عن العلمانية وحقوق اﻹنسان  والدولة المدنية
الجمعة 24 أُغسطس ,2018 الساعة: 12:12 مساءً

هناك تساؤلات مهمة في  سياق الحديث عن مصطلح العلمانية والخلط بينها وبين قوانين تنظيم التعايش و تطور مبادئ وتطبيقات حقوق اﻹنسان في التجربة الغربية مقارنة بالتجربة الشرقية منها: كيف طورت التجربة الغربية سياجات قوية وحصينة للحقوق والحريات ولماذا فشلت التجربة الشرقية ؟

هل جاءت هذه العقود والقوانين مع العلمانية أو بعدها بعشرات السنين ؟

هل يعود ذلك إلى كون اﻹنسان الغربي أكثر خيرية من الإنسان الإفريقي او الآسيوي أو غيره؟

هذه ا التساؤلات  يحاول الإجابة عليها  بعض علماء الاجتماع   في التأكيد على ان التجربة الغربية طورت سياجات قوية للتعايش ﻷنها شهدت أقبح وأشنع انواع الصراعات التي قبرت الملايين في الصحاري واحرقت الملايين في حروب النازية و الفاشية والشيوعية والاستعمار  وأبادت السكان الاصليين في بعض الدول "وزرعت دولة عنصرية  في قلب الوطن العربي على حساب تشريد الملايين من السكان الاصليين" ووصلت الى  استخدام القنابل النووية ضد الشرق" هوريشيما نموذجا "ووصلت  في توحشها بعد اكتشاف أسلحة الدمار الشامل وصناعة ما يكفي لتدمير عشرات اﻷضعاف من أمثال هذا الكوكب الذي نعيش فيه؛   إلى مرحلة إما ان تكون وتحافظ على بقائها بتنظيمات صارمة للمواطنة والحقوق والحريات والعلاقات بعقود اجتماعية جديدة ومواثيق إنسانية محلية وعالمية متينة وحصينة،   أو الفناء في حروب دموية عنيفة.  

حدثت كل تلك الصراعات المريرة  التي انتهت بالحروب العالمية الكبرى والعلمانية كانت موجودة  قبل الاعلانات العالمية  عن حقوق اﻹنسان والعقود والمواثيق الداخلية والخارجية . 

أما في الشرق فيرى ماكس فيبر  أن الإنسان الشرقي كان أكثر عاطفية وروحانية و لا ينطوي على عقلية الإنسان الذئب ولم يتأثر بالأخلاق البروتستانتية التي ساهمت في تشكيل روح الرأسمالية  وأن الديانات الروحية في الشرق  بما في ذلك المسيحية الكاثولوكية الشرقية  تتسم بالزهد الروحي وتلتزم بحدود أخلاقية و عاطفية  لا يتجاوزها الإنسان الشرقي في صراعاته.

وبناء على ما سبق أعتقد هنا أنه في اليوم الذي سيتجاوز فيه الشرقي هذه الحدود ويصل إلى القاع الذي يستحيل معه البقاء  سيطور العقل الشرقي وسائل تنظيم قواعد التعايش من واقع تجاربه وواقع احتياجاته واعتقد هنا أن تجربة جنوب أفريقيا وتجربة الهند أفرزت تطورا ايجابيا ربما بصورة أكثر إنسانية ضمن سياقات صراعاتها الخاصة .

ومن واقع هذا التفسير الإجتماعي تتضح مشكلة النظرات الوردية للتجربة الغربية  عند بعض الحالمين الذين يتجاهلون السياقات التاريخية وينظرون إلى التجربة الغربية في تجلياتها الراهنة دون التأمل في الظروف التي أنتجتها وملابساتها الخاصة ونستنتج أن تطورات تجاربنا في الصراع ستفرز آليات حل هذه الصراعات وفق نماذج ستفرضها حاجاتنا الطبيعية وتنسجم مع مرجعياتنا الثقافية ومن هذه النماذج نموذج الدولة المدنية ونؤكد هنا أن مصطلح الدولة المدنية نحت عربي ابداعي تفاعلي ولد من رحم الربيع العربي بروحه التوافقية الجميلة والانقلاب على المصطلح او ربطه بمصطلحات صراعية؛  انقلاب على روح الربيع العربي .

ومن  غرائب غياب الكفاءة المعرفية في النقد والتتبع التاريخي المنهجي تصنيف بعض الأكاديميين في بعض الجامعات الاسلامية لمؤلفات في نقد وتتبع جذور مصطلح الدولة المدنية في الثقافة الغربية بطريقة تعسفية تقوم على إقحام تاريخ الدولة العلمانية بالدولة المدنية مع أن مصطلح الدولة المدنية معرفيا واكاديميا  لا وجود له مطلقا في قواميس علم الاجتماع السياسي الغربي فهو اشتقاق عربي اصيل جاء  في سياق جهود التوفيق وبناء أرضية للتعايش بين التيارين اﻹسلامي والعلماني ولا معنى للانقلاب على هذه الروح التوافقية وإثارة مصطلحات صراعية إلا إعاقة جهود التطوير ومسيرة التغيير ولن يستفيد من ذلك إلا أعداء التغيير .

وبالعودة إلى التفسير الاجتماعي السابق  نود التأكيد أن الاعتراض بأن هذا  التفسير لتطور التجربة الغربية في حماية حقوق الإنسان  واحتواء الصراعات لا يعد التفسير الوحيد للظاهرة،  اعتراض له وجاهته العلمية فلا يصح الاكتفاء بتفسير اجتماعي واحد للتجربة الغربية في تطويرها لمنظومة حقوق الإنسان  ولا ينبغي مثلا  تجاهل تأثير الصراع الماركسي الرأسمالي في الضغط على التجربة الليبرالية لإنتاج قيم وقائية لحماية الحرية الاقتصادية وامتصاص غضب العمال و الطبقات الفقيرة فضلا عن تأثير الثورة الصناعية وضغط الرأسمالية لتأمين حريات الاسواق واحتواء الصراعات الداخلية و عوامل متداخلة كثيرة لا يتسع المقام لعرضها في هذه التناولة .



Create Account



Log In Your Account