الأربعاء 08 يناير ,2025 الساعة: 03:55 مساءً
يعود صراع المستأجرين مع المؤجرين إلى الواجهة في مدينة تعز المحاصرة. وهي قضية لا تحتمل الفهلوة لو أن هناك رجال دولة، لكنهم غير موجودين مع الأسف.
مع بداية كل عام يعيش المستأجرين وهم الأغلبية الساحقة في هذه المدينة، حرب نفسية طاحنة. الأوضاع الاقتصادية من سيء إلى أسوأ والمؤجرين يتمادون في التوحش (إلا من رحم ربي). يطلبون ان يكون مبلغ الإيجار بالريال السعودي وبنسبة زيادة قد تتجاوز ٢٠٠%. هذا لا يحدث حتى في دبي.
المؤجرون الذين نزح معظمهم من المدينة في بداية الحرب عادوا وأصبحوا يتسلطون على البسطاء الذين دافعوا عن المدينة، سواء بحمل السلاح والقتال أو بالصمود والاستبسال وسط جو من الرعب خيم لسنوات. حينها كان المؤجرون يشعرون بامتنان اتجاه المستأجرين الذين لولاهم لتعرضت المنازل للنهب والاستيلاء من قبل المسلحين المنفلتين، لكن اليوم تغير الوضع مع زيادة الطلب على المساكن. يضع المؤجر مطالب تعجيزية لتطفيش المستأجر القديم وطرده من الشقة من أجل تأجيرها بمبلغ كبير لمستأجر جديد.
معظم الذين صمدوا في السنوات الأولى للحرب، أصبحوا يسكنون في دكاكين، أو ذهبوا للاستئجار في المناطق القريبة من خطوط النار لأن أسعار الإيجار هناك بالقرب من احتمالية الموت لا تزال منخفظة. وكأن قدر الفقير العيش الدائم في محاذاة الموت.
لا يمكن تخيل القهر الذي يشعر به المستأجر في تعز لمن لم يعش التجربة. وهي تجربة مريرة، حيث يلجأ المؤجرون إلى كل صنوف التعذيب النفسي، من إغلاق الماء على المستأجر إلى فصل الكهرباء أو العبث بألواح الطاقة الشمسية ومنع بقائها في سطح العمارة وهناك من يقوم بإضافة قفل للشقة واغلاقها، قبل أن يتطور الأمر إلى إشعال الحريق بالمستأجر وأسرته كما تابعنا قبل أيام.
وإذا وصلت القضية إلى المحكمة فالمؤجرين مسنودين بقانون يصب في صالحهم شرعه برلمان جل اعضاءه من ملاك العقارات. لهذا أصبح كل من يذهب إلى المحكمة يعود خائبا، ٩٩% من الاحكام تكون لصالح المؤجر. وهناك قضاة حرفيين (حافظين ومش فاهمين لحاجة أسمها روح العدالة أو شيء يدعى الظروف الاستثنائية).
لا وجود للدولة في هذا الصراع، لأن المسؤولين أو من يمتلكون القرار ويستطيعون حل هذه المشكلة، هم أيضا من طبقة تمتلك عقارات واستثمارات ولديهم حوافز ومناجم فساد تجعلهم بعيدين عن معاناة الناس إذا لم يكونوا أصحاب مصلحة في ادامة هذه المعاناة. بالرغم من أن معظم المستأجرين الذين يعانوا هم من موظفي الدولة الذين انهارت قيمة رواتبهم وأصبحوا لا يجدون قوت يومهم. لكن الدولة لا تدافع عنهم بل تتواطأ مع المؤجرين الذين لم يدفعوا ضرائب العقارات منذ بداية الحرب.
شعور المستأجر بعدم الأمان داخل منزله، يجعله يشعر بالضرورة، أن هذا الوطن ليس له، بل ملك ناس آخرين، وأن الدولة بقانونها المنحاز ومسؤوليها التافهين، هي دولة الملاك والفاسدين.