الثلاثاء 02 يوليو ,2024 الساعة: 06:29 مساءً
هذا هو العام العاشر، وما زال القائد السياسي اليمني البارز محمد قحطان مختطفاَ.
الأكثر مأساوية هو أن مصيره غير معلوم، وأن التنكيل، الذي طال الرجل، بلغ أسرته أضعافه وهم يحاولون الوصول إلى معلومة!
كل الطرق لم تؤدِ إلى الكشف عن مصيره؛ لا القرار الدولي لمجلس الأمن أفلح في إجبار المليشيا الحوثية على الإفصاح عنه، ولا جولات التفاوض الحكومية الليِّنة، ولا حتى الاتفاقيات المبرمة برعاية دولية أفضت إلى نتيجة بشأنه.
قحطان مشمول بالقرار الدولي 2216 الأشهر والأهم، الصادر عن مجلس الأمن في 2015. ينص القرار على الإفراج عنه وعن ثلاثة آخرين؛ هم وزير الدفاع الأسبق، محمود الصبيحي، وناصر منصور هادي وكيل جهاز الأمن السياسي في عدن وأبين، والقائد العسكري فيصل رجب، بلا شروط.
هؤلاء الثلاثة الأخيرون أٌسروا أُثناء المعارك مع المليشيا في عدن، وخلال فترة أسرهم الطويلة كانت المعلومات بشأن مصيرهم متاحة، وفي سنوات لاحقة للأسر مُكنت عائلات البعض منهم من التواصل معهم، قبل أن تقرر المليشيا الإفراج عنهم ضمن صفقة كبيرة شملت نجل طارق صالح قبل أكثر من عام.
غير أن المليشيا تحتفظ لقحطان بعداء من نوع خاص، عداء لا يراعي أي قيمة دينية أو عرفية أو قانونية، يقوم على الحقد الطائفي والضغينة التي لا تملك سبباً للتنكيل بالرجل وترويع عائلته سوى الضغينة بكل نقائها الأسود!
إن الرجل المخفي قسراً هو أبرز مختطف سياسي اقتادته المليشيا عنوة من منزله، كما فعلت مع آلاف المدنيين، بينهم ناشطون وإعلاميون. لم يكن يقاتل في الميدان، وجرى اختطافه قبل اشتعال الحرب وقبل "العدوان" بالتعبير الحوثي الذي صار يتحدث عن "الأشقاء في المملكة"، لكنه يحتفظ بالعداء لسياسي يمني أعزل على نحو ربما يثير "أخلاق" وحمية العصابات الإجرامية واستنكارها!
لا سبب مادي ظاهر للتعامل مع الرجل بهذه الغطرسة والإرهاب، حتى انتماؤه لحزب الإصلاح ليس سبباً كافياَ، فقد اختطفت المليشيا كثيرا من القيادات، وأفرجت عنهم، ما عداه.
الأهم هو أن سلطة هذه المليشيا أفرجت عن جميع أسرى "العدوان"، الذين قاتلتهم في الجبهات، وأكرمتهم، لكنها ترفض الكشف عن مصير سياسي اختطفته من منزله، مفصحة عن عداوة من نوع خاص لرجل لم يكن يملك ما يدافع به عن نفسه.
خلال فترة الإخفاء القسرية الطويلة للرجل، تفننت المليشيا في التنكيل بعائلته والتلاعب بمصيره. في السنوات الأولى، روّجت أنه قُتل في قصف للتحالف عندما كانت تستخدم المختطفين دروعاً بشرية في مخاون أسلحة كما حدث مع السياسي الإصلاحي "أمين الرجوي" والإعلاميَّين قابل والعيزري، وجميعهم استشهدوا في جريمة وحشية مشهودة.
لاحقاً أوحت بأنها قد تطلق سراحه من خلال "فدية" مالية كبيرة، كما فعلت مع كثيرين، لكنها عادت لاحقاً لترويج مقتله، وخلال العامين الأخيرين هندست خطاباً يشير إلى إمكانية التفاوض بشأن مصيره!
هذا التعذيب النفسي، والترويع للعائلة، لم يكن ليثير حفيظة أحد. حافظت البعثة الأممية في اليمن على جمودها الوظيفي المائل، كهيئة معنية بالضغط لتلبية طلبات الحوثي، ورابط التحالف عند عدم اكتراثه أو استمتاعه بإخفاء الرجل الذي كان صوته عالياً إبان انتفاضة 2011 ، أما "الشرعية" فقد تمسكت بوظيفتها الأثيرة: مجيب آلي لما يريده التحالف، وضغوط الأمم المتحدة!
قبل أيام كانت "الشرعية" قد قطَّبت وجهها وفعلت ما يفترض أن يكون قد حدث قبل 9 سنوات: اشتراط الكشف عن مصير قحطان قبل الدخول في أي مفاوضات بشأن ملف الأسرى والمختطفين في مسقط، وهو أقل من الحد الأدنى من مسؤولياتها.
هذه التقطيبة لم تصمد حتى لبضعة أيام ثم سرعان ما تبددت على وقع ما بدا أنها تقطيبة وجه سعودية مضادة، أجبرتها على التنازل والذهاب إلى التفاوض بدون شروط.
بدا الأمر وكأن لدى السعودية مطالب خاصة عاجلة النفاذ؛ أحدها الإستجابة لجدول مفاوضات حوثي ملح في الجانب الاقتصادي لمقايضته بالأسرى على وقع تهديداته العسكرية، وإحياء خارطتها المتعثرة.
الإخفاق في التوصل لأي معلومة حاسمة بشأن مصير سياسي بارز مشمول بقرار لمجلس الأمن، للعام العاشر، لا يعكس فحسب فداحة نهج الشرعية وضعف قدرتها على توظيف ما لديها من أوراق بما في ذلك أسرى كبار من عناصر المليشيا، بل غياب الأولويات اليمنية المحرِّكة لفعاليتها، وتلك الإنسانية منها على وجه الخصوص كما هو حال قضية قحطان.
بالنسبة للأمم المتحدة، وبعثتها وهيئاتها العاملة في اليمن، فقد أظهرت أنها ليست أكثر من أدوات تتحرّك كظلال لمواقف الكبار الدولية، وقنطرة لعبور المساعدات للحوثي، حتى إن حملة الاختطافات الأخيرة في صنعاء، التي طالت بعض موظفيها، لم تساعدها على ضبط بوصلتها الأخلاقية، بل بدت أكثر ميلاً إلى الاستمرار في العمل لمصلحة الحوثي.
وفي سجل البعثة ما يرقى إلى الفضيحة، فقد تورَّطت بتحويل المختطفين المدنيين على يد مليشيا الحوثي إلى أسرى، وأشرفت على مبادلتهم بمقاتلين للمليشيا، كما حدث مع الإعلاميين، ومدنيين آخرين.
ورغم تقارير لجنة الخبراء، التابعة للأمم المتحدة، التي أكدت إشراف "عبدالقادر المرتضى" على حفلات تعذيب المختطفين، نفسياً وجسدياً في سجون المليشيا السرية، ووثقت شهادات حية للضحايا، فإن بعثة الأمم المتحدة في اليمن تتعامل معه بشكل رسمي وتحتفل به كرئيس للوفد التفاوضي الحوثي في ملف الأسرى والمحتطفين!
إن ما فعلته الأمم المتحدة في الملف اليمني هو شرعنة الإرهاب الحوثي بحق الصحفيين والإعلاميين والمدنيين، وهي تتجاهل تقارير منظمات حقوقية دولية مرموقة تصف هذه المليشيات بأنها "داعش" أخرى!
ومؤخراً، مارست البعثة الأممية ضغوطاً للذهاب لجولة مفاوضات بشأن الأسرى والمختطفين، ولم تلتفت لمطالب الكشف عن مصير السياسي قحطان، رغم أن وظيفتها تحتِّم عليها، في حدها الأدنى، العمل على تنفيذ بند إنساني وحيد في أشهر قرار لمجلس الأمن الدولي في القضية اليمنية.
كتبت فاطمة -ابنة السياسي المخفي قسراً قحطان- نداءً للمبعوث الأممي إلى اليمن علّها تجد ضميراً يقظاً: "أبي مخفي ظلماً بسبب أنه سياسي، وأنشد في المبعوث الأممي إنسانيته، وأخاطب فيه ضميره الإنساني، بأن يستشعر ألم ابنة تعيش، منذ قرابة 10 سنوات، لا تعرف عن أبيها شيئاً".
هذه المناشدات من العائلة المكلومة والمنظمات نفسها مستمرة، منذ قرابة العشر سنوات، وكان ضمير البعثة والمبعوثين -على مختلف مسمياتهم وجنسياتهم ودياناتهم- تنتمي إلى ذلك الصنف من الضمائر المعطوبة، التي تشغل الوظائف في مبنى "الدعارة القديم" بنيويورك!
إن قصة قحطان ليست فقط واحدة من أشهر جرائم الإخفاء القسري الحية في البلد، بل هي عنوان تواطؤات وترويع وقسوة وتوحش وإرهاب حوثي يحظى بالدلال والدعم الأممي والدولي، وفي المقابل لا يمتلك اليمنيون حكومة قوية وفعًالة لمجابهته.
--------------
نقلا عن موقع قناة بلقيس