أسئلة الثورة السورية.. مشروعية الفعل الثوري وشرعية السلطة الثورية
الإثنين 07 أبريل ,2025 الساعة: 06:14 مساءً

معضلة الثورة في سياق التجربة التاريخية للعرب تكمن في أن الثورة قابلة للتعريف بفعلها الثوري وليس بـمشروعها السياسي وكأن إسقاط الحاكم هو المنجز الثوري. 

في الماضي البعيد، حاولت بعض النخب التعاطى مع سؤال المشروع (اقصد علماء الدين) وعندما تبين لهم أن الخروج على سلطة الحاكم أو الخليفة يكلف آلأمه الكثير من أمنها واستقرارها دون أن يحدث تغيير ملموس في واقع الناس، ذهبوا للقول بتحريم الخروج على الحاكم الظالم وإن أخذ مالك أو جلد ظهرك. 

فبدلاً من قيام هؤلاء بخلق الوعي بالمسألة السياسية أغلقوا الباب على فكرة التغيير الثوري فكانت النتيجة تقول: آن للاستبداد السياسي أن يمد رجله بفتوى دينيه، لهذا تحولت الثورة إلى كفر بالعقيدة والثائر باغي على الجماعة.

صحيح الثورة ليست غاية بذاتها بل وسيلة تلجأ إليها القوى السياسية والاجتماعية لا سيما حين يتمكن الحكم من إغلاق المجال السياسي العام، وهذا يعني أن الثورة بقدر ما هي « من زاوية المشروعية » معنية بفتح أبواب التحريم السياسي التي اغلقها الحاكم خلال فترة حكمه، بقدر ما هي « من زاوية المشروع السياسي » معنية بتحقيق المشروع الوطني.

بناء على هذا المدخل يجدر بنا أن نطرح بعض الأسئلة على طاولة الثورة السورية وهي القائلة على سبيل المثال وليس الحصر : هل كانت مشكلة الاسدين مع الشعب السوري مشكلة طائفية أو مذهبية أم سياسية ؟

وهل كانت الثورة في سوريا لازمة ضد نظام الأسد؟
وماذا كانت تحتاج سوريا قبل الثورة وحتى بعدها لكي تكون حره ؟ 
لاسيما وأن التغني بـ « سوريا الحرة » بدا هو العنوان التبشيري المكثف سياسياً للثورة.
واخيراً : هل حرية السوريين «بمفهوم الخلاص التاريخي من نظام الاستبداد » سيتحقق في ظل سلطة الثوار أم في ظل فكرة الثورة؟

من نافلة القول أن الشعوب التي شهدت تحولات ثقافية عميقة هي التي أصبحت تتعاطى سياسياً مع الثورات دون دفع أثمان باهضة في مسار الثورة، لكن العرب وحدهم ما يزالون يعيشون مرحلة المجتمعات التقليدية، الأمر الذي يجعل العربي بأمس الحاجة إلى التعاطي المعرفي مع الثورة، وهذا يتطلب استحضار الغائب في ثقافة العربي وهي العقلانية والتجرد من اثقال الانتماءات.

الانتليجنسيا التي أصبحت "ثقافياً" معنية بقيادة حركات التغيير أو الثورات تقول إن المعرفة هي مطاردة الحقيقة، والتعاطي المعرفي مع الثورة السورية يعني مطاردة الحقيقة السياسية الغائبة في زمن الأسدين وليس مطاردة فلول بشار كخصوم للثورة ومن ثم تحويل هذه المطاردة إلى مشروع للثورة تحت عناوين مصطنعه: { العلويين} على هامش أحداث الثورة. 

وإلا ماذا يعني تبرير الكثيرين للفعل المسلح الآتي من خارج سوريا في سبيل حرية الشعب السوري؟!

على المتباكين على سقوط الأسد أن يدركوا من باب المعرفة الحقائق المتعلقة بمشروعية الفعل الثوري في سوريا وهي على النحو الآتي:
1-الحقيقة الأولى :- الاستبداد السياسي للحاكم يغلق المجال السياسي العام.

لم تكن مشكلة الأسدين مع السوريين تتعلق بوجود سلطة طائفية أو مذهبية، بل بوجود سلطة سياسية استبدادية عائلية، فالثورة في سوريا تجد مشروعية فعلها الثوري في تغول الاستبداد السياسي وفي القمع المفرط للحريات السياسية التي مارستها سلطة الأسدين ضد تطلعات الكثيرين من السوريين.

إذا كنا نتفق أن تغول الاستبداد سمة عامة للأنظمة العربية فعلينا أن نسلم بأن الاستبداد السياسي هو المشروعية الأولي للفعل الثوري في زمن الربيع العربي الذي اجتاح عدداً من الدول العربية، ومنها سوريا.

2- الحقيقة الثانية:- الاستبداد السياسي يبتلع الدولة الوطنية والحزب والنظام الجمهوري.
انقلاب الأسد الأب كان يعني سيطرة حزب البعث على مقاليد السلطة في سوريا فـالحزب في ادبياته السياسية يعرف وجوده بأنه حزب انقلابي، أيّ ينقض على السلطة من أجل تنفيذ مشروعه السياسي والقومي، وهذا يعني أن الحزب معني بقيادة سلطة الدولة السورية، لكن سيطرة الأسد الأب على مفاصل السلطة حولت البعث من حزب حاكم إلى حزب لسلطة الاسد الحاكمة في سوريا.

هذا الاستبداد السياسي الذي بدأ بتعطيل دور الحزب لم يمكن سلطة الأسد من ابتلاع المؤسسات الوطنية للدوله، بل مكنها من تنفيذ المشروع العائلي للأسد الأب وتسليم مقاليد السلطة للأسد الإبن ما يعني أن الاستبداد السياسي لم يعيق تحول سوريا إلى دولة وطنية ديمقراطية فقط بل ذهب للانقلاب على محتوى الجمهورية وتحويلها إلى نظام وراثي وهذا يمثل مشروعية سياسية واجتماعية للفعل الثوري في سوريا.

3- الحقيقة الثالثة :- الاستبداد السياسي يتشبث بالسلطة و يفرط بالسيادة. 
كان من الطبيعي أن تندلع الثورة في سوريا ضد بشار كما اندلعت ضد بن على وضد مبارك وضد صالح والقذافي و البشير، كل هؤلاء صنعوا مشروعية الفعل الثوري في بلدانهم مع الفارق أن بعض هؤلاء كان له ادواته الناعمة وبعضهم كان له ادواته الخشنة في مسألة ابتلاع مؤسسات الدوله، كما أن بعضهم نجح بشكل نهائي في ابتلاع المؤسسات الوطنية للدوله، وهو ما يفسر انتقال بلدانهم للفوضى والانهيار بعد رحليهم مثل صالح والقذافي و البشير، وبعضهم لم ينجح بشكل كبير مثل مبارك وبن علي، لهذا لم تنتقل مصر وتونس للفوضى والانهيار  التام.

صحيح أن الثورة في سوريا لم تكن قد اكتسبت زخمها الشعبي والجماهيري مقارنة بالثورة اليمنية أو المصرية، وصحيح أن الفعل الثوري في سوريا تم التقاطه مبكراً من قبل دول إقليمية ترغب في إسقاط الأسد بدوافع الخصومة السياسية وليس بدوافع الانتصار لفكرة الدولة الوطنية الديمقراطية الغائبة في سوريا، الأمر الذي أدى إلى تسليح الثوره السلميه و عسكرة سوريا بين داعمين للثورة و داعمين للاسد المتشبث بالسلطة، لكن المؤكد أن بطش الأسد بسلمية الثورة و تشبثه بالسلطة وفي المقابل تسليح الثورة و عسكرة سوريا والتفريط بسيادتها ما كان ليحدث لو أن في سوريا مؤسسات جيش وطني قادرة على اتخاذ القرار وتصدُر المشهد والعمل على نقل السلطة مثل ما حدث مع بن على ومبارك.

وفي مقابل ذلك على مناصرين الثورة في سوريا أن يدركوا، من باب السياسة،  الحقائق المتعلقة بشرعية السلطة الثورية في سوريا: 
1- الحقيقة الأولى : 
على هؤلاء أن يدركون أن سوريا قبل الثورة كانت بلداً منتجاً، فالمعروف أن سوريا قبل الثورة كانت دوله مكتفية، بل مصدره للقمح كما أن منتجاتها الصناعية كانت الأفضل عربياً، كما أن اقتصادها كان ينمو واسعارها ثابته وفيها جوده ممتازه في التعليم والثقافة والفن والمعرفة، وفي المقابل فإن نظام الأسدين كان داعم لفصائل المقاومة الفلسطينية باعتراف قادة حماس والجهاد، ولم يعترف بالوجود الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، ناهيك عن أن الصورة التي عرضتها قناة الجزيره للمنزل الذي تعيش فيه عائلة بشار الأسد تظهر أن الرجل كان يعيش في منزل بسيط ومتواضع جدآ ( بيت مدير عام في اليمن أفضل منها بكثير ) وهذا يعكس عدم الاستئثار بالمال العام من قبل بشار الأسد، ما يعني ان انتشال سوريا إلى ما كانت عليه إيجابياً قبل الأحداث، لا يعني منح الشرعية للسلطة الثورية.

2- الحقيقة الثانية : 
صحيح أن قمع المعارضة والتنكيل بها في سوريا كان شديداً، لكن ذلك كان صادراً عن سلطة سياسية استبدادية وليست مذهبية أو طائفية وفي نفس الوقت ترى أن المعارضة وفي مقدمتها الحركة الإسلامية هي جماعة سياسية معارضة تفكر في السلطة السياسية وليس جماعة دينيه تنشر المذهب أو العقيدة. وهذا يعني أن سوريا لم تكن محتاجه الى سلطة سنية أو حاكم سني يطلق لحيته أو جماعات مسلحة تصدح بالتكبيرات في وجه بعض المكونات في سوريا ثم يذهب الكثير من أفرادها لتكريس انتصار مذهبي طائفي يعبرون عنه بممارسة جرائم القتل في حق العلويين السوريين انتقاماً من بطش الأسد الذي كان في حقيقة الأمر بطش لجماعات سياسية تفكر بالسلطة.

كم كان سؤال الرئيس التركي سمجاً في خطابه المتعلق بالحديث عن ما تعرض له العلويين حين قال ( اين كان هؤلاء عندما كان الأسد يقتل السوريين) يقصد أين كان هؤلاء الذين يتحدثون اليوم عن قتل العلويين ولماذا لم يتحدثون عن جرم الأسد، وكأن لسان حاله يقول: هذه بتلك!

ربما كان سؤال أردوغان متناغماً مع ما يجب أن يكون عليه الحال في سوريا من زاوية المصالح التركية في سوريا في ظل سلطة الشرع، كما كانت عليه المصالح الإيرانية في زمن الأسد، لكن شرعية السلطة الثورية في سوريا يجب أن لا تكتسب وجودها السياسي من ممارسات الأسد القمعية ضد شعبه، بل من استحضار ما كان غائب ومحرم ولم يسمح الأسد بممارسته كحق سياسي للسوريين، أقصد الحريه السياسية والتعدديه الحزبية والتداول السلمي للسلطة، بمعنى آخر الثورة التي أسقطت سلطة بشار الأسد بسلاح الخارج ستظل شرعية سلطتها السياسية مرتبطة وجوداً وعدماً ليس بتحقيق الأمن أو الاستقرار ولا حتى باستعادة السيادة الوطنية، بل بقدرة هذه السلطة على تحويل المكونات الإجتماعية في سوريا إلى شعب سياسي وتحول السلطة في سوريا إلى دوله وطنية ديمقراطيه تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وهو ما سوف يحول سوريا إلى وطن للسوريين.


Create Account



Log In Your Account