الثلاثاء 11 يوليو ,2023 الساعة: 03:16 مساءً

الحرف28 - خاص
أقام مركز دراسات فلسطين للتنمية والإنتماء بمناسبة الذكرى الواحدة والخمسين لاستشهاد غسان كنفاني، ندوة فكرية تكريمية شارك فيها باحثون من دول عربية عديدة بينها اليمن في العاصمة تونس.
وبدأت الندوة بوقفة احترام وتقدير لصمود مخيم جنين في وجه العدوان الصهيوني الغاشم، وترحم على ارواح شهداء الثورة الفلسطينية والامة العربية على طريق الانتصار الحاسم على الكيان الصهيوني.
والقى محمود شلغاف عضو مجلس النواب التونسي كلمة تحدث فيها عن الشهيد الأديب غسان كنفاني وقال إنه " اغتيل لأنه كان يمثل خطرا على الكيان الصهيوني من خلال كتاباته السياسية والأدبية المعبرة عن واقع ومعاناة الشعب الفلسطيني، ومن خلال نضاله السياسي من موقعه القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".
وأضاف ان غسان كنفاني استبق الجميع عندما حذر من خطورة التطبيع، في وقت لم يكن أي من الأنظمة العربية قد دخل هذا المسار.
واكد شلغاف على ان تكريم غسان كنفاني يفرض علينا اتباع خطاه والوفاء لمبادئه كل من موقعه وحسب المهام المطروحة داعيا إلى تسريع تقديم قانون تجريم التطبيع الى مجلس النواب في تونس.
وقدمت الاستاذة سميحة خلفي المحامية والباحثة في مركز دراسات ارض فلسطين. مداخلة بعنوان " الكيان الصهيوني وجرائم الاغتيال السياسي ــ غسان كنفاني انموذجا".
و تحدثت خلفي عن الاغتيال بوصفه اداة فعل للعدو الصهيوني، "انطلاقا من قناعته بان كل من يعتقد انه يشكل خطرا مستقبليا على مشروعه يجب تصفيته وفي هذا السياق تم تصفية غسان كنفاني، واغتيال عديد الشخصيات العربية".
واشارت الى ان الملفت للنظر انها كمحامية لم تجد أي ملف قانوني يتعلق بقضية الشهيد غسان بما يعنيه ذلك من عدم ايلاء هذا الجانب ما يستحقه من اهتمام.
واكدت على ضرورة تحويل عمليات الاغتيال الى ادوات ملاحقة قانونية للكيان لصهيوني في مختلف المحافل الدولية، ومن ناحية ثانية الاستناد اليها كآليات تعبئة جماهيرية ضد الاحتلال وحشد القطاعات والفعاليات القانونية للعمل الميداني التعبوي والتحريضي من خلال اقامة المحاكمات الشعبية لرموزه المنفذة لتلك العمليات.
من جانبها قدمت د. سمر عبد العظيم من الاردن، والباحثة في مركز دراسات ارض فلسطين مداخلة بعنوان" التحريض في ادب غسان كنفاني، قصة منتصف ايار انموذجا".
و قالت في المداخلة ان التحريض في الأدب / السرد، هو أن يحمل الخطاب معنى الحث والحض والدعوة إلى رفض ما هو قائم؛ للعمل على تغييره من خلال الأفكار التي يتناولها أو يدعو إليها، إما بالتصريح؛ أي بالكلام المباشر الواضح الصريح، أو بالتلميح من خلال توظيف الرمز أو الصورة أو الرسم.
وقد وظف غسان كنفاني التحريض في كل قصصه القصيرة التي تتناول فكرتها كل ما هو يتعلق بفلسطين، وفي رواياته بلا استثناء؛ "لذلك لنا أن نطلق على كتاباته صفة الأدب المحرض. وقد جاء التحريض صريحاً واضحاً في قصة "منتصف أيار" حد تعبيرها.
وفي القصة بدا إبراهيم شخصية محرضة لصديقه على قتل القط الذي أكل القط زوج حمام لجِدِّهِ من على سطح البيت.
وفي ذات الوقت طرح عليه حلاً بديلاً في حال انثنى عن الانتقام، فسيقوم هو بالانتقام بدلاً عنه "سوف أقتله أنا إذا خانتك شجاعتك".
وجهز الصديقان السلاح مترصدان هدفهما القط، ضرب الصديق أولاً إلا أنه لم يصب هدفه، أما إبراهيم فانتقم منه بطلقة في رأسه أردته قتيلاً "لقد لطمته الرصاصة في وجهه".
ونقل إبراهيم تحريضه من قتل القط اللص إلى خوض قتال يكون هدفه قتل الذين استولوا على الأرض، موضحاً فكرته "ألم تعد نفسك لخوض معارك تقتل فيها رجالاً لا قططاً؟"
من جانبه تطرق الدكتور موديبو دانيو من مالي وهو رئيس وحدة الدراسات الافريقية بمركز مسارات إلى موضوعة الهجرة والتهجير في أدب كنفاني، من خلال قراءة في رواية رجال في الشمس".
وقال دانيو " إنّ المجتمع ساحة صراع بين القوى السياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة... وهذا ما يجعل الدراسة الاجتماعيّة أمرا صعبا ومفتوحة على ضروب التّأويل وعلى مخاطر مختلفة أقلّها طغيان الإيديولوجيا طمعا أو خوفا".
ولذا غالبا ما يلتجئ الناقد إلى النصوص الأدبيّة بما هي عالم مصغّر من جهة ومادّة خام "محايدة" من جهة أخرى لتفسير الظواهر الاجتماعيّة ما شاخ منها وما استجدّ.
وتابع : تنبعا لذلك، وبمناسبة ذكرى اغتيال الأديب الفلسطينيّ المقاوم غسّان كنفاني، اخترنا روايته المشهورة "رجال في الشمس" لتفسير ثنائية "الهجرة والتّهجير" التّي باتت الشّغل الشّاغل لدى العامّة والخاصّة في الشّرق والغرب والشّمال والجنوب.
وتساءل دانيو" ما الهجرة والتهجير، وإلى أي مدى يمكن اتّخاذهما آليّة استقرائيّة لنصّ أدبيّ من قبيل الرواية المذكورة؟
وقال : تلك الرواية التي تدور حول مصير ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة إيجاد حل فردي لمشكلة الإنسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب إلى الكويت، حيث النفط والثروة. وهم: أبو قيس، الرجل العجوز الذي يحلم ببناء غرفة في مكان ما خارج المخيم، وأسعد: الشاب الذي يحلم بدنانير الكويت وبحياة جديدة، ومروان: الصغير الذي يحاول أن يتغلب على مأساته المعيشية، فشقيقه في الكويت تركهم دون معيل لأن والده ترك أمه ليتزوج بامرأة تملك بيتاً عليه إذن أن يعيل العائلة فيقرّر الوصول إلى الكويت.
واشار في مداخلته الى ان مصطلح التّهجير طرد الناس من بيوتهم أو قراهم.
ويعرّف بأنه ممارسة مرتبطة نوعا ما بالتطهير المتعصب تجاه مجموعة عرقية أو دينية...
وقد يطلق عليه مصطلح "التّهجير القسريّ وهو "ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها مثل ما حصل في يوغسلافيا السابقة وفي رواندا حيث سيق المتهمون إلى العدالة الدولية لنيل جزائهم العادل بينما يغضّ الطّرف عمّا حصل ويحصل في فلسطين ليل نهار إلى حدّ السّاعة... والتّهجير القسريّ من الناحية القانونيّة يعتبر جريمة حرب في المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي.
ويواصل " استنادا إلى هذا التّعريف يتبيّن أنّ الهجرة تتمّ طوعا وتصبح تهجيرا حين يكون كرها. والتهجير وارد وبأشكال متعدّدة في رواية كنفاني "رجال في الشّمس"، يتمثّل شكل التهجير الأوّل في تعذيب فلسطينييّن إلى حدّ فقدان الرجولة الأمر الذّي يدعو بعضهم إلى مغادرة البلاد خوف العار مثل ما حصل لأبي الخيزران السّائق. أمّا الشّكل الثّاني فعبارة عن طرد فلسطينيّين من ديارهم إلى المخيّمات ليعيشوا حياة الذلّ والقهر والفقر.
والشّكل الثّالث حاجة ماسّة إلى النقود إمّا للخروج من المخيّمات لبناء ديار محترمة أو للزّواج أو تحمّل مصاريف العائلة بكرامة...
ويقول البروفيسود موديبو دانيو " اعتمادا على دوافع الهجرة المذكورة في أشكالها الثلاثة يمكن الاستنتاج بأنّ "رجال في الشمس" لم يهاجروا طوعا وإنّما غادروا فلسطين كرها تحت ضغط كبير متعدّد الأبعاد سياسيّ واجتماعيّ واقتصاديّ... وهذا يجعل أمرهم تهجيرا وليس هجرة. ومشروعهم قيميّ بالأساس، خرجوا باحثين عن القيمة (المال) والقيم (المبادئ والأخلاق والكرامة) فدفنوا في الرمال الحارقة بالشّمس ومعهم طموحاتهم.
اما الباحث والكاتب اليمني مجيب الرحمن الوصابي فقد شارك في الفعالية بمداخلة بعنوان " الرمز في قصة الصغير يذهب الى المخيم لغسان كنفاني" اشار فيها الى تميز القصة بالحضور المكثف اللافت للمروي له/عليه والمتعمّد، فيتكرر أحدَ عشرَ مرة في هذه القصة على العكس من أعماله القصصية الأخرى عند المقارنة، ولا يحضر المُخاطب الغائب في هذه القصة إلا مرتبطا بزمن الاشتباك.
ويستنتج الوصابي أن المخاطب هنا الذي يروي له الكنفاني هو التاريخ... يوثق شهادته للأجيال وهي شهادة الحاضر والماضي والمتنبي من إرهاصات الواقع أو مقدماته لما ستشهده الساحة الفلسطينية العربية من صراع (اشتباك) بالنسبة للشخوص في هذه القصة في تغدو رموزا اختزالية وفي القصة " كل الاجيال".
وقال "يمكن تقديم قراءة متعددة لكل شخصية في دلالته الرمزية الجد وأميته وجرائده الصفراء، الشرطي وحذاءه، أبناء العم الفتى المغامر والعنيد، عصام القوي والزعيم، الآباء السلبيين، وهي شخصيات متعددة الدلالات الرمزية ومفتوحة على مختلف التأويلات، وهنا تكمن براعة غسان كنفاني".
وقال الباحث اليمني الوصابي" إنّ غسان كنفاني يقدم في هذه القصة في بعده الرمزي شهادة تاريخية توثيقية لتاريخ الصراع العربي الصهيوني والعربي الفلسطيني البيني..... بل رؤية استشرافية يمكن أن نؤولها في زمن الاشتباك والجوع واللهث الذي يصفه بالغريزي بعد الجاه والمال".
وقد أعقب تقديم المداخلات نقاش معمق شارك فيه الحضور بفاعلية ملفتة، بحضور عدد من أعضاء مجلس النواب التونسي الجمعة الماضية.