بينما تتحول بعض المتطلبات إلى عائق أمام الفتيات للإلتحاق بالدراسة، صنعت مدرسة ريدان حلاً.. إليكم القصة
السبت 30 سبتمبر ,2023 الساعة: 12:57 مساءً
الحرف28 - نهى الكازمي

 دائمًا ما كان الفقر رديفًا للحرب في المجتمعات الناميّة، وهو أحد الأسباب الرئيسيَّة المؤدية لتوقف الفتيات عن مواصلة تعليمهن؛ وذلك بسبب عدم تمكن أُسرهن من استيفاء مستلزماتهن المدرسيَّة.
وبحسب إحصاء لليونسف فـ(هناك 129 مليون فتاة خارج المدارس،32 مليون منهن في سن المدرسة الابتدائية، و30 مليون فتاة في سن المدرسة الإعدادية، و67 مليون فتاة في سن المدرسة الثانوية العليا ، في البلدان المتأثرة بالنزاعات، تزيد احتمالية ترك الفتيات للمدارس بمقدار الضعف مقارنة بالفتيات اللاتي يعشن في البلدان غير المتضررة). 
يُعد المُجتمع بمختلف مؤسساته (المدرسة، ومجلس الآباء، والجمعيات المجتمعية...إلخ)، رافدًا أساسيًّا يدعم بقاء واستمرار الطالبات في التعليم.  

   في اليمن الذي يشهد حربًا انعكست أثارها على مختلف الأصعدة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، يُشكّل انقطاع الطالبات عن التعليم تحديًّا حقيقيًّا للمجتمع، لاسيما في المدن الحضرية التي يُعد فيها التعليم أولويّة أساسيَّة للفتيات في المدارس الحكوميّة.
ومع نزوح الأُسر من مناطق الصراع إلى المناطق الآمنة كمدينة عدن، أصبح توفير المستلزمات الدراسيَّة كالزي المدرسي والتغذية، إشكالية لا تستطيع الأُسر حلّها.
 فقد ارتفعت أسعار الملابس المدرسيَّة بشكل مضاعف حيث ووصل سعر البالطو مع البنطلون لمرحلة المتوسط، 30 ألف ريال يمني، (21 دولار) – أي ما نسبته 50% - من راتب رب الأُسرة الذي لا يتجاوز60 ألف ريال يمني. 
وبلغت أسعار الفساتين البيضاء (زي الصفوف الأولى للطالبات بعدن) ما بين 6000 ألف، إلى 8000 ألف ريال يمني، هذا بالإضافة إلى بقية المُستلزمات المدرسية التي تحتاجها الطالبات. 
 تجد الأُسر المتوسطة والمعدومة الدخل نفسها غير قادرة على استيفاء احتياجات بناتها؛ للذهاب إلى المدرسة.
فقبلًا كان شراء المستلزمات الدراسية للطالبات، هو الحل الذي تتبعه الأُسر لتوفير المستلزمات المدرسيَّة، ونتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة اليمنية، وارتفاع الأسعار؛ بسبب الصراع لم يعد في مقدور الأُسر توفير الزي المدرسي لبناتهن. 
 تقول رجاء قحطان (مديرة مدرسة ريدان للبنات في مُديريَّة المعلا بعدن): " بعض الأُسر، والجمعيات وفّرت المستلزمات المدرسيَّة للطالبات بجهد شخصي، ولكن هذا الحل محدود وغير مستمر".  


جهود إدارية ومشاركة مجتمعية  
  عملت إدارة مدرسة ريدان على تجاوز عقبة توفير الزي والحقيبة المدرسية والوجبة الغذائية للطالبة من خلال تبني توجه مُجتمعي وحل جمعي تشارُكي، يقوم على خط اتصال بين المدرسة والطالبات وأولياء الأمور والمؤسسات المجتمعية؛ بهدف الحفاظ على استمرار الطالبات المُستهدفات تلقي تعليمهن في المدارس وعدم انقطاعهن عن التعليم.  
 أخذت مدرسة ريدان على عاتقها وبدعم داخلي ومجتمعي شراء المُستلزمات المدرسية للطالبات من ذوات الدخل المعدم وبطريقة منظمة وسريَّة، حيث تُجمع المعلومات الأُوليَّة منذ تقييّد الطالبات في مرحلة الصف الأول الابتدائي، ودراسة الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأُسر الطالبات المُستهدفات.
  وتمكنت إدارة مدرسة ريدان من دعم 40% من أجمالي عدد الطالبات التي يزيد عددهن عن ألف طالبة مع بداية كل عام دراسي. 
وجاء هذا الحل كنتيجة لتظافر الجهود المشتركة؛ لتوفير وتنظيم عملية توزيع المستلزمات المدرسية للطالبات في كل عام وبانتظام، بتوجيه من الإدارة والجهة المخوّلة بالإشراف في المدرسة، ما نتج عنه التخفيف من أعباء الأُسر المادية، وتمكين الطالبات من الاستمرار في العملية التعليمية.

 البحث عن الزي للطالبات
   تقول مديرة مدرسة ريدان للبنات في المعلا " في عام (2005) كانت فكرة دعم الطالبات تتمركز حول تقديم وجبة غذائيَّة للطالبات، وهي مبادرة مجتمعية تشارُكية تقوم بها المدرسة بمعيَّة الأهالي. وتحوَّلت هذه الفكرة إلى مُبادرة طموحة تسعى لدعم الطالبات بالزي المدرسي، والمستلزمات المدرسية التي تحتجنها للاستمرار في العملية التعليمية. 
تضيف أ. رجاء " منذ 2015 عُدّ توفير الزي المدرسي للطالبات ضرورة ملحة؛ نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي، والنزوح من مناطق الحرب الذي شهدتها اليمن إلى عدن، مما نتج عنه ارتفاع عدد الفتيات اللواتي يحتجن للدعم".
توعية للمجتمع من المسجد والمدرسة
    بدأ أئمة المساجد بتقديم مُحاضرات توعوية للأهالي، تُبين أهميَّة صلة التراحم بين الناس والتكافل، كما قدّمت المدرسة التوجيه والارشاد للتلميذات عن أهميَّة التكافل والرحمة والتواصل فيما بينهن، وتنمية الصفة التشاركية لديهن من بداية الصفوف الأولى.
هذا بالإضافة إلى قيام المدرسة باستضافة الأمهات؛ لإقامة محاضرات توعوية عن أهمية دعم التكافل المجتمعي بين الأهالي.
 وتؤكد أ. رجاء " بدأت المشاركة بين مجالس الآباء والأمهات؛ لتوصيل الرسائل ولشرح أهمية دعم الطالبات كُلًا في مجال اختصاصه، ويتولّى مجلس الآباء تقديم فكرة واضحة عن حال المدارس وعدم استمرار بعض الفتيات بالدراسة؛ بسبب عدم توفير المستلزمات الدراسية). 
400 طالبة يحصلن على الزي مجانًا
تُسهم المبادرات المُجتمعية ( مجلس المدرسة، مجلس الآباء، الجمعيَّات المُجتمعية) في مدرسة ريدان في حشد الموارد؛ لدعم استمرارية تعليم الطالبات، وبناءً على هذا الحل التشاركي المُجتمعي تمكنت الفتيات وفي كل عام من اكمال انتقالهن السلس في المراحل التعليمية أُسوة بزميلاتهن الأُخريات.   
يتجاوز عدد الطالبات في مدرسة ريدان 1000 ألف طالبة، ويصل عدد المستفيدات من توفير الزي المدرسي والتغذية حوالي 40% (400) طالبة.
وتؤكد أ. رجاء قحطان أن إدارة المدرسة تسعى بمعيَّة مجلس الإباء والمتبرعين والجمعيات الى رفع نسبة المستفيدات إلى 65% من المجموع الكلي للطالبات، ما يعني تغطية أكبر للطالبات المُستهدفات".  

مجلس طُلابي لرصد احتياجات الطالبات
تقول مديرية مدرسة ريدان (أ رجاء قحطان): " يبدأ التنسيق للموضوع منذ البداية عبر المجلس المدرسي، والذي يتكون من الإدارة والإشراف والمدرسات المعنيات، وعدد من الطالبات المختارات ليمثلن المراحل التعليمية المختلفة.
في البدء يتولى المجلس الطلابي مُهمة الجلوس مع زميلاتهن والقيام بعملية الرصد الداخلي للحالات والاحتياجات المدرسية لزميلاتهن، بشكل منفرد وهذه الخطوة تُشرف عليها إدارة المدرسة، ومن ثم تُرفع المتطلبات إلى الإدارة المدرسية.
تأتي مرحلة طرح الاحتياجات على مجلس الآباء والأمهات، ومن ثم ترفع رسائل إلى الجهات المتعاونة وإرسالها مع أعضاء مجلس الآباء كُلًا في مقر عمله، وهؤلاء جميعًا يتشاركون في البحث عن مصادر لتغطية احتياجات الطالبات من المستلزمات الدراسيَّة (الزي المدرسي، الحذاء، الحقيبة المدرسيَّة)".
وتؤكد قحطان ان الحل تشاركي يبدأ داخليًّا (مجتمعي خاص وعام)، ويُسهم أولياء الأمور، والأهالي كلًا بحسب مقدرته في المساعدة، والذي يُشكل ما نسبته 10% من إجمالي الدعم) 
وتُضيف اعتماد عبد الوالي (المُشرفة الاجتماعية في المدرسة)، " نعتمد على الطالبة نفسها وولي أمرها، بالإضافة إلى مُربيات الفصول؛ لرفع كشف نتمكن من خلاله من تحديد الحالات الفردية وحجم الاحتياج، كل ذلك يتم بالمُشاركة مع المديرة والمجلس الطلابي، مع وجود صلاحية كاملة للإشراف بمتابعة الحالات المُسجلة".       
   إلى جانب توفير الزي المدرسي الجديد وشراء المستلزمات المدرسيَّة، تعمل المدرسة على تثقيف الطالبات وتوعيتهن بأهمية المبدأ التشارُكي وتحويله إلى سلوك لدعم زميلاتهن في المدرسة، وذلك من خلال مشاركتهن الفاعلة في المجلس الطلابي المُشارك في تقديم الرصد والجلوس مع زميلاتهن، والرفع باحتياجاتهن.  
وهذا ما يدفع الطالبات نهاية كل عام بتسليم زيهن المدرسي المُوحّد في اللون، والقصة طوعًا بعد تخرجهن من الصف التاسع وانتقالهن إلى مرحلة الثانوية العامة. وعن ترتيب هذه الخطوة وتنظيم ها. 

قالت أسماء علي (الوكيلة الفنيَّة): " يُسلّم الزي إلى المُعلمات المعنيات بمتابعة ذلك، وبالنسبة للطالبات فإنه يتم توجيههن إلى تتبع الحالات الخاصة بزميلاتهن وهن جزء أساسي في إتمام عملية الرصد، والمدرسة تدعم هذا الجانب لدى الطالبات منذ البداية، وتوجههن إلى ضرورة التكافل مع زميلاتهن". 
 
وأضافت " وعلى الرغم من أنه لا يمكننا تحديد حالة الرصد بشكل دقيق لاحتياجات كل الطالبات في بداية العام الدراسي؛ بسبب توافد الطالبات المُنتقلات، والنازحات المتأخرات إلَّا انه أصبح لدينا مخزون مقبول من المستلزمات والزي المدرسي يُمكننا من أن نغطي الحالات الأشد احتياجًا). 
وعن متابعتها لتسليم الزي تقول ارتزاق إسكندر (مُدرسة اللغة العربية لمرحلة الصف التاسع): " بالنسبة لتسليم الزي المدرسي للطالبات المُتخرجات من الصف التاسع- على وجه الخصوص- فيبدأ من بداية العام الدراسي، نحن نقوم وفي كل حصة على حث الطالبات على تسليم زيهن المدرسي نهاية العام الدراسي- في حال عدم احتياجهن له-، كما نُذكر الطالبات بذلك على صفحة المدرسة على الفيس بوك". 
وأضافت " هناك مرونة في التعامل مع الزي المدرسي بشكل عام حيث يُمكن للطالبة أن تأخذ أكثر من مقاس إلى منزلها وتختار الزي الذي يناسبها، وقد يُصادف أن يتأخر زي طالبة أثناء خياطته، ومع هذا لا يجد أولياء الأمور حرجًا من طلب الزي المدرسي من مخزون المدرسة مؤقتًا؛ وذلك حتّى تتمكن بناتهن من الالتزام بقوانين المدرسة الحازمة فيما يخص ضرورة التزام الطالبات بالزي المدرسي الموّحد).
وهو ما أكدته أ فاطمة عبد العليم (مُدرسة الرياضيات لمرحلة الصف السابع): " هُناك تلقائية في الموضوع ممكن أي طالبة محتاجة تطلب من معلمتها لا توجد حواجز بيننا وبين طالبتنا)، فيما أضافت فولينا فؤاد ( مُدرسة التربية الإسلاميَّة لمرحلة الصف التاسع): " أقوم بتوزيع الدفاتر على الطالبات وأتنقل بين الصفوف من تحتاج دفاتر تُبلغني، لا يوجد ما يستدعي الحرج).
إن التركيز على تبني مُبادرة مدرسة ريدان لتوفير الزي المدرسي والمُستلزمات المدرسيَّة للطالبات وتناقلها بين المدراس سيُسهم في حل ظاهرة تسرّب الطالبات من المدارس، وسيدعم التكافل بين البيئة المدرسية، والمجتمع الشريك؛ لتوفير وسط تعليمي مناسب للطالبات ودعمهن لمواصلة تعليمهن.  

 تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي
  


Create Account



Log In Your Account