بيننا وبينكم الجنائز​
الأربعاء 29 ديسمبر ,2021 الساعة: 07:33 مساءً

قبل قرون قال العالم أحمد إبن حنبل في وجه حكام عصره الذين اختلف معهم كثيراً حول العديد من القضايا التي كان أهمها قضية خلق القرآن، والتي على إثرها تعرض ابن حنبل للسجن والضرب في بغداد، ومع أن مثل هذا الجدل بدا وكأنه حديث في المسائل العقدية إلا أن حقيقة الأمر في إثارتها على يد الخليفة العباسي المأمون ابن هارون الرشيد في ذلك الوقت كان يعني أن السياسة بدأت تمتطى حصان الدين على يد رجالات السلطة الجدد، كما كانت الفلسفة تمتطى حصان الطب على يد الفلاسفة المسلمين، وقد كان القصد من ذلك هو الايقاع بجماعة المطاوعة أو تصفية هؤلاء الذين اتخذوا لأنفسهم هذا الإسم الحركي ={ المطاوعة } بعدما تعاهدوا على مواجهة فساد وعبث الخفارة والشطار ={ المفصعين في مصطلحنا الحديث} بعد أن عاثوا في بغداد فساداً على إثر حرب الأمين والمأمون، ناهيك عن أن الخليفة المنتصر في الحرب تأخر عن دخول بغداد لمدة سبع سنوات وكأنه أراد أن يعاقب العاصمة بغداد بهؤلاء الخفارة والشطار لكون أهلها حاربوا في صف الأمين، بعد أن نقض هذا الأخير ميثاق أبيه الذي عُلق في ستار الكعبه وأراد أن يجعل إبنه ولي للعهد بدلاً عن اخوه المأمون كما يحكيه هذا العهد.

المهم في الأمر تحول هؤلاء المطاوعة من أمثال احمد بن نصر الخزعي وسهل ابن سلامه الأنصاري وخالد الدريشان وخلفهم ابن حنبل، إلى رموز سياسية لكونهم مارسوا سلطة أمر واقع في بغداد لمدة سبع سنوات تصدوا فيه لفساد الخفارة والشطار ، وعندما ادرك الخلفية المأمون خطرهم من الناحية السياسية أراد الايقاع بهم لكسر شوكة البعض منهم وتصفيه البعض الآخر في معركة خلق القرآن، تحت حجة أن هؤلاء زنادقة، مع أن مسئلة خلق القرآن كانت قبل ذلك مسئلة خلافية لا تستدعي تكفير القائل بها فكيف بمن لا يقول بها .

ومع أن إبن حنبل كان يدرك البعد السياسي لمحنته، بدا وكان لسان حاله يقول بيننا وبينكم الجمهور، وهو ما يفهم من قوله ={ بيننا وبينكم الجنائز } ما يعني أن الرجل كان يعي تماماً أن الناس قد تخرج لاستقبال حاكم أو لحضور مهرجان تحت دوافع نفعيه مصلحية لكن الخروج للوداع الأخير في مواكب الجنائز هو تعبير عن الإيمان بالقيم والمواقف والمبادئ التي كان يحملها صاحب الجنازة في حياته، وهو خروج خالي من انتظار المصالح لأن المحمول على الأكتاف لا يستطيع أن ينفع أحد بعد موته.

جارالله عمر الامين العام المساعد للحزب الاشراكي يعد في اليمن المعاصر نموذجاً لمثل هذا الرهان الذي قال به أحمد ابن حنبل قبل قرون من الزمان في وجه الحاكم الذي يخطط للتخلص من خصومه السياسيين، 
اريد التخلص من جار الله عمر المشبع بقيم التسامح السياسي، ومن دوره المحوري في قيادة اللقاء المشترك، وقتل بتهمة العلمانية والزندقه، وبشكل أريد للسياسة أن تمتطي حصان الدين مع قاتل جار الله الذي يحمل نفس الاسم، إلا أن اليمنيين مازالوا حتى اليوم مذهولين من حجم التجمهر البشرى الذي حضر جنازته داخل العاصمة صنعاء، ناهيك أن مثل هذا التجمهر حدث داخل العاصمة السياسية، بغرض وداع معارض سياسي معروف ببساطته وفي حياة الحاكم الذي كان يصول ويجول في طول البلاد وعرضها.


Create Account



Log In Your Account