التربية بالقدوة
الإثنين 28 أبريل ,2025 الساعة: 04:38 مساءً

الأطفال لا يربّيهم الصراخ والضرب، ولا تصلحهم المواعظ الطويلة ، بل تُربّيهم نظراتك، أفعالك، تصرفاتك، تعاملك، وردود فعلك حين تغضب أو تحزن أو تفرح، وهذا ما يُعرف بالتربية بالقدوة، وهو أقوى وأعمق أسلوب تربوي على الإطلاق، بل أبعد من ذلك، القدوة هي التربية كلها، فمن لا يكون قدوة، لن يكون مربيًا، حتى لو ملأ الدنيا نصائح ، فالقدوة تصنع شخصية الطفل؛ لأن الطفل يرى قبل أن يسمع، يقلد قبل أن يفهم. ويتعلم من أفعالك أكثر من كلماتك.. 

فمثلًا، حين يرى طفلك أنك تصْدُق في أقوالك، سيتعلم الصدق دون أن تُلقنّه.. 
حين يراك تُحبّ أمّه وتقدّرها، فهذا يحفّزه على برّها، كما أنه سيتعامل مع زوجته في المستقبل باحترام ولطف وحبّ..
والأم حين تعتذر لطفلها إن أخطأت، فهي تعلّمه التواضع والاعتراف بالخطأ، حتى وهو صغير..
وحين يراك طفلك كثيرا وأنت تقرأ من الكتاب، ستحبّب إليه المعرفة دون أن تأمره..
حين يراك ابنك تهتم بعلاقاتك وبحضورك الإيجابي في المجتمع، فالمؤكد أنه سيتأثر بك ويفعل مثلك، طالما لم تؤثر به مؤثرات خارجية.. 
حين تقول "أنا آسف" لطفلك، أو يسمعك تقولها لأحد أفراد الأسرة، أو للآخرين، إن أخطأت، فإن طفلك يتعلم ثقافة الاعتذار، ويكتشف أن الاعتذار لا يُنقص من قيمة الشخص، بل يرفعها..
حين تنفق وتتصدّق على المحتاجين، ويرى فيك أطفالك هذا السلوك، فإنهم يتعلمون ثقافة العطاء وعمل الخير..

ثم إن التربية بالقدوة ليست فقط أفعال جميلة يتعلّمها طفلك ، هي أيضًا الأخطاء اللي تنعكس عليه من غير ما تشعر..! 
سواء كنت قدوة إيجابية أو سلبية، فإن طفلك سيتأثر بك.. 
فحين تكذب أمام أطفالك، حتى لو على سبيل المزاح، فأنت تعلّمهم أن الكذب سلوك طبيعي، بل إنك استخدمت نفسك كدليل حي على أن الكذب ممكن ، بل ومفيد أحياناً..
حين تسبّ أمام ابنك، اعلم أنه سيسب ، سواء بحضورك أو في غيابك، سواء حذّرته أو سكتّ، طالما سمعك تفعلها، فقد أخذ الإذن منك من غير أن تطلب..
حين تصرخ على زوجتك أمام أولادك، لا تتفاجأ إذا قللوا من احترامها، ولا تستغرب إن رفع أحدهم صوته عليك لاحقًا! لأنك أنت من علمهم أن الصوت العالي يربح النقاش..
حين تلعن وتشتم أمامهم، لا تتفاجأ لما تسمع ألسنتهم تشبه لسانك ، حتى لو حاولت تأدّبهم بالكلام، فصوتك أقوى من نصيحتك..
حين ترفع صوتك على أمه أمامه، فأنت تعلّمه أنه من الطبيعي أن تُهان المرأة ، وتفتح لبناتك باب قبول الإهانة في المستقبل، لأن "أمها سكتت"..
حين لا تحترم والديك أمامهم، لا تتوقّع برًّا منهم في كبرك ، لأن البرّ بالتقليد، لا بالأوامر.. خصوصًا إذا لم يتأثروا إيجابيا خارج البيت، سواء من خلال رفقة صالحة أو في المدرسة أو بقراءة كتاب مؤثر.. 
حين لا تؤدي الصلاة أو تتكاسل عنها أو تتركها دون ندم، فأنت تقول له (دون أن تنطق): "الصلاة مش مهمة"،، حتى لو ظللت تأمره وتنصحه "صلِّ يا ولدي" كل صباح.
حين يراك أطفالك صاحب مشكلات دائمة مع أقاربك والآخرين، وتعاملك مع مشاكلك سلبيًا، وتسعى لتوسيعها بدلًا عن السعي للحلول، فأنت بذلك تورّث أولادك حب افتعال المشاكل وتورّثهم الأحقاد..
حين تهمل أسرتك وأولادك، فأنت تغرس نفس سلوكك في أولادك، سيكرروه مع أسرهم وأولادهم..
حين تضحك على الناس وتسخر من مظهرهم أو فقرهم أو شكلهم، فأنت تنزع الرحمة من قلب طفلك، وتزرع فيه التنمّر والسخرية من الآخرين..
هذه نماذج، وقس على ذلك.. 
ثم فكّر في نفسك، كم من الأشياء التي تفعلها اليوم، تعلّمتها من أفعال أبيك أو أمك دون أن يطلبا منك؟، أو تأثرت بها من أصدقائك وجلسائك.. 
هذه هي القدوة، وتلك هي التربية الصامتة التي تدوم في القلب والعقل.. 

رغم كل ما سبق، قد يكون الوالدين، أحدهما أو كليهما، قدوة إيجابية، لكن المؤكد أنه ليس الأب والأم وحدهما من يربّي الطفل.. !

هناك شُركاء كثيرون في التربية: البيئة، الصحبة (قل لي من تصاحب، أقول لك من أنت)، المدرسة، مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت ، المجتمع بكل ما فيه..

قد تكون صادقًا، فيتعلّم طفلك الكذب من رفاقه، وقد يكون العكس.
قد تكون رحيمًا، فيتشرّب القسوة من أجواء المدرسة.. 
قد تزرع فيه الأدب، فيُقلّد الفوضى التي يراها في الشارع أو على الشاشة.. 
وقد تكون فيك الكثير من الصفات السلبية مع الأسف، لكن طفلك وولدك يصادف معلمًا قدوة أو صديقًا نقيًا، أو برنامجًا قيميًا هادفًا ومؤثرًا، فيتغير للأفضل..

فالتربية معركة جماعية، وأنت فيها القائد ، لكن ليس المقاتل الوحيد..  
لا تنصدم إذا كنت إيجابيا ورأيت من طفلك صفات سلبية، فقد أثّر به أصدقاؤه أو البيئة، وعليك أن تنصحه وترشده.. 
وأيضًا، لا تغترّ إن رأيت منه خيرًا لم تزرعه وحدك..

افعل ما يتوجب عليك وما هو صواب، وما تقدر عليه، كن قدوة إيجابية، وادع الله لهم بالصلاح والتوفيق، وأقم معهم علاقات نقية..


Create Account



Log In Your Account