الأحد 06 أبريل ,2025 الساعة: 12:38 مساءً
في عام 1948، استُدعي مفتي القدس لإلقاء خطبة تاريخية حول الجيوش العربية. وعندما انصت إلى قادة تلك الجيوش، أطلق كلمات مؤثرة تحمل أبعادًا عميقة، حيث قال: "يا أيها الجيش، ليتك لنا". تعكس هذه الكلمات قلقه الجسيم من أن تلك الجيوش لم تكن مهيأة لمساندة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال، بل اتسمت بالتحفظ والريبة والتبعية.
إدارة الصراعات في اليمن
إن المتأمل في عقلية السياسيين اليمنيين عبر التاريخ المعاصر يدرك أنهم يديرون صراعاتهم عبر مرحلتين محوريتين:
المرحلة الأولى: تتبيل الخصم بالحوار والتقاسم
تُدار الصراعات في البداية من خلال صلصة تسويقية لتخميد الخصم بتقاسم السلطة، أو عبر لقاءات ونقاشات. خلال هذه المرحلة، يتحلى الجميع بعقلية الثعلب، حيث يسعى كل طرف لكسب الوقت نظرًا لعدم جهوزيته الفعلية وللاقتراب أكثر من الخصم.
المرحلة الثانية: الحرب والانقضاض والتصفية
بعد استنفاد كافة الخيارات، تأتي مرحلة الحرب والتصفية للاستحواذ على "الكعكة". وإذا نظرنا عن كثب، نجد أمامنا مواجهتين عسكريتين رئيسيتين: الأولى بعد الوحدة في عام 1994، والثانية بعد عام 2011، وكلتاهما ابتدأت بتقاسم السلطة ثم مؤتمر حوار ووثيقة عهد واتفاق وانتهت بالحرب.
الجيش اليمني بعد الوحدة: بين النظرية والتطبيق
تميز الجيش اليمني بعدة سمات جوهرية:
1.تعدد الأجهزة الأمنية وتداخل اختصاصاتها.
2. الطابع خالقبلي للقوات الع٤سكرية.**
3. الاحترافية والانضباط (مثل الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ومكافحة الإرهاب).
بعد الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، ورغم إعلان الوحدة الاندماجية، ظل الجيش بيد القوى المتوحدة حتى حرب 1994. بعدها، تم تفكيك الجيش ودمجه ضمن جيش العاصمة، كما أُحيل معظم ضباطه إلى التقاعد.
تركيبة الجيش اليمني
يمكن تلخيص تركيبة الجيش اليمني كما يلي:
جيش يتبع وزارة الدفاع:
مسؤول دستورياً عن حماية اليمن من الأخطار الخارجية وتأمين حدوده.
قوى أمن داخلي تتبع وزارة الداخلية:
تسهم دستورياً في الحفاظ على الأمن الداخلي.
بالإضافة إلى أجهزة ومؤسسات تتبع مباشرة رئاسة الجمهورية، مثل قوات الأمن المركزي ووحدة مكافحة الإرهاب، رغم انتمائها نظريًا لوزارة الداخلية. كما أن قوات خفر السواحل تتبع وزارة الداخلية، وليس القوة البحرية كما هو الحال في بعض الدول.
محطات مفصلية غيرت مسار أمن اليمن :
تتضمن المحطات الهامة التي أثرت على مسار الأمن في اليمن:
الاحتفال بالعيد العاشر للوحدة:
عكس هذا الإحتفال مخاوف دول الجوار وأثار حفيظتها بسبب العرض العسكري الذي فاجأهم بعَدَّته وتنظيمه.
نظرية الحرمان والتهميش:
أدت إلى تصاعد العنف، حيث سعى الرئيس السابق علي عبدالله صالح لبناء جيل جديد من الضباط من أقاربه والموالين له، مما أدى إلى انقسام في صفوف الضباط القدامى وقوى سياسية أخرى شعرت بالحرمان والتهميش.
التغيرات الدولية:
تزامنت كل تلك الاحتقانات اليمنية مع تغييرات في خريطة القوى الدولية والإقليمية، التي كانت تريد يمنًا ضعيفًا مما عجل بالانفجار بين الأخوة الأعداء وتقسيم اليمن.
إصلاح الأجهزة الأمنية وفقًا للرؤية الخليجية
في 19 ديسمبر 2012، أصدر الرئيس هادي قرارًا بإعادة هيكلة الجيش ووزارة الدفاع، حيث تم تقسيم الجيش إلى وحدات برية وبحرية وجوية وحرس حدود، وتم إنشاء ثلاثة أجهزة جديدة: قوات الحماية الرئاسية، قوات العمليات الخاصة، ومجموعة الصواريخ. ساهمت هذه الإجراءات في إضعاف القوة القائمة وتفكيكها.
يتأبطون شراً والجيش يتشظى
هل كان من الممكن، لو وُجدت نوايا حقيقية، الحفاظ على تلك القوة كإنجاز وطني؟ ولماذا لم يحدث ذلك؟ الإجابة تكمن لدى العسكريين وأطراف النزاع الذين شهدوا تلك التحولات.
المهم أنه لم يتحقق الهدف المعلن بإنشاء الجيش اليمني الجديد، فالكل خطط للعودة، والكل هيكل الجيش على طريقته، لكن لم يعد أحد للسلطة إلا من الباطن وبشكل أقل مما كان عليه.
وفي ظل هذا السياق، نشأت قوى متعددة بسرعة قطار الشرق، بحيث أصبح لكل منها جيشها الخاص، مما أضاف تعقيدًا إضافيًا إلى المشهد اليمني.
إنهم يرونكم من حيث لا ترونهم
في خضم هذه الأحداث المتسارعة، يبرز تساؤل ملح حول هويات هذه الجيوش الكثيرة التي نسمع عنها ولا نراها وماذا عن عقيدتها القتالية. لمن تنتمي هذه الجيوش؟ ولماذا وُجدت؟ وما عقيدتها القتالية، وما هي أهدافها، ومن يقوم بدعمها؟