العقلية السلفية في نقل شعارات العلمانية
السبت 18 أُغسطس ,2018 الساعة: 08:18 صباحاً

كنا من قبل نقول للسلفيين الذين يقولون أنهم يقتدون بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام في لباسه وطريقة أكله ومشيه ونحو ذلك: أن الرسول  كان يلبس ما يلبس قومه ويأكل ويشرب بالطريقة المعروفة في مجتمعه، والإقتداء الصحيح بسنة الرسول هي أن نلبس ما يلبسه الناس في عصرنا، ونعيش وفق متطلبات السياق الاجتماعي الذي نعيشه.
واليوم، نقول هذا الكلام بصيغة أخرى لمن يرغبون بنقل شعارات حزب أردوغان  العلمانية من السياق التركي الى السياق العربي؛ فالجميع يدرك أن حزب أردوغان حزب ذو مرجعية إسلامية، و  يعيش في سياق مرجعي علماني، يفرض عليه العمل ضمن سياقه، و إعادة تفسير العلمانية حسب ثقافته المرجعية حسب الإمكان.

وفي المقابل هناك أحزاب ماركسية وعلمانية عربية تعيش في سياق مرجعي، يفرض عليها عدم رفع شعار العلمانية وتقديم برامجها بصورة لا تصطدم بمرجعية المجتمع الدينية، وتضطر أحيانا لإعادة تفسير المرجعية الدينية بصورة تتفق مع اأيديولوجيتها، فالمثقف العلماني العربي  الذي يستشعر مسؤوليته العضوية في التغيير، و يدرك أنه يعمل في السياق العربي ، يعمل ضمن منظومة دستورية وضغط شعبي يجبره ولو كان ملحدا  على تبني مفاهيم تنسجم مع السقف المرجعي لمجتمعه. 
والمثقف الإسلامي العضوي في بلد مثل  تركيا مثلا، يعمل في منظومة دستورية وضغط شعبي يجبره على رفع شعار العلمانية و يضطر لإعادة تفسيرها حسب ثقافته المرجعية  والجميع يبحث عما يقربه من الناس ويساعده على التوغل في الوجدان الجماهيري ، على عكس من يرفع مصطلحات وشعارات لا تعمل إلا على زيادة الهوة بينه وبين الجماهير.
وفي جميع اﻷحوال، فإن هذه المقاربات السياسية مع ثقافة المجتمع المرجعية تظل مقاربات ذكية ومعرفية وهي بكل تأكيد أعمق من الطريقة السلفية في النقل الحرفي للمصطلحات والمفاهيم  من التاريخ العربي حسب العقلية السلفية العربية الدينية، أو من التاريخ اﻷوربي حسب العقلية السلفية العلمانية، فالجميع يبحث عن سلف ونموذج جاهز ويعتقد أنه ما ترك اﻷول للآخر من شئ وليس في الإمكان أبدع مما كان، ولا تقبل هذه العقلية الحرفية  إمكانية وجود نماذج جديدة ومركبة من إبداع العقل المتفاعل مع واقعه.

و الإبداع في أعمق تجلياته، الجمع بين النقيضين وإيجاد المشتركات بين الظواهر المتنافرة. وهنا أود التأكيد على سبق لي ذكره في صفحتي على الفيس بوك: إ دولة المسلمين أو دولة الأغلبية المسلمة سيحضر فيها الدين إلى المجال العام بالضرورة شئنا أو أبينا، والمسؤولية الأخلاقية تحتم علينا الحديث عن إشكالية صورة هذا الحضور، ومدى استصحابها لتصورات وتطبيقات تاريخية، تتعارض مع متطلبات واقعنا أو تعيق التطور العلمي أو تهدد السلم الاجتماعي و قيم التعايش أو تنتقص من حقوق الإنسان، والحديث عن الحل العلماني لهذه الإشكالية في تصوري حديث رومانسي تبسيطي  ومجرد هروب من وجع الإعمال العميق للعقل، للبحث عن حلول من داخل النسق الإسلامي نفسه، وأعتقد أن فضاءات الحرية والأجواء الصحية التي تتوفر للإسلاميين في تونس والمغرب كفيلة بتطوير إجابات تأصيلية ناضجة لهذه الإشكالية.
 وحول إشكالية مصطلح العلمانية نذكر هنا ما أكده  المفكر العربي الكبير محمد عابد الجابري أن هذا المصطلح  في الحقل العربي الا
إسلامي، مصطلح مزيف و لن يكتب له النجاح ونتمنى من  جميع محبي قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتعايش،  عدم ربط هذه القيم الجميلة بمصطلح  ملتبس له ألف معنى ومعنى، ولا معني لاستحضاره، إلا استحضار صراع له تراكمات تاريخية ملتبسة تعرقل إستيعاب القيم استيعاب طبيعي وفقاً لمنطق الحاجة الطبيعية.


Create Account



Log In Your Account