خزانات حصاد الامطار .. حلول أهلية في مواجهة شحة المياه
الثلاثاء 13 يونيو ,2023 الساعة: 04:19 مساءً
الحرف28 - نُهى ناصر


لجأ سكان المناطق الجبليَّة في مديرتي صَبِر الموادم، وسامع، في مُحافظة تعز إلى إحياء مشروع خزانات مياه الأمطار (السقاية)، الذي اعتمده اليمنيون القدماء؛ من أجل حفظ مياه الأمطار للشرب والسقايَّة في فصل الشتاء؛ لا سيما في المناطق الجبليَّة التي لا توجد فيها آبار مياه. 

  ويُعاني سُكّان المناطق الجبليَّة البالغ عددهم 41 ألف نسمة في مديرية سامع، 15 ألف نسمة في صبر الموادم، عُزل الشَقب، وحبور، والقِحاف من الجفاف، وانقطاع دائم لمياه الشرب في فصلي الشتاء والخريف، على مدار ستة أشهر، حيث يضطر الأهالي إلى ترك قُراهم في سامع، وصبر، والانتقال للعيش في الوديان والمدن، كدمنة خدير، ووادي ورزان، والراهده، التي تتوفر فيها مياه الآبار على مدار العام. 

يقول عبد الرحمن السلفي- أحد سكان جبل سامع-: انه يضطر إلى نقل الماء إلى منزله بسيارته من مناطق تبعد حوالي خمسة كيلو متر عن مسكنه، ويكلفه ذلك 120 دولار شهريًّا. 

فيما أُجبر جعفر سالم للانتقال مع أُسرته من منطقة الشقب في صبر، إلى دمنة خدير؛ بعد أن يأس من إيجاد حلول لمشكلة الانقطاع الموسمي للماء في المنطقة التي يُسكنها. 

وأطلق عبد الرحمن السلفي، ومحمد عبده نعمان، مُبادرة مُجتمعية؛ تهدف إلى بناء خزانات مياه من الأحجار والإسمنت والحديد، وهي شبيهة بالخزانات التي استخدمها سكان جبل سامع قديمًا؛ لحفظ مياه الأمطار الموسميَّة. 

    يقول محمد عبده: إنه طبَّق فكرة بناء الخزانات القديمة في القرية بالتعاون مع جاره السلفي، حيث عملا على حفر وبناء خزان أرضي؛ لجمع مياه الأمطار التي تنهمر من مجرى جبلي يطل على القرية، لكن واجهتهما مشكلة عدم صلاحيَّة هذه المياه للشرب؛ لأن مياه الأمطار كانت تُنقل من المنحدرات الصخرية والحواجز إلى الخزان مباشرة ما أشكل عليهم تنقيتها، فعملا على إيجاد حل آخر وهو: تحويل مسار المياه التي تنهمر على سقوف المنازل عبر أنبوب يتصل بالخزان مباشرة، وبالتالي حُلّت مشكلة تنقية الماء، بحيث تُصبح صالحة للشرب. 

يضيف محمد عبده بعد اللقاءات التي حضرها أهالي القرية، اتفقوا على فكرة بناء الخزانات تحت المنازل أو بجوارها، وتحويل مياه الأمطار من سطح المنزل إلى الخزان فكانت الفكرة ناجحة بنسبة 90%. 

خزان حصاد مياه لكل بيت 

     انتشرت فكرة خزانات حصد مياه الأمطار في القرية، وتعاون الأهالي في بناء خزانات لمعظم بيوت القريَّة، بشكل دوري؛ من أجل توفير كُلَّفة استقدام العمال، وبناء الخزانات واختصار الوقت، ونتج عن هذا العمل التعاوني أن أصبح لجميع سكان عُزلة السلف في جبل سامع خزانات مياه، بتكلفة رمزيَّة، فمعظم مواد البناء كانت مأخوذة من مُحيط المنطقة الجبلية وممرات السيول باستثناء الإسمنت والحديد الذي يكلف من 1000 إلى 1500 دولار كمتوسط لبناء خزان. 

وتُكلف أُجرة المُعلم لبناء خزان حصاد المياه ما يقارب12 دولار في اليوم، فيما تبلغ أجرة ثلاثة العمال المُساعدين، ومُعلم الخلطة، والآخر المُكلف بنقل الأحجار ومواد البناء ما يقُارب 28 دولار، لتبلغ كُلفة أعمال البناء في اليوم الواحد 40 دولارا، وقد تستمر فترة العمل من شهر إلى ثلاثة أشهر بحسب طبيعة المكان شاملة عمليات الحفر. 

كل هذه التكاليف تجاوزها السكان في المناطق الجبلية في سامع وصبر، حيث اعتمدوا في تنفيذ بناء الخزانات على فكرة التعاون المُجتمعي؛ لتقل التكاليف الى سقف الـ 5.000 الاف دولار في المجمل للخزان الواحد. 

وتبلغ سعة الخزان الواحد كمتوسط من 80 متر إلى 125 متر مكعب، حيث تصل هذه الكميات من 80,000 لتر إلى 125,000 لتر من المياه للخزان الواحد. 



   وتناقل الناس في العُزل المُجاورة ذات التجربة، حيث تبنّى سكان وادي الحسين والشعب في مديرية خدير المجاورة لسامع التجربة القادمة من جبل السلف، واتفق الأهالي على التعاون؛ لبناء خزانات حصد مياه الأمطار. 

يقول علي عبد الرب -أحد أعيان عُزلة الشعب-:  إن الأهالي كانوا يبادرون للعمل دون مقابل مع كل من يريد ان يبني خزان ماء في بيته، ولا يتحمل مالك البيت إلَّا تكلفة الإسمنت، والحديد.  ويُضيف علي: إن فكرة تعاون الأهالي وتشاركهم العمل، وفّرت عليهم مبالغ طائلة بداية من العمالة المُستأجرة، والمواد، وجلب الأحجار، وعمليَّة الحفر، والبناء، -أي توفير ما يُعادل 70% -، من تكلفة بناء خزان حصد مياه الأمطار، الذي لو تحمل الفرد جميع نفقاته، فإنه سيدفع ما قيمته 5000 ألف دولار.
السقاية والسدود حلول يمنية قديمة. 

     يقول المُهندس عبده الصغير: إن المبادرة التي بدأها الأهالي في جبل سامع، كانت مُستلهمة من طُرق انشاء السقاية، والحواجز القديمة المنتشرة في المناطق التي يعاني سُكّانها من الجفاف، وشحة المياه في الجبال، والتي أجبرت الكثير من سكان المرتفعات إلى ترك مناطقهم، الأمر الذي أخلَّ بالتوزيع السكاني خصوصًا أن المناطق الجبليَّة تتفرد ببيئات زراعية نادرة، لا تتوفر في الأودية، كما أنها تحتفظ بمدرجات زراعية تعمل على حفظ التربة في الجبال، وفي حال تركها تنهار كل تلك الهندسة الزراعيَّة، فكانوا بحاجة إلى حل بديل عن الآبار في المناطق الجبليَّة. 

وأضاف المهندس عبده: " المهندسين في مناطق مختلفة من سامع وصبر، كانوا يقدموا استشاراتهم الهندسيَّة، كمبادرات طوعية منهم للأهالي؛ الذين واجهتهم عقبات أثناء حفر وبناء الخزانات التي تحفظ مياه الأمطار". 

ويوضح الصغير ان "المبادرة التي انطلقت من الجبال، شكَّلت حل لأزمة المياه، حتّى في المناطق المفتوحة، كالوديان، والقيعان الكبيرة؛ واستخدمت فكرة بناء طيات صخرية للآبار لحفظ، وترشيد استخدام الماء للاستفادة منها".  



خزانات المياه تجارب لطُلاب المدارس 

     شوقي حسن (أستاذ مادة الجغرافيا) في وادي الحسين، مديرية خدير، اصطحب مجموعة من طلاب المدرسة إلى جبل السلف؛ لاطلاعهم على تجربة خزانات حصاد مياه الأمطار الذي أقامه سكان المناطق الجبلية كحل لمواجهة الجفاف وشحة المياه في مناطقهم؛ وكان هدفه من هذه الرحلة تعميم، ونقل هذا المشروع الى الوادي الذي تُستنزف مياهه في ري القات. 

انجز شوقي أول خزان في عزلة وادي الحسين، وحقق الاكتفاء الذاتي من الماء طوال العام؛ بفضل فكرة خزانات حصاد مياه الأمطار. 

يقول شوقي: " 40% من سكان العزلة تبنوا هذا المشروع، وتمكنوا من حل أزمة شُحة المياه التي أرقتهم منذ أعوام". 

    وأضاف شوقي: " مثل هذه التجارب والمبادرات، يجب ان يطلع عليها المعلمون، وينقلوها لطلابهم؛ وذلك من أجل تعميم الحلول المُبتكرة التي تقودها المُجتمعات المحلية في اليمن، كما يُمكن أيضًا نقل حلول وتجارب البلدان الأُخرى التي تمكّنت من حل أزمات مُشابهة لتلك التي يعيشها اليمني في الداخل". 

  يقود شوقي حاليا مُبادرة خزانات حصاد مياه الأمطار في المنطقة التي يعيش فيها، ويعمل على نقلها وتعميمها في المناطق المجاورة؛ وذلك عبر اطلاع المعلمين على المشروع، كي يتبنوا الفكرة ويطبقوها بمعية السكان في مناطقهم.  

تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي



Create Account



Log In Your Account