مجدداً.. الحلفاء الأعداء
الجمعة 21 مارس ,2025 الساعة: 08:30 مساءً

تروِّج السردية الرسمية أن التدخل السعودي في اليمن جاء بطلب من الرئيس السابق هادي.
هذه الرواية تفتقر لأي دليل موثّق، فلم تنشر أي رسالة رسمية تؤكد ذلك لا من الجانب اليمني ولا من السعودية.

على العكس، هناك معطيات تشير إلى أن هادي فوجئ بإعلان التحالف، وبدء الحملة الجوية، ليلة 26 مارس 2015، بينما كان قد لجأ فعلياً إلى مسقط.

عملياً لا يمكن تصوَّر أن تحالفاً عسكرياً يضم عدَّة دول قد تشكل فجأة استجابة لطلب عاجل. فمثل هذه التحالفات تتطلب استعدادات سياسية وعسكرية ولوجستية معقَّدة تحتاج إلى أشهر من التحضير.

هذا يعزز الاعتقاد بأن قرار الرياض بالتدخل جاء قبل الإعلان الرسمي بأشهر، مدفوعاً بالتهديدات الأمنية في الخاصرة الجنوبية للمملكة، وخيبة الأمل من بروز إيران كفاعل حاسم ومستفيد أخير من الانقلاب.

أولى إشارات القلق كانت عندما أطلق الحوثيون وصالح مناورات عسكرية قُرب الحدود السعودية الجنوبية، حملت تهديداً واضحاً.

من جانب آخر، تفرض مقتضيات إعلان أي تحالف تحت أي مسمى وجود صيغة  اتفاق هي خلاصة تفاوض مضنٍ تضع إطاراً مشروعاً لهذه العلاقة، وتحدد التزامات أطرافه وحدوده.

في الحالة اليمنية، هذا الأمر لا وجود له. ليس هناك اتفاق، ولا وجود لأي تفاهمات مكتوبة.

والأغرب أن "التحالف"، الذي يفترض أنه جاء لنصرة الشرعية اليمنية، لم يضع اليمن شريكاً أساسياً، بل فرض عليه دولاً أخرى، بعضها كان جزءاً من المؤامرة على الشرعية نفسها!

بل إن السعودية، وفق تصريحات مستشار الديوان الملكي "أنور عشقي"، كانت على تواصل مع الحوثيين قبل الانقلاب، والمؤكد أنها مارست ضغطاً هائلاً لإخلاء دماج من السلفيين، مما سهّل للحوثيين السيطرة عليها.

هذه الواقعة كانت نقطة تحول مهمة لمصلحة الحوثيين، وفتحت الطريق أمامهم إلى عمران ثم صنعاء.

والمفارقة، أن تلفزيون "الحدث" السعودي كان أول من حصل بعد الحرب على مقاطع فيديو توثق مشاركة عناصر من "حزب الله" في التخطيط للسيطرة على دماج!

كل هذ التضارب والتناقضات انعكست على نتائج التحالف خلال عقد من الصراع.

تذبذبت الحرب بين مواجهة مفتوحة وتسويات معلنة وسرية، وشهد قسم مهم منها حالة من اللاسلم واللاحرب.

النتيجة كانت تقويض الشرعية اليمنية كممثل للإرادة الجمعية اليمنية، واستبدالها بشرعيات متصارعة.  

مكَّن هذا النهج الحوثيين من أن يصيروا القوة الضاربة في البلاد، كما أسفر عن تمكين إيران من النفوذ الذي كانت تبحث عنه على سواحل البحر الأحمر، وبالقرب من باب المندب.

وبدلاً من إعادة هادي إلى صنعاء، انتهى الأمر بطرده من عدن، قبل إجباره على نقل السلطة خلف أبواب مغلقة في الرياض.

كان هادي نقطة الضعف التي تسللت منها معظم هذه النكبات، وكان الجسر الذي عبرت عليه الانقلابات الداخلية والخارجية معاً.

طوال هذه السنوات، ظل التحالف يرفع شعار "مساندة الشرعية وإنهاء الانقلاب"، حتى كشف عن نفسه تدريجياً كصاحب القرار الفعلي في اليمن، بدءاً من اتفاق ستوكهولم إلى هدنة أبريل 2022، وصولاً إلى خارطة الحل السعودية المتعثرة وحرب ترامب الأخيرة.

ومع ذوبان الشرعية، أصبح التحالف هو الجهة التي تحدد مصير اليمن، حرباً أو سلماً، وحدةً أو تقسيمًا، فيما تتنافس أطرافه للسيطرة على المناطق المحررة، وكلٌ يكوّن جيشه الخاص.

وفي الزوايا المظلمة تجري مساومات وصفقات بين أطراف التحالف وقوى إقليمية ودولية أخرى، حيث يتصرفون مع اليمن كغنيمة حرب.

يتم ابرام اتفاقات لاستحداث  قواعد عسكرية وأمنية دون علم الحكومة، أو كأمر واقع أقرب إلى الاحتلال.

هذا النقاش الآن حول مشروعية التحالف وطبيعته، والسياق الذي تشكل فيه، مدفوع بالمتغيرات الإقليمية والدولية مع الحملة العسكرية الأمريكية على الحوثيين.

فالتحالف، الذي قاد الحرب "السائبة" خلال العقد الماضي، وضع البلاد في مسار شديد التعقيد حتى على مستوى الشرعية نفسها، ثم إن النتائج جعلت البلاد مشكلة كبرى  وشأناً يخص العالم بصورة مفتوحة.

اليوم، بينما تتفاعل التطورات على الساحة اليمنية بتدخلات عسكرية أمريكية محكومة بالدوافع الأمريكية المحضة، يزداد الوضع تعقيداً مع غياب أي تحرك يمني محلي للحد من الأضرار التي يتسبب بها الحوثي.

لقد أوصلت الحرب، التي قادها التحالف، البلاد إلى هذا الوضع الكارثي، مع ذلك لازالت الخيارات التي يحددها التحالف هي الطريق الإجباري للشرعية في نسختها الأكثر خضوعاً.

يريد "التحالف" السلام، وليس لديه طريق للوصول إليه، بينما يشارك الحوثيين في إدارة انهيار اقتصادي مدبّر، ويفاقم حالة التمزّق ويعمّق الأزمة.

في المقابل، تُحكم إيران قبضتها عبر الحوثيين على معظم السكان، وتدير حرباً متعددة الأوجه أحالت حياة اليمنيين بصورة عامة إلى جحيم.

هذا الاستسلام الرسمي فتح الباب على مصراعيه للأجندات الخارجية، في قلبها أجندة إيران، وجعل اليمن ساحة مستباحة.

وكلما استمر هذا النهج، سيظل اليمن مفتوحاً لكل الأطماع والمصالح غير المشروعة والمزيد من المتدخلين، وتعقيد الوضع المعقد أصلاً.

ما هو ثابت أن التدخلات الخارجية، التي استدعاها انقلاب الحوثي، لا زالت سبباً في استدعاء المزيد من التدخلات بفعل عمله كذراع لإيران، وهو أمر لم يعد بحاجة لتأكيده.

هذه التدخلات، بدءًا من التحالف العربي وصولاً إلى حملة ترمب، محكومة بمصالحها الخاصة وأجندتها المتصادمة مع المصالح اليمنية، ويبدو أننا سنكون أمام متوالية من التدخلات بلا نهاية، حيث البلد مجرداً من قراره وسيادته، وتخذله قواه المحلية.

اليوم، مع سياسة ترامب التصعيدية حيال الحوثيين بعد عقد من التواطؤات والتسهيلات الإقليمية والدولية، تحضر مصالح العالم كله، بينما يغيب اليمنيون عن مشهد تقرير مصيرهم.

لا وجود فاعل ليمنيين يمثلون مصالح بلادهم. لا يحضر اليمن إلا باعتباره ساحة مساومات كبرى لتسوية ملفات عديدة، والأكثر إذلالاً أن "التحالف" صارت أطرافه تبيع خدماتها للعالم من اليمن كلاً بحسب مصالحه.

ربما نشهد تحالفات جديدة من داخل "التحالف" نفسه، وبتوظيف أطراف محلية تتويجاً لعشر سنوات من تآكل الإرادة اليمنية، واستلابها.

هذه التطورات تحدث بينما لا يزال الكثير من اليمنيين يديرون رؤوسهم في سكرة طويلة بلا حراك خلف التحالف.

لقد ثبت بالخبرة والتجربة على مرأى الناس العاديين، دون الحاجة إلى تحليلات، أنه لا وجود لـ"تحالف عربي" يعمل بضوابط والتزامات مكتوبة "لدعم الشرعية" في اليمن، ولم يكن موجوداً في أيّ وقت.

كان شيئاً آخر لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بالشعارات التي رفعها، وكان مجرد "تكاذب" نخبوي يمني منحه الشرعية ولا يزال.

لم يكن تحالفاً ضد الحوثيين ولا إيران، لم  يكن مع اليمن، بل سبباً في إغراقها، وتعميق أزمتها أكثر.

بالتأكيد، كانت معضلتنا الأهم على الدوام: القوى المحلية اليمنية، ونخبتنا بكل تنويعاتها.

لقد ركض هؤلاء كثيراً خلف التحالف بتناقضاته وتضارب مصالحه مع مصالح اليمن، وإذا كانوا قد أخفقوا في التصرف كيمنيين، فإنهم لم يجربوا يوماً أن يكونوا حتى حلفاء لأنفسهم لمواجهة تهديد وجودي، لن يبقي أحداً في مكانه.

نقلاً عن موقع قناة بلقيس


Create Account



Log In Your Account