من التغلب اليزيدي إلى التغلب الزيدي: حين يتدثر الطغيان بالكذب على الله
السبت 09 أُغسطس ,2025 الساعة: 05:23 مساءً

إن اغتصاب السلطة بالقوة واحتكارها العائلي في العقيدة الزيدية السلالية ليس سوى الوجه الآخر لاغتصاب يزيد وعائلته للسلطة؛ فالجوهر واحد: إقصاء الأمة عن حقها في اختيار من يحكمها، وإخضاعها لمنطق السلالية، وربط السلطة بالعصبية السلالية وإنتاج سلطة قسرية غير قابلة للمساءلة أو التبديل مع اختلاف القناع الذي يتدثر به كل طرف. و إذا كان يزيد قد  استند إلى سيف الغلبة الناسوتي الصريح، فإن السلالية الكهنوتية تدثرت  بثوب النزعة المثالية وادعاء الطهورية العرقية  وشرعية الحق الإلهي لاغتصاب حق الأمة، وظاهريًا النتيجة واحدة: سلطة تُستأثر بها فئة وتُحجب عن الناس الشورى والعدالة.

التمييز الحقيقي في مقاييس الشرعية الإسلامية لا يقوم على النسب أو الانتماء، بل على مبدأ إعادة أمانة السلطة إلى أهلها " الأمة لا السلالة"  والعدل وممارسة الشورى. وكل ادعاء يزعم نقاءً نسبيًا أو امتيازًا دمويًا ليبرر احتكار الحكم، مهما تقنع بأقنعة طهورية مثالية، هو في جوهره استبدادٌ شيطاني يتلبس في مظاهر مختلفة . و لا يغيّر من الطبيعة القمعية للنظام شيئًا إذا بقيت آليات المحاصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قائمة.

الفارق الجوهري بين الطرفين ليس في المبدأ، بل في الأسلوب: أحدهما يعلن استخدام القوة صراحة، والآخر لا يتورع عن استخدام  الله والقرآن و الدين كقناع لشرعنة السلالية والاحتكار. " و الله والقرآن في أبواقهم بعض الدعاية "  والسلطة الزيدية بطبيعتها الطاغوتية المتغلبة ليست مجرد سلطة مغتصبة لحق الأمة و  غير قابلة للمساءلة، بل تتبجح بإدعاء القداسة والعصمة والطهارة، وتتقنع بكهنوتية  "أعلام الهدى" الذين لهم الوصاية الدينية والشرعية على الأمة. هذا الادعاء يزيد من تغول الاستبداد، لأنه يحول الحاكم إلى شخصية مقدسة لا يجوز مساءلتها، ويُغلق باب النقد باسم حفظ الدين وتوحيد الصف، ويحوّل المعارضة إلى "فتنة" يجب محاربتها.
 ويصادر فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
من هنا تنبع حاجتنا إلى وعي سياسي يفرّق بوضوح بين الدين كقيمة ومعيار للعدالة، واحتكار الدين كأداة للهيمنة. قراءة النصوص الدينية واشتقاق نظم الحكم يجب أن تُستصحب بها مبادئ الحقوق العامة، ومبدأ أن السلطة مسؤولية لا حقًا سلاليًا. ولا يكفي رفض ظواهر الاستبداد الظاهرة دون نقد منظومات الشرعية المزيفة التي تعيد إنتاجها ضمن بنى اجتماعية وسياسية حديثة.

ولأن المفهوم العملي للعدالة لا يتحقق بالتبجيل الشعائري ولا بالشعارات، بل ببناء مؤسسات  قادرة على ضبط السلوك السياسي: تشريعات واضحة، فصل بين السلطات، مؤسسات قضائية مستقلة، وضمان حقوق التعبير والتنظيم، فإن التغيير لا يتحقق بتغيير أسماء  السلاطين أو أعراقهم ، ولا بإدعاء الطهاربة العرقية التي تستند على تحريم الكلم عن مواضعه بل بتغيير الآليات التي تسمح بالاستئثار بالقرار. وفك الارتباط بين السلطة والعصبية لتحويل السلطة إلى سلطة قابلة للمساءلة لا يوجد فيها طاغوت لا يًسأل عمَا يفعل وهم يسألون. 

إن مواجهة هذا الوجه المزدوج للاستبداد تبدأ بالتربية السياسية، والوعي القانوني، وبناء المؤسسات، وليس باللجوء إلى خطاب يشرعن الاحتكار باسم النقاء أو القوة. وباختصار مواجهة مشروع التغلب الزيدي لا تعني شرعنة التغلب اليزيدي؛ ومواجهة مشروع التغلب اليزيدي بمشروع تغلب يكذب على الله والرسول والقرآن ويدعي الأحقية الإلهية مجرد انحطاط إلى الدرج الأسفل في الطغيان.


Create Account



Log In Your Account