الثلاثاء 16 يوليو ,2024 الساعة: 08:45 مساءً
عودة زخم الشارع إلى المعادلة السياسية المختلة، التي تمضي منذ عشر سنوات دون اكتراث بالناس، أمر مهم للغاية.
يجب أن يكون للشعب قوله الفصل حيال كل ما يقرره الآخرون، أو ما ينوون تقريره.
حريّ بالناس أن يعودوا إلى موقعهم الطبيعي في الضغط على السلطة لمنع السقوط وليس العمل كأداة ملحقة بها.
في هذه الأوقات العصيبة وقد بلغت الحرب أفقها المسدود، بعد عشر سنوات عجاف من فساد وضعف القيادة والارتهان للأجنبي بالطريقة التي أنتجت هذا الوضع المحبط، تظل كلمة الشعب هي الأخيرة.
طالما أن الناس العاديين ما زالوا يواظبون على تأكيد حيويتهم واستعدادهم، كما شاهدناه في محافظة تعز، للوقوف في وجه هذه الهرولة اليومية للحفر في قعر الهاوية، فالأمر يحتاج إلى ما هو أبعد من مساندة قرارات البنك المركزي وقيادته الصلبة.
نحتاج إلى الوقوف بصورة أكثر شمولاً أمام حالة الانهيار التام للبلد، وضداً على هيمنة الأطراف الخارجية، والتصرف بمصيره.
لا أظن أنه من الجيّد إعادة اجترار تجربة مهَّدت لهذا المآل المروّع، فالقيادة التي لا تحسن القيام بمسؤولياتها ليست جديرة بأي إسناد، بل هي أجدر بالجلد والرفض لتستقيم.
وظيفة القادة القيام بمسؤولياتهم الملقاة على عاتقهم في إنقاذ الشعب، واختراع الأبواب حين تُسد، وليس دفن رؤوسهم في الرمل، ليرفع الشعب رأسه بدلاً عنهم، فيواروا ضعفهم واستلابهم بصراخ الناس.
المسؤول الذي قبِل أن يكون في الواجهة عليه أن يملأ مكانه أو فليغادر. الشعب بحاجة إلى من يقود نضاله، ويقف معه، ويسند معركته؛ لأنه هو من يدفع الثمن الأفدح. ما يحدث مخزي: القادة يخذلون الناس، ثم يطلبون نجدتهم!
خروج الشارع لإسناد قيادته قد يكون مبرراً، فقط، حين تكون القيادة ممثلة لمصالح البلد العليا، وقد استنفدت كل الطرق لحمايتها، ثم قررت العودة إلى الناس لإظهار التماسك والقوة والإسناد الشعبي لتحركاتها وقراراتها، وليس الهروب من مواجهة مسؤولياتها، وتفريطها المستمر.
المعركة، التي يخوضها البنك المركزي، هي معركة سياسية أصلاً تتعلق بالتصرف بشأن سيادي، غير أن الأمر يبدو كما لو كان يحدث معزولاً عن أي إسناد أو إرادة سياسية لمجلس الثمانية، الذي ينشغل حصراً بالاستسلام لرغبات الخارج.
من المفترض أن هذه القرارات جزء من تحرك لاستعادة القرار السيادي للبلد بالمجمل، ورفض الارتهان، وجعل مصلحة البلاد واستعادتها من قبضة المليشيا الحوثية هي البوصلة.
الجيّد أن قرارات البنك المركزي، التي تتغيّ الإمساك بزمام السياسة النقدية، والملف الاقتصادي، وترتيب الوضع المالي للبلد، كجزء من مجابهة التخريب الممنهج لمليشيا الحوثي، أعادت التذكير بأن الشرعية المستلبة تخلت عن ممارسة سيادتها على هذا الملف طيلة عشر سنوات: من شرعية الرئيس "المؤسس للرخاوة" هادي، إلى مجلس الثمانية.
في كلا العهدين كانت "الشرعية" تفعل ذلك تبعاً لرغبات الخارج وضغوطاته، وهو ما ساهم في مفاقمة الانهيار الاقتصادي، وتمكين المليشيات أكثر من سرقة الناس بصورة علنية، وتدمير العملة، واقتصاد البلد، وإلحاق الأذى باليمنيين في كل مكان.
هذه الجريمة كان يجب أن تُفعِّل الورقة الشعبية باكراً لمساءلة هذه السلطة، ومساءلة القوى التي تكونها، وإعادة ضبط بوصلة الجميع نحو المصلحة الوطنية العليا، قبل أي شيء آخر.
لكن الجهد المنصرف لخلق معارك بينية كان قد جعل الفاعلين الإقليميين والدوليين يثقون أن قدرتهم على تمرير مشاريعهم باتت أسهل من أي وقت مضى.
هناك مَن هندس الوضع بالطريقة التي مزَّقت الكتلة اليمنية في مواجهة المليشيات الحوثية وسط الحرب، وكانت قابلية النُّخب اليمنية للارتهان واللعب كبيادق في إستراتيجيات المتدخلين تساهم في تشتيت هذه الكتلة وصناعة ألف لافتة ومطلب، قادت إلى خروج الورقة الشعبية عن الفاعلية.
هذا التمزّق لم يسعف أحداً للوصول إلى أي وجهة، بينما لحقت بالجميع هزيمة مؤكدة ومرّة في الحرب، وقاد الجميع إلى الانهيار الاقتصادي.
طوال هذه الفترة، كان الحوثي يدير كل شيء كمتمرد يحظى بإسناد وتواطؤ خصومه قبل دعم حلفائه، وسُمح له بمد يده إلى جيوب اليمنيين في أنحاء العالم لسرقة عرقهم.
من غير المقبول أن يستمر تغييب اليمنيين عن ما يطبخ لهم إقليمياً ودولياً فوق الطاولات وتحتها؛ لأنهم هم المعنيون، وليس أحد غيرهم، في تقرير مستقبلهم، ونبذ الصفقات والتسويات المغشوشة، التي تعيدهم إلى النقطة صفر.
أن يقفز الناس العاديون إلى الواجهة مجدداً لفرملة ما يُعد لبلدهم هو الخيار الأهم والأفضل على أن يكونوا قد استوعبوا كل الدروس السابقة للعمل كسوط في ظهر المسؤول، وليس صوتاً له يبرر انسحابه عن واجباته.
لقد جرَّبوا الخروج لمساندة الرئيس الضعيف قبل سقوط صنعاء، وأثناء الحرب، فخذلهم وقتلهم ببروده.
ليجربوا أن يخرجوا ضد تفريط الضعيف بوطنهم، سواء كان رئيساً فرداً أو مجلس قيادة جماعية، لحماية تضحياتهم؛ لأنهم هم المتضرر الأكبر في الحرب، وعند مداولات أوهام السلام.
مجابهة الحوثي تقتضي بالضرورة مجابهة الأدوات التي تمكِّنه من رقبة البلد، وليس هناك ما هو أهم من استعادة الإرادة الشعبية صوتها وسوطها لإمضاء فعلها في كل اتجاه.
لتقل كل شيء، وفي وجه الجميع: دفاعاً عن البلد في وجه مليشيا الحوثي، وفي وجه السلطة المهترئة الضعيفة، وضداً على الهيمنة والوصاية الخارجية، سواء كانت إيرانية أو خليجية.
----------
نقلا عن موقع قناة بلقيس