السبت 17 يونيو ,2023 الساعة: 06:01 مساءً
السلام في اليمن لم يعد ترفًا أو منه من أحد، بل أصبح استحقاقًا إنسانيًا ووطنيًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لوقف حالة الانهيار والتمزق اليومي على المستويات المتعددة، والسلام الذي نقصده ليس مجرد حل سياسي ارضائي سريع لتقسيم ما تبقى من الكعكة المعطوبة، بل سلام راسخ لبناء الحلم اليمني بالحرية والكرامة والرفاهية. وجسر للعبور إلى مجتمع يتعاون فيه أبناءه على البناء والتعايش. ويؤسس لمجتمع يملك الشعب فيه إرادته السياسية واستقلاله التنموي، ويكسر حواجز الخوف ويتجاوز الأنانيات الضيقة لأمراء الحرب. وهذا يتطلب شجاعة أخلاقية، وفلسفة إنسانية وطنية لا يمتلكها السياسيون الحاليون لاينظرون إلى الضوء في اخر النفق.
الملاحظ في اجماع لاهاي المنعقد هذا الشهر أن هناك اجماع من قبل السياسيين من قادة الأحزاب اليمنية وغيرهم من السياسيين السابقين ، علي استحالة محاسبة منتهكي حقوق الانسان في اليمن خلال سنوات الحرب التسع ، منطلقين من فرضية ان عدم المحاسبة المرتكبين في ٩٤ ، و٨٦ ، ٧٩ يعني استحالة المحاسبة اليوم ، والعكس هو الصحيح ، عدم المسألة في دورات العنف السابقة و هو الذي قاد الي تكرارها اليوم ابتدأ من ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ علي يد جماعة الحوثي ، وهذا السلوك لا علاقة له بمنطق السياسة ولمصلحة الوطنية ، فهو مرتبط بالخشية من تورط احزابهم وبعض شخصياتهم في الجرائم التي ارتكبت بحق اليمنين سابقا ، ويعد فشلهم في صياغة مشروع العدالة الانتقالية بعد ثورة ١١ فبراير دليل عملي ، حيث ظل الجميع مختلفون حول الفترة التي يجب ان تشملها المحاسبة ، المؤتمر يخشي 1994 و 1979 ، الاشتراكيين يخشون1986 وفترة حكمهم التي سبقت ذلك ، والإصلاح يخشون فترة ارتباط بعض قياداتهم بعلي عبدالله صالح ، وكذلك الامر لبقية الأحزاب . لكن المؤسف في الأمر أن بعض نشطاء حقوق الإنسان يتجه لتبني هذا الاتجاه. متناسبا دورة الأخلاقي والحقوقي في الوقوف في صف الضحايا
للأسف أصبح الدم اليمني خارج حسابات الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ، الجميع منشغلين بأنفسهم ويكافحون من أجل الخطوة التالية، ضمان افلاتهم من العقاب ، ينغمسون في حسابات الربح والخسارة ، وضمان تواجدهم في دولة ما بعد الحرب ، وهذ للأسف، لا يشير إلى تحسن في العقلية السياسية اليمنية، واتعاضها بالحرب التي كانوا سبب اساسي في اشعالها ، خاصة في ظل غياب قادة ملهمين ومشروع وطني واضح المعالم، وعدم اهتمام بصوت الشعب أو مصالحه الخارجية. يبدو مشهد السلام في اليمن غامضًا ومتشابكًا، ويبدو هناك اتفاق غير معلن بين الأطراف المحلية الإقليمية والدولية التي تسعي لسلام يضمن مصالحها ، سلام دون ضمانات قانونية تعيد القيادة للشعب أو تضمن المحاسبة العدلية.
وأصبح مصطلح "العدالة الانتقالية" مثل علكة للاستهلاك ، وتخدير الضحايا ، حيث تستغرق وقتًا طويلاً حتي ندرك أن نهايتها المج ، وسيدرك الكثير أن المجتمع الدولي يسعى لسلام يتجاوز مفهوم العدالة الانتقالية التي تشمل محاسبة الجناة. إنه سلام مؤقت. وأي سلام يعتمد على عدالة انتقالية شكلية تتجاوز المحاسبة وتعتمد فقط على تعويض الضرر، فإنه لن يوقف دورة الثأر في اليمن. يبدو أن الأمريكيين والأوروبيين يميلون نحو الخيار الثاني، حيث ينطلقون في الحل من خلال مقاربة سياسية بحتة تجعلهم أوصياء دائمين ، في بعض الأحيان، يشير البعض إلى السويد وفي أحيان أخرى إلى هولندا، وهم يعتمدون على أدوات سياسية قديمة يفترض أنها قد انتهت وأصبحت تحت المراقبة.
المعلومات القادمة من الجلسات الجانبية والحلقات النقاشية ، التي عُقدت علي هامش مؤتمر لاهاي سواء قبل او بعد المؤتمر، توحي أن المجتمع الدولي يسعي ، بل باشر للسيطرة على هذه المرحلة " أي المرحلة الانتقالية " من خلال عدة وسائل، مثل تشكيل فريق صغير لإدارتها وفقًا لرؤيتهم وقوالبهم التي تتوافق مع مصالحهم السياسية والاقتصادية الدولية. ثم يتم إدخالها ضمن إطار قيود قانونية تتجاوز جدول أعمال المفاوضات. يبدو أن بعض الدول الأوروبية، بما في ذلك هولندا، تسعى لتقديم مشروع قرار لتعويض الضحايا عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا سيضعنا تمامًا في إطار بعيد عن أي مفاوضات تجبر الأطراف على قبول المصالحة. يتحول المفهوم العدلي الانتقالي إلى مشاريع حقوقية للتوثيق، وتسيطر اللجنة الخاصة التي تشكلت على توزيع التمويل وترشيح المنظمات المناسبة لتلك المشاريع. يتم تقييد دور الضحايا ضمن نطاق ضيق يتمثل في بعض المنظمات والهيئات التي ليس لها أي صلة بالضحايا.
باعتقادي، هذا العمل ليس بعيدًا عن رغبة المنتهكين أنفسهم الذين يسعون إلى تقنين الهروب من العقاب وتحديد المحاسبة بفكرة التوفيق المغطاة بالمال السياسي، دون الحديث الجاد عن إصلاح المؤسسات القانونية والعدلية في هذه المرحلة. وباعتقادي، يشكل ذلك تهديدًا خطيرًا لأي عملية سلام محصورة بين المنتهكين لحقوق الإنسان في اليمن.
ما يتم تجاهله حتى الآن هو فكرة النموذج اليمني للعدالة الانتقالية، التي يجب العمل عليها من خلال نقاش عميق بين الخبراء والمختصين وفقًا لقيم المجتمع وخصوصياته. يجب أن ينتج هذا النقاش تصنيفًا لانتهاكات الحقوق البشرية على مستويات الخطورة، حيث يمكن العمل على مراحل ومستويات مختلفة، منها ما يمكن التصالح حوله، وما يميل نحو العدالة والتقاضي الجنائي.
الأخطر من ذلك هو أن العديد من المشاركين في المؤتمر تحت اسم العدالة، ذهبوا كممثلين للتفاوض الجانبي حول المشاريع المستقبلية للعدالة الانتقالية، وحجزوا مقاعدهم من التمويل في المرحلة المقبلة.
باعتقادي، دون الحديث الجاد عن إصلاح المؤسسات القانونية والعدلية في هذه المرحلة. وباعتقادي، يشكل ذلك تهديدًا خطيرًا لأي عملية سلام تحتمل بين المنتهكين لحقوق الإنسان في اليمن.
ما يتم تجاهله حتى الآن هو فكرة النموذج اليمني للعدالة الانتقالية، التي يجب العمل عليها من خلال نقاش عميق بين الخبراء والمختصين وفقًا لقيم المجتمع وخصوصياته. يجب أن ينتج هذا النقاش تصنيفًا لانتهاكات الحقوق البشرية على مستويات الخطورة، حيث يمكن العمل على مراحل ومستويات مختلفة، بما في ذلك ما يمكن التصالح حوله وما ينحو نحو العدالة والتقاضي الجنائي.
الأخطر من ذلك هو أن العديد من المشاركين في المؤتمر تحت اسم العدالة ذهبوا كممثلين للتفاوض الجانبي حول المشاريع المستقبلية للعدالة الانتقالية، وحجزوا مقاعدهم من التمويل في المرحلة المقبلة.
باعتقادي، يجب تنظيم الضحايا بشكل جيد والعمل على تشكيل جبهة حقوقية نضالية موحدة لتحقيق العدالة والتقاضي الجنائي، وحرمان منتهكي حقوق الإنسان من المشاركة السياسية في المستقبل. يجب أن تعمل هذه الجبهة على تشكيل رؤيتها القانونية وتوحيد الجهود الجماعية لضمان عدم الافلات من العقاب. أعتقد أن العدالة القضائية وحرمان المنتهكين من المشاركة العامة وتعويض الضحايا ستعزز فرص نجاح السلام في اليمن واستدامته.
سنوات طويلة قضاها اليمنيون في دورة العنف السياسي شمالاً وجنوباً دون محاسبة جنائية، ما زال آثارها وأوجاعها حتى هذه اللحظة، متجسدة في المخفيين قسرًا، والتهميش، والتهجير القسري، واحتكار السلطة. لقد أفرز الافلات من العقاب الاستبداد السياسي المتمثل باحتكار السلطة في صنعاء وعدن، حيث كان المنتصر يجبر الجميع بصورة مباشرة أو غير مباشرة للخضوع والقبول بسياسة الأمر الواقع، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من فقر وتخلف وفساد وانقسام.
تمثل سنوات الانقلاب الحوثي الأسوأ في التاريخ السياسي اليمني الحالي، وأي تهاون أو تواطؤ معها سيعمق المشكلة اليمنية ويفقد الضحايا الثقة بالمجتمع الدولي الذي لم يعد محل ثقة عند الغالبية من الناس. وسيضع غطاء هش سيحرك سرديات الانتقام وحكايات الظلم المحلي والدولي وروايات الخيانات التي مارستها القيادات، حتى تنتفض في لحظة سيحددها التاريخ زمانها ومكانها، وهو كابوس لا أحد يرغب بتكراره.
تأكيدنا اليوم على سلام شامل وعدالة انتقالية بخريطة طريق تعيد الاعتبار للإرادة الشعبية، ومحاسبة كل من ارتكب جريمة بحق اليمنيين ليس ترفًا، بل هي دعوة لسلام أبدي، يتعايش فيه اليمنيون ويستعد أبناؤنا لمرحلة البناء الوطني وننعم بالأمن الدائم، في ظل معادلة سياسية جديدة تتوزع فيها الثروة والسلطة في أقاليم كاملة السيادة. غير ذلك سيعني العقوق لوطن منحنا كل شيء وينتظر منا أن نصافحه لمرة واحدة في حياتنا.