خاطرة عن الفضول في ذكراه
الإثنين 07 يوليو ,2025 الساعة: 04:27 مساءً

عبد الله عبد الوهاب الفضول، شاعر الأرض والثورة والجمهوري الأصيل والفيلسوف الجميل، لم يكن شاعرًا تقليديًا، لقد كان نسيجًا مختلفًا. يستطيع أن يجمع خيوط الشمس، وهبوب النسيم، وخرير الماء، وألوان الزهور، وريش الطيور، وخمرة التربة، وحركة الرعاة وعلاقتهم بالأغنام والماشية في البير والساقية. يرص كل مفردات الأرض وألوان الربيع مع غمام الفجر وحزن الأصيل وبرد الشواجب وشجن الإنسان وحنينه، وينسج كل هذا بلغة رقيقة وكلمات بسيطة سهلة ممتنعة، قمة في الجمال، ليعبر عن الإنسان المرتبط بالأرض والزرع والمطر والطير والماشية.

بعد أن ينفخ فيها روحه الصوفية العاشقة للأرض ومفردات الصيف، ثم يدور بجذبة عبقرية لا يتقنها غيره. ولهذا أصاب الأديب عبد الرحمن بعكر عندما وصف الفضول بأنه شاعرًا لألف عام، فهو بارتباطه بالأرض والزراعة والإنسان إنما سافر مع الرياح اللواقح ليغوص في مشاعر الآباء والأبناء ألف عام للماضي وألف عام للمستقبل، ليكون شعر الفضول صورة من صور السفر عبر الزمان. واكتملت الصورة مع أيوب طارش لحنًا وصوتًا، فهذا الصوت واللحن هو أيضًا كان على موعد مع قارب الزمن عبر الرياح القادمة بأنفاس الأجداد، ذهابًا بكل هذه المشاعر الفلسفية البسيطة إلى المستقبل.

وما المهاجل والاهازيج الزراعية الموروثة إلا تعبيرًا عن حنين الإنسان وارتباطه بالأرض وشمس الصبح والمغارب وبرد الظل والسواقي، بل هي أنفاس الآباء والأجداد بذاتها يتناقلها الأبناء لتطل في كل صباح وكل موسم. 
شعر الفضول  فلسفة عبقرية أهم ميزته ببساطته وملامسته للمشاعر عن طريق عمق العلاقة بالإنسان بما حوله من الأرض والطير والمطر، فالجميع هنا مخلوقات ترتبط بعلاقة حميمية مع الإنسان وتدخل معه بحوارات معمقة وطويلة تجسد الأشياء وتجعلها ناطقة قريبة للإنسان يحبها وتحبه، تزاحمه الحنين والشجن ولغة المشاعر.

وحيث مرّ الغيم والسيل سال، إذا رآني الورد قال لي تعال خذ لك ندى عندي وخذ لك ظلال يكفي ظما خلي الظما للرمال.

عبقرية مجسدة في كلمات أهم ميزاتها سهولة ممتنعة، يتداخل فيها الأحزان والأفراح، الدموع والبسمات، مع غموض يزيد الإنسان شوقًا إلى السفر عبر الزمان طلبًا لأن يضع المسافر عصاه في دكة الخلود المنقوشة في الروح.


Create Account



Log In Your Account