الأحد 06 يوليو ,2025 الساعة: 05:00 مساءً

الحرف28 -متابعة خاصة
كشف تحقيق ميداني وتحليل مخبري عن تلوث واسع وخطير يهدد التربة الزراعية في اليمن، نتيجة استخدام مبيدات وأسمدة ممنوعة تحتوي على معادن ثقيلة مثل الرصاص والزرنيخ، ما أدى إلى تدهور خصائص التربة وانتقال هذه السموم إلى السلسلة الغذائية للإنسان، في ظل غياب الرقابة وفوضى في قطاع بيع وتداول المبيدات.
التحقيق الذي نشره العربي الجديد، يستند إلى مشاهدات ميدانية وتحاليل مخبرية حديثة، بينها نتائج فحص أجريت في ديسمبر 2024 لعينة تربة من إحدى مزارع منطقة "حجر" بمحافظة الضالع جنوبي البلاد، أظهرت وجود تركيز مرتفع من الرصاص بنسبة 9.9 ملغم/كغم، أي ما يفوق الحد المسموح به بتسعة أضعاف، كما أوضح الدكتور عبد القادر الخراز، أستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة، الذي أكد أيضاً وجود تركيز خطير من الزرنيخ، ما يشير إلى استخدام أسمدة ومبيدات سامة.
ووفق الخراز، فإن تلوث التربة في اليمن لا يقتصر على الضالع، بل يمتد إلى مناطق زراعية رئيسية مثل وادي حريب بمحافظة مأرب التي تعد من أهم مناطق الإنتاج الزراعي في البلاد. وأظهر تحليل ثلاث عينات من تربة وادي حريب أجري في مختبر ALS الماليزي أن نسبة الرصاص بلغت 120 ملغم/كغم، إضافة إلى معادن سامة أخرى كالكادميوم والبريليوم والنيكل والزنك، وبنسب تتجاوز بكثير الحدود البيئية الآمنة.
وبحسب دراسة منشورة بعنوان "تأثير تلوث صناعة النفط على الصحة وسبل العيش: حالة حريب، محافظة مأرب، اليمن"، فإن 70% من المساحات المزروعة في ثلاث مناطق رئيسية بالوادي، بينها "أبو تهيف" و"العقيل" وقرى "العويدان" و"الأشراف" و"العين"، ملوثة بالمعادن الثقيلة، ما يشكل تهديداً مباشراً لصحة المستهلكين، خاصة أن مأرب تساهم بـ7.6% من إجمالي الإنتاج الزراعي في اليمن.
ويمتد خطر التلوث إلى جذور تاريخية، إذ وثّقت تقارير دولية سابقة دفن نحو 30 طناً من المبيدات السامة في مناطق متفرقة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ما أدى إلى تلويث نحو 1500 طن من التربة، كما يشير تقرير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) الصادر عام 1999. وتراكمت كميات أخرى تُقدّر بـ462 طناً من المبيدات القديمة والمهجورة في أكثر من 40 موقعاً على مستوى البلاد، بحسب تقرير رسمي أعده الدكتور هشام ناجي من جامعة صنعاء في أبريل 2023.
ويحذر خبراء الزراعة والبيئة من أن هذه المبيدات تتحلل ببطء شديد وتبقى فعالة في التربة لعقود، حيث تمتصها جذور النباتات وتنتقل إلى الثمار، ومن ثم إلى الإنسان والحيوان. وتربط الدكتورة لنا سعيد، أستاذة علوم البيئة، بين هذا التلوث وزيادة معدلات الإصابة بالسرطان في البلاد، مستندة إلى بيانات المركز الوطني للأورام، الذي سجل ارتفاع الحالات من 4207 في 2015 إلى 6789 في 2022، ووصل إجمالي من تلقوا العلاج إلى 90 ألف حالة منذ 2003.
كما يوثق التحقيق حالة فوضى واسعة في تداول المبيدات، حيث تُباع مبيدات محظورة ومقيدة مثل "دروسبان" و"موسبيلان" و"سوبر أسيد" في أسواق لحج وأبين، رغم إدراجها ضمن قائمة حظر صادرة عن وزارة الزراعة عام 2007. وأكد المهندس الزراعي عبد القادر السميطي أن هذه المبيدات تحتوي على مواد سامة مثل "كلوربيريفوس" تؤثر على الجهاز العصبي والتنفسي والهضمي.
في السياق نفسه، كشف نائب مدير مكتب الزراعة بمحافظة أبين، صالح مكيش مصعبين، عن ضبط مبيدات ممنوعة خلال حملة تفتيش في 2023، من بينها "ميثوميل" و"بيريميفوس-مثيل"، كما كشف عن انتشار بائعين غير مؤهلين يعملون في متاجر بيع المبيدات دون أي شهادة علمية متخصصة، في مخالفة صريحة للقوانين المنظمة.
ووسط هذا المشهد الكارثي، تشعر الأسر اليمنية بالقلق المتزايد، كما تقول الأربعينية إيناس الحمادي من لحج، التي تواظب على غسل الخضروات والفواكه مراراً، دون يقين من قدرتها على إزالة ما تسرب إلى داخل أنسجة المحاصيل.