجون المليشيات شمالا وجنوبا، وهناك العديد من السجون السرية تتيع دول التحالف بينما تعرض معتقلون ومخفيون للاستجواب والتعذيب في قواعد عسكرية خارج البلاد كما حدث لعديدين مختطفين قبل سنوات في قواعد اماراتية في ارتيريا .
وقد استبيح كل شيئ ويكاد يكون في حكم المستحيل حصول المختطف على التعويض أو جبر الضرر، بل إن الآلاف منهم محرومون من زيارة أهاليهم واستمرار عملية إخفاءهم، بينما لا تفعل المنظمات واللجان المحلية شيئا حيال ذلك، بمن فيهم اللجنة الوطنية المكلفة بالتحقيق بالانتهاكات.
ورغم أن اللجنة مسنودة بقرارات دولية، فهي عاجزة عن زيارة السجون السرية في المحافظات الشمالية بسبب سيطرة مليشيا الحوثي التي لا تعترف بها، وممنوعة من القيام بواجبها في المحافظات الجنوبية و لا تستطيع الإقتراب من هذا الملف، كما تقول مصادر خاصة للحرف 28، حتى إعلاميا.
وبينما تمضي الأعوام وقد سرقت اعمار عائلات تنتظر ذويها المختطفين على موائد فارغة من أحبتهم، يستمر المليشياويين تغييب حاتم العولقي ومئات الآخرين في سجون صنعاء وعدن، في حين ترفع والدته اكف الضراعة بأن يفرج الله كربتها وتفرح بلقاء حاتم قبل ان تلقى الله.