أمير غالب والجالية اليمنية في أمريكا: من التأييد السياسي إلى صناعة القرار
السبت 08 مارس ,2025 الساعة: 04:19 مساءً


 
عندما أعلن عمدة هامترامك، أمير غالب، تأييده للرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، أثار ذلك نقاشًا واسعًا حول وعي الجاليات المهاجرة بأهمية الاصطفاف السياسي بناءً على المصالح لا الانتماءات التقليدية. حينها، كتبت مقالًا بعنوان "التحول السياسي في رؤية الجاليات اليمنية: أمير غالب نموذج"، أشرت فيه إلى أن هذه الخطوة تمثل نضجًا في تعاطي الجالية مع ديناميكيات السياسة الأمريكية. واليوم، مع تعيينه سفيرًا، يبدو أن هذا التحول لم يكن لحظيًا أو عابرًا، بل خطوة ضمن مسار طويل من الاندماج السياسي المدروس.
على مدى العقود الماضية، شهدت الجالية اليمنية في الولايات المتحدة تحولات جوهرية تجاوزت السعي نحو الاستقرار الاقتصادي لتصل إلى مرحلة التأثير السياسي الفاعل. لم يعد الحضور اليمني مقتصرًا على ريادة الأعمال والوظائف التقليدية، بل أصبح جزءًا من معادلة النفوذ داخل المؤسسات الأمريكية. تتجلى ذروة هذا التحول في تعيين أمير غالب سفيرًا للولايات المتحدة لدى الكويت، وهو حدث غير مسبوق يعكس مدى اندماج الجالية في النظام السياسي الأمريكي وقدرتها على الوصول إلى مواقع صنع القرار.
التحولات السياسية للجالية اليمنية: من الهامش إلى التأثير
عانت الجالية اليمنية في أمريكا لفترة طويلة من العزلة السياسية وضعف المشاركة في الحياة العامة، وهو ما كان نتيجة لعوامل متعددة، منها الخلفية الثقافية المحافظة، والانشغال بتأمين سبل العيش، بالإضافة إلى انعدام الرؤية السياسية الواضحة. ومع ذلك، بدأت الجالية خلال العقدين الأخيرين في اكتساب ثقل سياسي متزايد، وظهر ذلك بوضوح في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، حيث أصبح الصوت اليمني قادرًا على ترجيح كفة بعض المرشحين، خاصة في الولايات التي تشهد تنافسًا حادًا بين الجمهوريين والديمقراطيين.
في هذا السياق، كان موقف بعض القيادات اليمنية، مثل أمير غالب، من تأييد دونالد ترامب خطوة لافتة، عكست تحولًا في معايير الاصطفاف السياسي. لم يعد الولاء السياسي قائمًا على الرؤية الأيديولوجية أو الانتماء الحزبي التقليدي، بل أصبح يستند إلى المصلحة المباشرة للجالية، وهذا تطور مهم يُظهر إدراكًا أعمق لآليات النظام السياسي الأمريكي وكيفية التفاعل معه لتحقيق مكاسب ملموسة.

تعيين أمير غالب: النجاح الفردي وصناعة النفوذ الجماعي
يُمثل تعيين أمير غالب سفيرًا للولايات المتحدة لدى الكويت نجاحًا شخصيًا له، لكنه في الوقت ذاته يعكس تحولًا أعمق في حضور الجالية اليمنية على الساحة الأمريكية. فالمسألة لا تتعلق فقط بوصول فرد إلى منصب دبلوماسي رفيع، بل تتجاوز ذلك إلى ما يمكن أن يشكله هذا الحدث من فرصة لإعادة صياغة الدور السياسي لليمنيين في المهجر، بحيث لا يظل هذا الحضور محصورًا في إنجازات فردية عابرة، بل يتحول إلى قوة منظمة قادرة على التأثير والاستمرار.

الجالية اليمنية في أمريكا: بين الانقسامات الداخلية وفرص التأثير
رغم التقدم السياسي الملحوظ للجالية اليمنية في الولايات المتحدة، لا تزال الانقسامات الداخلية تعيق قدرتها على تحقيق نفوذ جماعي مؤثر. فالتباينات التي تعكس الصراعات اليمنية الأصلية—من التنافس بين الإصلاح والمؤتمر إلى الانقسام الشمالي الجنوبي—تُعيد إنتاج الاستقطابات التي تمزق اليمن داخليًا، مما يضعف الجالية ويجعلها أكثر عرضة لتأثيرات القوى الإقليمية الساعية إلى توظيفها كأداة لخدمة أجنداتها. وبينما نجحت جاليات أخرى في توحيد جهودها لتحقيق مكاسب سياسية، لا يزال اليمنيون في المهجر يواجهون تحدي التوافق على رؤية موحدة تتجاوز الخلافات التقليدية.

الغرب.. حيث تصنع المؤسسات النفوذ والنجاح
في الغرب، لا تُبنى القوة على الأفراد وحدهم، بل على المؤسسات التي تمنحهم القدرة على التحرك والتأثير ضمن منظومة سياسية واقتصادية مترابطة. النجاح هناك ليس امتيازًا محصورًا لفئة معينة، بل هو متاح لمن يمتلك مشروعًا واضحًا، وطموحًا مقرونًا بالجرأة. لكن هذا الطموح الفردي، مهما بلغ، لا يكفي وحده ما لم يتم احتواؤه داخل شبكة مؤسساتية قادرة على دعمه، وتوجيهه، وتوسيع أثره.

من الحضور العاطفي إلى النفوذ السياسي الحقيقي
النجاح في السياسة الأمريكية لا يُقاس بمجرد الظهور الإعلامي أو تحقيق مكاسب فردية، بل يتجسد في القدرة على بناء نفوذ سياسي مستدام، يجعل الجالية اليمنية رقمًا صعبًا في معادلة التأثير واتخاذ القرار. هذا النفوذ لا يتحقق بردود الفعل العاطفية أو التفاعلات اللحظية، بل يتطلب استراتيجية طويلة الأمد تبدأ بالاستثمار في الجيل الجديد، عبر تشجيع الشباب اليمني الأمريكي على دراسة العلوم السياسية والقانون، والانخراط الفعلي في المؤسسات الأمريكية، ليصبحوا جزءًا من منظومة صنع القرار بدلًا من أن يظلوا مجرد ناخبين هامشيين.

الخروج من عقلية “الاغتراب التقليدي” نحو رؤية أوسع
لا يزال العديد من أبناء الجالية اليمنية يعيشون في عقلية المهاجر التقليدي، التي ترى في أمريكا مجرد فرصة اقتصادية، دون وعيٍ بالآفاق السياسية والاجتماعية التي يمكن استثمارها. هذه العقلية لا تقتصر على تقييد الطموح، بل تفرض عزلة تجعل التفكير محصورًا في إطار “تحصيل لقمة العيش” بدلًا من الانخراط في بناء النفوذ وصناعة القرار. والخطورة هنا لا تكمن فقط في إضاعة الفرص، بل في إبقاء الجالية رهينة للهامش، بلا قدرة على التأثير أو الدفاع عن مصالحها في بيئة سياسية لا تعترف إلا بالقوة والتنظيم.

الخاتمة: نحو مشروع سياسي يمني أمريكي متكامل
تعيين أمير غالب سفيرًا يمثل محطة مفصلية في مسار الجالية اليمنية بأمريكا، لكنه يجب أن يكون نقطة انطلاق، لا غاية بحد ذاتها. فالحضور السياسي الحقيقي لا يُقاس بوصول فرد إلى منصب، بل بقدرة جماعة بأكملها على فرض نفسها كرقم صعب في معادلات النفوذ والتأثير. واليوم، أمام الجالية فرصة تاريخية لإعادة تعريف موقعها، والتحول من مجرد تجمع مهاجرين يقتصر دوره على العمل الاقتصادي والاستهلاك، إلى قوة سياسية فاعلة تمتلك أدوات التأثير وتفرض مصالحها على الطاولة. غير أن تحقيق هذا التحول يستلزم أولًا كسر قيد الاستقطاب السياسي الداخلي، حيث يظل الانجرار وراء صراعات اليمن السياسية وتصديرها إلى المهجر أحد العوائق الخطيرة التي تمنع بناء موقف موحد يخدم الجالية ككل.

أما أخطر ما يواجه هذا التحول فهو استمرار العقلية التقليدية للمهاجر، تلك العقلية التي ترى في الاغتراب محطة مؤقتة، أو تكتفي بالبحث عن الفُتات بدل السعي إلى التأثير الفعلي. النجاح في أمريكا ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب كسر هذه القيود الذهنية، والانتقال من عقلية "المهاجر التقليدي" إلى عقلية المنافس السياسي وصانع القرار، الذي لا ينتظر أن تُمنح له الفرص، بل يعرف كيف يخلقها ويفرضها بقوة الحضور والعمل المنظم.


Create Account



Log In Your Account